أطروحة دكتوراه عن استلاب الشخصية في الرواية المصرية المعاصرة

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حصل الباحث عيد خليفة علي محمد، المدرس المساعد بجامعة الأزهر بأسيوط، على درجة الدكتوراه في النقد الأدبي الحديث، عن أطروحته العلمية (صورة الشخصية المستلبة في الرواية المصرية المعاصرة من 2001م إلى 2015م – نماذج مختارة).

وتكونت لجنة المناقشة من الأستاذ الدكتور حنفي محمود مصطفى أستاذ النقد الأدبي المتفرغ بجامعة الأزهر، والأستاذ الدكتور عصمت رضوان وكيل كلية اللغة العربية بجرجا للدراسات العليا، والأستاذ الدكتور علي الخطيب عميد كلية اللغة العربية بجرجا سابقا، والأستاذ الدكتور رمضان حسانين أستاذ النقد الأدبي بكلية اللغة العربية بأسيوط.

وتناولت الدراسة الشخصيات المستلبة وأنماطها المتنوعة في الروايات عينة الدراسة ومنها: تغريدة البجعة لمكاوي سعيد، ودولة العقرب لفؤاد قنديل، ولم تذكرهم نشرة الأخبار لانتصار عبد المنعم، والمشهرات لمنى سالم، وبستان أبو الهوى لمحمد عبد الحكم حسن، وكل من عليها خان للسيد حافظ، ويوم غائم في البر الغربي للمنسي قنديل، ووأد الأحلام لمحمود قنديل، ودوامات الغياب لمحمد محمود عطية. وقد حاولت هذه الدراسة الإجابة على هذا السؤال : كيف تمثلت الشخصية المستلبة في الرواية المصرية المعاصرة منذ مطلع القرن الحادي والعشرين ؟ وما هي مظاهر استلاب هذه الشخصية ؟ وكيف قدمت الشخصية المستلبة في الروايات عينة البحث ؟ وكيف أدت اللغة السردية دورها في تصوير الشخصيات المستلبة ؟ والإجابة على هذه التساؤلات كانت من خلال الكشف عن ملامح الشخصية المستلبة وتمثلاتها في الرواية المصرية المعاصرة وكان ذلك من خلال مظاهر استلاب الشخصية، ثم بنائها الفني أي تقديم الشخصية وأنماطها ووظائفها، وعلاقة الزمن والمكان بالشخصية، ثم لغة تصوير الشخصية المستلبة سردا وحوارا. وفي ضوء تضافر هذه العناصر الفنية تمثلت صورة الشخصية المستلبة في روايات الدراسة. وأشادت لجنة المناقشة بجدية الباحث في اختيار موضوع الدراسة وانتقاء الروايات عينة الدراسة، وظهرت شخصية الباحث في كثير من محاور الدراسة، وقدرته على الإلمام بالموضوع واكتمال ملامح الكتابة النقدية في الرسالة، والنفاذ إلى النصوص واستكناه أبعادها واكتشاف خصائصها، واختيار الفقرات المناسبة للدراسة وتحليلها ونقدها في صورة احترافية لاسيما في نجاح الباحث في الكشف عن انعكاس الواقع المصري على الشخصيات الروائية في أبعادها الفكرية وعوالمها الداخلية التي كشفت عنها التقنيات الفنية مثل تيار الوعي، والحلم، والاستبطان الداخلي للشخصيات. وتوظيف هذه التقنيات في الرواية المصرية المعاصرة.

والشخصية المستلبة هي شخصية مضطهدة تعاني من استغلال الآخر الذي يسلبها كيانها وإنسانيتها، دون أن تملك هذه الشخصية إرادتها. كما أنها لا تشعر بانتمائها إلى ذاتها الفردية، نتيجة الظروف القاسية التي تعيشها، فتعجز الشخصية عن تحقيق ذاتها وطموحاتها، وتشعر أنها أقل من الآخر. كما أن هذه الشخصية مهزومة ومستسلمة للأعراف والتقاليد، تنقاد لغيرها من الناس، وتتقبل الآراء دون مناقشة وتمحيص حتى ولو كانت خاطئة، وهي تعاني من القهر والعزلة، وتعيش عالمها الداخلي تجتر ذاتها وتلوك أمانيها وتعيش في أحلام اليقظة لتعوض فيه إخفاقها في الواقع.

إن الأعمال الروائية التي تناولتها الدراسة نقدا وتحليلا في مظاهر استلاب الشخصية كشفت عن أربعة مظاهر رئيسة للاستلاب. فالمظهر النفسي لاستلاب الشخصية أبان عن معاناة بعض الشخصيات الروائية من الاستلاب النفسي الذي يوازي ما يعانيه الإنسان في واقعه المعاش أو الفعلي. وأما المظهر الاجتماعي للشخصية المستلبة في الرواية المصرية المعاصرة فكشف عن رصد الروائيين المصريين لظاهرة الاستلاب الاجتماعي من خلال القهر والتهميش والهيمنة الذكورية على المرأة. وأما المظهر السياسي للشخصية المستلبة فكشف عن القمع الممارس ضد المواطن ؛ فالسلطات القمعية تسعى جاهدة إلى هدر إنسانية المواطنين من خلال الأدوات الأمنية المعززة للقمع والاستبداد. وأما المظهر الثقافي للشخصية المستلبة فكشف عن دور الاستلاب الثقافي في الهيمنة على وعي الإنسان وتفكيره ؛ فالفرد الواعي له دور فاعل في التعامل مع قضايا مجتمعه.

هذا، والنماذج الروائية التي تعرضت لها بالدراسة والتحليل في تقديم الشخصيات المستلبة، كشفت عن تنوع وثراء الكُتاب في تقديمهم لتلك الشخصيات المقهورة ؛ ففي طريقة العرض المباشر قدم الراوي بعض الشخصيات، كما قدمت الشخصية المستلبة نفسها أو شخصية أخرى مستلبة. وفي طريقة التقديم التمثيلي قدمت الشخصيات وهي تفعل وتصنع الأحداث، أو من خلال عوالمها الداخلية وأفكارها الكاشفة عن أحوال تلك الشخصيات القصصية، كما أدى الحوار دوره في تعرف القارئ إلى الشخصية من خلال حديثها مع الآخر.

كما أن النماذج الروائية التي تناولتها بالدراسة والتحليل، أسهمت في الكشف عن علاقة الزمن والمكان بالشخصية المستلبة ؛ فزمن هذه الشخصية زمن ذاتي خاضع للحال النفسية للشخصية الروائية وللحالات الشعورية التي تعيشها في النص القصصي، كما أن الزمن النفسي يختلف من رواية إلى أخرى، ومن كاتب إلى آخر، فكل كاتب له أدواته الفنية القادرة على الغوص في باطن الشخصية، وتجسيد زمنها الخاص والمرتبط مع زمن السرد والحكاية. ويتجلى الزمن النفسي في التداعيات الشخصية وذكرياتها ومكنوناتها الداخلية وتيارات وعيها، وربما يبرز في الزمن النفسي في أحاديث الشخصية المباشرة. وليس لهذا الزمن مقاييس ثابتة أو محددة، ويمكن تجليه من خلال اللغة التي تجسد العالم الداخلي للشخصية، ودورها في حركة الزمن السردي ونظام توالي الأحداث. كما أن زمن الشخصية ارتبط بالمفارقة الزمنية التي هي انحراف عن التتابع الميقاتي الصارم في القصة، وارتبط الزمن بالمدة التي تربط بين طول الخطاب الذي يقاس بالكلمات والجمل والفقرات، وزمن القصة الذي يقاس بالثواني والدقائق والساعات والشهور والسنوات.

وأما عن علاقة المكان بالشخصية المستلبة ؛ فإن ثمة ارتباط بين المكان والشخصية الروائية ؛ فكما نجد اتصالا بين الإنسان والعالم الحقيقي نجد كذلك علاقة بين الشخصية والمكان الروائي، فالشخصية مكون فني ينتمي إلى بيئة مكانية يتحرك فيها، وينتقل منها وإليها. ويستطيع المكان الروائي أن يعبر عن آلام الشخصيات وآمالها ؛ فالشخصية المقيمة في مبان واسعة ليست مثل الشخصية المقيمة في مبان ضيقة، أي أن المكان يعكس حقيقة الشخصية. ومن جانب آخر تفسر طبيعة المكان حياة الشخصية التي تقيم في المكان ذاته. كما يمكن للقارئ أن يعرف الحال النفسية للشخصية من خلال تواجدها في المكان.

إن اللغة السردية في روايات هذه الدراسة هي العنصر الرئيس في بناء صورة الشخصية المستلبة، وصورة الشخصية هي سعي إلى تشكيل العلاقات بين الظواهر والأشياء، وهذا التشكيل يقوم على النقل اللغوي للواقع. ومن خلال ما يقال عن الشخصية في النص الروائي تتكون صورة الشخصية الروائية، وهي مجموع ما يقال عن الشخصية في جمل مبثوثة في النص، ومنها العبارات الكاشفة في تصريحات الشخصية وأقوالها وأفعالها داخل المتن الروائي. كما أن تصوير الشخصية الروائية ينبع من وظيفتها في السياق النصي، وتكون الشخصية الروائية إنسانية بالقدر الذي تستطيع وظيفتها أن تسهم في إقناع القارئ بصدق العالم التخييلي داخل الرواية، وهذا العالم هو انعكاس لموقف الروائيين من واقعهم المعاش، مع امتلاكهم للموهبة الإبداعية التي تمكنهم من صياغة وإبداع روايات جيدة، تحظى برضا القارئ.

لقد أشادت اللجنة باستكمال الباحث ما بدأه في الماجستير بموضوع مهم وهو الواقعية السحرية في روايات الدكتور عمار علي حسن – دراسة نقدية، ثم موضوع الدكتوراه وهو من الموضوعات القليلة التي ارتبطت بالاستلاب في الدراسات النقدية في الجامعات المصرية. وقد تمت مناقشة الباحث في كلية اللغة العربية بجرجا، يوم الثلاثاء 25 مايو 2021م، وفي نهاية المناقشة حصل الباحث عيد خليفة علي محمد، على درجة الدكتوراه بتقدير مرتبة الشرف الأولى بإجماع آراء أعضاء لجنة المناقشة.

مقالات من نفس القسم