ـ هل الكتابة في العالم العربي بخير وتطعم خبزا؟
ـ أعتقد أنها كذلك كممارسة وكهاجس. بمعنى أن شريحة متنامية من الناس في العالم العربي صارت تعبّر عن نفسها كتابةً بشكل حر. ونحن ندين بالفضل في ذلك لعوالم الإنترنت والمدونات الشخصية. هذه الممارسة الكتابية تعيد صياغة الذوق العام وهي عموماً ترتقي بوعي وثقافة أصحابها وقرائهم. أما الكتابة الاحترافية، والتي تشمل الكتابات الإبداعية والصحافية المنشورة عبر القنوات التقليدية فهذه خاضعة لهيمنة المؤسسة الرسمية وخاضعة أيضاً لسطوة المؤسسات الثقافية في بلدانها. وهي ملزمة باتباع أنساق محددة سنتكلم عنها إذا تتطرقنا لأزمة القصة في العالم العربي.هل الكتابة تطعم خبزاً؟ الجواب هو “لا” كبيرة جداً. وهذا واقع حول العالم بأسره وكل ما ينافيه ليس سوى استثاء نادر جداً للقاعدة التي تقول: “أعطني خبزاً –أولاً- أعطك فناً”.
ـ هل من تطورات طرأت على القصة السعودية من حيث طريقة التناول وأسلوب المعالجة؟
ـ من الواضح أن هناك (هبّة) روائية في السعودية. التقييم الآني لهذه الهبة لا يبشر بالكثير لا من حيث الأسلوب ولا المعالجة. هناك تناول لقضايا حساسة ومهمة لكنه تناول ركيك للغاية. ربما على المدى البعيد ستتشكل من رحم هذه الحماسة الروائية حركة أنضج وأكثر تمكناً من أدوات الإبداع.
ـ كيف تفهم القصة ومن هو القاص الناجح برأيك؟
ـ القصة المكتوبة يجب أن تعكس موهبة صاحبها في التعامل مع اللغة.. في التلاعب بالكلمات والجمل وفي الإتيان بشيء ساحر مختلف عما يمكن أن تقرأه في أي مكان آخر. أعتقد أن القاص الناجح ينبغي أن يتحلى بملَكة شِعرية ما. أن يعرف كيف يعبر عن ملامح وجهه لحظة كتابته الكلمات، وينقل للقارئ الأصوات والروائح ونبرات أصوات الشخصيات! هل يبدو هذا مستحيلاً؟ ما يقال عن “الحبكة” وسواها من من القيم الفنية لن يصمد إطلاقاً إذا كان مكتوباً بلغة تقليدية.. ناهيك عن أن تكون ضعيفة.
ـ ما فائدة الكتابة إذا لم يعالج الكاتب من خلالها الهموم والمنغصات الحياتية التي يعاني منها المواطن العربي؟
ـ أية كتابة تقصد؟ القصة أم المقال؟ الأمر سيان عموماً لأن الكاتب العربي لا يملك أن (يعالج) أي قضية. ربما وسعه أن يقترح حلاً أو أن يثير علامات الاستفهام وحسب. كما أن القارئ العربي ذاته قد ملّ من إعادة تكرار مشاكله لأنه يعرف أعراضها تماما ويعرف حلولها ويحتاج لمن ينفذها له لا من يذكّره بها.
أؤمن بأن واحدة من مشاكلنا الأولى هي في إعادة إكتشاف ذواتنا وإعادة تعريفها في هذا العالم المتقلب. معظم المواطنين العرب هم من الشباب. وأعتقد أنها مسؤولية الكاتب أن يطرح الأسئلة المسكوت عنها ويواجه المجتمع بعيوبه الذاتية.
ـ كيف للأدب العربي أن يسبق الآداب الأخرى، أو يقف معها على خط واحد على اقل تقدير؟
ـ لن يحصل هذا قريباً. الأدب جزء من المنظومة الفكرية. وهذه تولدها عوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية. طالما ظل العالم العربي متخلفاً عبر كل من هذه الصعد.. فابشر بطول (تأخر) يا مربع!
ـ هل يتطور الأدب مع فقدان الحرية؟
ـ “الحرية” هي كلمة السرعبر كل ما سبق. وهي كلمة تثير تحسس الكثيرين لأنها مقترنة بالانفلات من كل قيد في التعبير. عند العربي فإن الحديث عن الحرية في الأدب هو إشارة مبطنة للإباحية.. وهذا حال مؤسف. على كلٍ الجواب هو: لا.
ـ لماذا أغلب النقاد العرب لا يبالون بالإبداعات الجديدة من رواية وقصة وشعر؟
ـ أعتقد أن العكس هو الصحيح. في السعودية مثلاً تنال الإبداعات الجديدة نصيباً وافراً من الرعاية ومن النقد أيضاً. المشكلة أن بعض النقاد يستعملون هذه الإبداعات ليوجهوا الضربات إلى أندادهم.. ما يخرج بالعملية الإبداعية عن إطارها الصحيح. في السعودية هناك حراك ثقافي قوي لكنه غير موجه وضائع في زحمة الصراع بين التيارات والرموز.
ـ كيف تنظر إلى المنجز النقدي في السعودية راهنا، ولا سيما في نقد القصة والرواية؟
ـ لا يوجد نقاد كثيرون في السعودية يسعك أن تستمع لهم بحيادية. والقليلون المتوفرون هم مؤهلون فوق اللازم. بمعنى أن المنتج الإبداعي لم يصل بعد لمستوى تطلعهم.. وهذا ليس ذنبهم. لذا فهم إما يتجاهلون الموجود أو يشبعونه تقريعاً. على كل أمام نقادنا مهمة شاقة تتمثل في الارتقاء بالذائقة الشعبية أمام كم الأدب الرديء الذي يشكل الموجة السائدة حالياً.
ـ برأيك هل الإبداع العربي يتفوق على النقد العربي، أم العكس؟
ـ لا أعرف. مالذي يخلق ناقداً ممتازاً في البدء؟ أليس الناقد في النهاية هو مبدع سابق؟
ـ يشيع بعض المبدعين والمثقفين في الأوساط الأدبية أن عدم تطور الحركة الأدبية العربية يعود إلى غياب النقد الجاد، هل توافق؟
ـ أجل. مع الإشارة إلى وجوب التفريق بين النقد الجاد وذلك الاعتباطي الخاضع لاعتبارات السياسة والمصالح الشخصية.
ـ كيف تنظر إلى واقع القصة العربية، وهل الأصوات القصصية للجيل الجديد تبشر بآفاق خيّرة؟
ـ القصة العربية تمر بمرحلة حرجة. لأن هناك افتقاداً للمثل وللقدوة الإبداعية. الساحة تكاد تخلو من القامات العالية الشابة. هل تبدو هذه عبارة متنافرة: عالٍ وشاب؟ التقليد في الإبداع ليس معيباً. والجيل الحالي من الكتاب العرب يبحث عن أسلوبه الخاص ليعبر عن عالم القرن الحادي والعشرين.. ربما يكون هذا عربياً أو سواه. لكن مع غياب هذا الإطار يصبح كل تلفيق إبداعي مباحاً. حتى الإبداع له قواعد وأصول في النهاية.
جيلنا العربي الشاب يعني من مشكلتين كبيرتين. أولاً نحن فقراء معرفياً. صحيح أن الإنترنت فيها جواب لكل سؤال.. لكنك كمبدع تحتاج لأن تكون ذا ذخيرة معرفية عميقة. لا يمكنك أن تقارن جيلنا في هذا الصدد بجيل الستينات مثلاً.. وهذا ليس ذنبنا نحن بل هو ذنب المنظومات التعليمية العربية.
ثانياً جيلنا مشغول بهموم وتساؤلات متخلّفة. هموم المواطن العربي اليوم مغرقة في الأساسية: الوظيفة والمأوى ومصروف الجيب.. على نحو لا يفسح أي مجال لأنواع الترف الفكري الأخرى. قارن ذلك مرة أخرى بأفكار الخمسينات والستينات المفعمة بالطموح والتقدمية. أما زالت “التقدمية” كلمة صالحة للتداول اليوم؟
ـ لماذا الكتاب العرب يتأثرون بالمدارس الأدبية الغربية، مدارس أمريكا اللاتينية تحديدا، وهل هو تقليد أعمى؟
ـ أعتقد أنه يجدر أن نفرق بين الأدب الغربي عموماً وأدب أميركا اللاتينية. حتى عبارة “الأدب الغربي” تبدو فضفاضة جداً لأن هذا الأدب متنوع بحكم تنوع الأطياف الفكرية والسياسية والعرقية أيضاً.
الأدب العربي وحالياً بالذات هو أدب تابع. وهذه ليست عبارة انتقاصية. ولكن لأن العالم العربي عموماً يمر بحالة تأخر حضاري فإنه يسعى للنهوض عبر تحسس تجارب الغير. تجربة أميركا اللاتينية الأدبية مغرية لأكثر من سبب. فتاريخ القارة الحديث مشابه لتاريخ المنطقة العربية: المعاناة مع الاستعمار والثورات والدكتاتوريات العسكرية.. البحث عن الحرية والهوية المبعثرة بين الجغرافيا والتاريخ. الشعوب اللاتينية تشبهنا كثيراً في تطرف مشاعرها وبالتالي فهناك تماه إنساني بين التجربتين الأدبيتين. وأخيراً فإن الميول اليساري يظل معتبراً بين المثقفين العرب وأميركا اللاتينية هي قبلة معتبرة على هذا الصعيد بالذات.
أيضاً أدب أميركا اللاتينية متعاطف مع الحضارات المتأخرة. إنه لا يتعامل معنا بفوقية المستعمر التي تبطن أعمال الأدب “الغربي” الآخر. ما يجعل الأدب اللاتيني أقرب لقلب الناشر والناقد العربي، بالرغم من أن حاجز الترجمة مثلاً هو ليس في صف الأعمال المكتوبة بالإسبانية والبرتغالية مقارنة باللغات الأوروبية الأخرى.
ـ هل يمكن للكتاب أن ينحسر على حساب محطات التلفزة الفضائية وشبكة الانترنت غير المنضبطة؟
ـ لا. ومع أن الواقع يشهد بانحسار مبيعات الجريدة الورقية لحساب الموقع الإلكتروني، إلا أن هذا الواقع الصحفي لا يمكن تعميمه على الكتاب وعلى الإبداع الأدبي.
الإنترنت أزالت حواجز الرقابة وصفة النخبوية عن المعلومة. لكن المعلومة التي توفرها الإنترنت تظل سطحية وموجه للاستهلاك الآني. الإنترنت تتحالف مع مصفوفة “الخبراء” الذين تروج لهم القنوات الفضائية لتقديم معلومة خفيفة للمتلقي العادي. وهذا ما يشكل تهديداً لمكانة الخبير الحقيقي والأكاديمي صاحب المعرفة العميقة. الكتاب سيستمر الوسيلة الأرقى لنشر المعرفة بصورتها النقية المركزة.
ـ أنت مختص بعلوم الحاسب الآلي، وتعد حاليا رسالة الدكتوراه بهذا الشأن .. كيف ولماذا جئت من عالم الحاسب إلى عالم الأدب وهما عالمان متناقضان؟
ـ الحقيقة أني وفدت إلى عالم الحاسب من دنيا الأدب. كتبت قصص الخيال العلمي وأرسلتها للنشر قبل أن ألتحق بالجامعة.هل عالم الحاسبات وعالم الأدب متناقضان؟ لا أظن. فالأدب هو مرآة لكل صور الحياة. ربما تقصد أن تخصص الحاسب الآلي مغرق في الجمود والبرودة كتخصص علمي صرف. لكن لا شأن للتخصص الدراسي بالميول الإبداعي عموماً. الكتابة ممارسة وجدانية أما التخصص الدراسي فطريق للوظيفة ليس إلا.
ـ سؤال أخير.. ما المطلوب من الكاتب والمبدع العربي، وماذا تقول له؟
ــ أن يتمكن من لغته ويطور أسلوبه الخاص. هذه نقطة ضعف شنيعة لدى مبدعينا الذين تتشابه أساليبهم حد الملل. وأن ينفتح على الثقافات الأخرى قدر المستطاع. أن يكون مستقلاً وشجاعاً فيكتب ليعبر عن نفسه فقط. وأخيراً ألا يستعجل نتائج التغيير الذي ستحدثه كتاباته.. لا هو لا ورثته.
ــــــــــــــــــــــــ
عن أشرف إحسان فقيه :
أشرف إحسان جعفر فقيه هو قاص وكاتب صحفي سعودي. ولد في القاهرة، جمهورية مصر العربية، في 19 أيلول (سبتمبر) 1977، الموافق 6 شوال 1397 هجرية، لعائلة من المدينة المنورة.
يُعد أحد الكتّاب القلائل المهتمين بالتأليف في مجال الخيال العلمي بمنطقة الخليج العربي،. ولعله الأديب السعودي الوحيد الذي له أعمال منشورة في هذا المجال الأدبي.
صدرت أول قصصه القصيرة في عام 1997 ضمن مجموعة بعنوان (صائد الأشباح) طبعها ووزعها على نفقته. وكرر المحاولة مرة ثانية عام 2000 بمجموعة قصص قصيرة بعنوان (حنيناً إلى النجوم). وفي العام 2006 قام بإعادة نشر مختارات من قصصه القديمة ضمن مجموعة سماها (نيِّف وعشرون حياة) عبر دار نشر تجارية هذه المرة (الحرف العربي – بيروت).
بالرغم من توقفه عن كتابة قصص الخيال العلمي منذ العام 2000، إلا أن أشرف فقيه يواصل منذ ذلك الحين كتابة المقالات في التعريف بالتقنيات الحديثة واستشراف المستقبل عبر مجلة (التدريب والتقنية) التي تصدرها (المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني) في السعودية -توقف عن الكتابة بها في 2007-. وهو كتب منذ شهر آذار (مارس) 2005 وحتى شباط (فبراير) 2008 مقالة أسبوعية في جريدة اليوم السعودية. ثم استكتبته جريدة الوطن السعودية منذ ذلك التاريخ وحتى الآن. وهو كاتب دائم أيضاً بمجلة القافلة الثقافية
إضافة لكتاباته، يهتم أشرف إحسان فقيه بممارسة التصوير الضوئي. وهو عضو (بيت الفوتوغرافيين) السعودي في جدة وله صور منشورة وفائزة في عدد من المنافسات. لكنه لم يُقم و يشارك بأي معرض.
ــــــــــــــــــ
خاص الكتابة