كونراد بيرسون
ترجمة: عبد الغني محفوظ
أبي لا يدخن، لكنه لا يثير ضجة حول الأمر. يقول: عش ودع غيرك يعيش. ولكن أبي لا يحب الرجل الذي يدخن بشراهة أثناء إطلاق الألعاب النارية في عيد عمال الصلب. يقول إن الأمر يتسم بالاستهتار مع وجود الأطفال في المكان. يجب أن يذهب المدخنون إلى الصف الثالث في الملعب حيث يقف عشرات الرجال يدخنون ويبصقون ويروون القصص البذيئة. ينبغي أن تظل الألعاب النارية في عيد العمال لطيفة.
تفرغ أمي سلة النزهة وتصب عصير الليمون المثلج لأنه لا يوجد قانون ضد الاستهتار. تأخذ أمي قطعة من الدجاج وتضغط عليها بأسنانها قبل أن تعطيها إلى ديلوا الصغيرة لأن أسنانها اللبنية تحتاج إلى بداية سهلة. وضعت الدجاج المقلي وسلطة البطاطس لأبي في الأطباق ولي وحدجتني بنظرة عندما تناولت شوكة الطعام.
يحني أبي رأسه ويبارك وجبتنا. أغمض عيني لكني أشعر أن الجميع ينظرون إلينا. يضحك الرجل ذو السيجارة وأشعر بالقلق من أن أبي قد ينفجر غاضبا، ولكنه لا يفعل. نحن القديسون يمكن أن نتوقع السخرية من غير المؤمنين. تعد أمي طبقها وتخبره كيف أن العصارة الموجودة في الغسالة بدأت تعمل مرة أخرى.
عندما أنهي طبقي، أطلب الإذن بالذهاب. يتنحنح أبي وأتذكر أن أشكر أمي على هذه الوجبة الطيبة. تقول أمي أنه يمكنني الذهاب للعب حتى تبدأ الفرقة.
يرى أبي بعض الرجال الآخرين ويذهب للتحدث معهم عن النقابة. تنطلق من أصدقاء أبي رائحة غاز الفحم وعطر أولد سبايس وجميعهم يحبون الويسكي والصيد ويروون أكاذيب كبيرة. تخلى أبي عن الويسكي عندما أنقذه يسوع، لكنه لا يزال يحب الصيد ورواية الأكاذيب، طالما يعلم الجميع أنك تكذب.
عندما تبدأ الفرقة، أركض وأتشبث بيده. يحدجني بنظرة قاسية ويأمرني أن أذهب بعيدا لأن الكبار يتحدثون. لكن السيد هايتاور يستوقفني، ويعطيني ربع دولار ويطلب مني أن أسأل والدتي متى تدعوه لتناول العشاء. أبي يريد مني أن أعيد ربع الدولار لكن السيد هايتاور يرفض بشدة وبما أنه كبير في السن وأفضل صياد في العالم، يتعين على أبي حتى أن يظهر له الاحترام.
يسير أبي معي عائداً إلى أمي وديلوا. عندما تتوقف الفرقة الموسيقية وتبدأ الألعاب النارية، يبكي بعض الأطفال، لكن غالبية الموجودين يصمتون، ويستمتعون بإطلاق الصواريخ وصوت البلدة بأكملها وهي تلهث من قوة وجمال كل ذلك.
عندما تنتهي، يقف الناس جميعا هادئين لمدة دقيقة ثم يتجهون إلى المنزل. يحمل الآباء كراسي الحديقة والأمهات يحملن الأطفال والسلال الفارغة. آخذ السلة من والدتي وهي تربت على كتفي لتشكرني على المساعدة.
لا يزال الرجل ذو السيجارة يدخن، وعندما يصل إلى شاحنته، يقذف سيجارته بعيدا، وعاليا وبقوة، ثم أسمع صراخ ديلوا.
تجثو لأمي وتسأل ما الذي دهاها. وعلى كتف الطفلة تعثر على اللون الرمادي لحرق السيجارة على بشرتها البنية التي بلون القهوة. يصطاد أبي قطعة من الثلج من وعاء عصير الليمون لتخفيف الألم.، ويقو ل لأمي أنه سيعود خلال دقيقة.
تبدو أمي خائفة. تطلب مني أن أذهب مع أبي وأبقى معه.
ينقر أبي على كتف الرجل. يقول إن سيجارة الرجل أحرقت فتاة صغيرة للتو. يقول الرجل إن عقل أبي مليء بالهراء وعليه أن يأخذ الصبي ويذهب إلى الجحيم.
يقول أبي إن الكلام سهل. يغرس الرجل قدميه في الأرض ويضرب، لكن أبي يترك اللكمة تنزلق عليه مثل الماء على حجر، يرتفع أبي على أصابع قدميه بحذر ويسحب يده اليمنى كما لو كانت مطرقة. عندما يستدير الرجل نصف استدارة لصدها، يلكمه أبي مرتين بيده اليسرى مباشرة في عينه ثم يعاجله بلكمة بيمينه تحت ذقنه.
يجلس الرجل بتثاقل على عتبة شاحنته ثم ينزلق إلى أرضية ساحة انتظار السيارات.
يأخذ أبي يدي ويعود إلى أمي، ويده تهتز مثل الجدة عندما كانت تسلك الخيط في الإبرة.
يقول لي أبي: “جونيور..الناس من أمثال هذا الرجل هم السبب في أننا لا نستطيع الاستمتاع بالأشياء اللطيفة”.
————–
*كونراد بيرسون: كاتب أمريكي من فيلادلفيا تأثرت أعماله بمدن صناعة الصلب التي قضى فيها شبابه، ويعتقد أن أبشع الجرائم ترتكب داخل قلب الإنسان.