أشباح وكهوف وجبلاوي مصري

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 102
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

على الرغم مما تحفل به المكتبة العربية من أسماء لامعة لروائيين وقصيين ظهروا على الساحة الادبية بعد رحيل عملاق الرواية والقصة العربية " نجيب محفوظ " إلا ان هذه النخبة لم تستطيع أن تتخلص من سحره الكامن في النفوس و" ابراهيم فرغلي " أحدهم .

وعلى الرغم من أننا في بعض البلدان العربية لم نتعرف أو نحظى بنتاج هذا الروائي المدهش ، خاصة في بغداد التي كانت تقرأ، غير انني استطيع ان اتحدث عنه بشراهة لأن الذي قرأته عنه على سطوح الجرائد والمجلات كفيل ان يجعلني أفهم هذا الكائن الحسي الممسوس بهاجس الرواية والطالع من ثنايا صاحب نوبل الذي يقول عنه الكاتب محمد شعير في صحيفة ” الأخبار ” اللبنانية : ( في الثالثة عشرة من عمره قرأ ابراهيم فرغلي نجيب محفوظ طيلة اربعة أعوام ، قرأ كل ماكتبه صاحب الثلاثية ، ليقرر أنه سيكون كاتبا بالفعل ، كتب أول قصصه على النمط المحفوظي ، ثم مزق هذه القصص لاحقا من دون ان يتخلص من تأثيرات صاحب نوبل ، فالأمر غاية في الصعوبة ، وخصوصا عندما تقرأه في هذا العمر الصغير ، يقول فرغلي : هو ليس روائيا مدهشا فقط بل فيلسوف عظيم ، وبّناء مدهش ، وصاحب لغة كبيرة ايضا ) .

هذا القول لايختلف عليه اثنان لكننا نحاول أن نتلمس ذلك التغيّر الواضح في اسلوبية فرغلي حينما حاول ان ينزع عنه جلباب محفوظ خاصة في عمله الرائع ” ابناء الجبلاوي ” التي يقول عنها : ( انها رواية معرفية بشكل ما ، رواية أصوات ، ورواية تناص ، ومتاهة روائية ورواية أزمة ، وطموحها كبير يستوعب الحداثي والميلودرامي معا ، هذا كله لايحبذه قراء البيست سيلر ) .

ومع ان هذه الرواية تشعرك لأول وهلة انها ممسوسة بإحدى روايات محفوظ ” اولاد حارتنا ” الا انها نمط فريد يعيش اجواؤه بعيدا عن حارة محفوظ ، وعن ذلك النمط وتلك الواقعية ، يحدثنا فرغلي قائلا : ( عوالم قصصي بشكل ما أشعر انها تشظيات لعالم أكبر حتى انني افكر احيانا في كتابة رواية تلتئم فيها هذه التشظيات وهي في نفس الوقت تتضمن اشارات الى غرائبية الواقع الذي نحياه ونعيشه والذي اصبح أغرب من الخيال وهذا ما فتح باب الخيال أمامي لتوضيح هذه العلاقة من ناحية ولكشف الواقع في مراياه الداخلية العميقة كما هو الجزء الخيالي من كهف الفراشات ) .

لكن الحديث عن ” ابناء الجبلاوي ” لايأخذنا عن باقي رواياته وقصصه التي أغدق عليها من روحه وتجربته الانسانية التي جال فيها بين اصقاع الدنيا بحثا عن وجوه متعبة ، شقية ، فرحة ، حزينة ، لأن الوجوه التي عرفها في مصر هي بالتأكيد لاتختلف عن تلك التي عايشها في عمان أو الامارات أو البوسنة احيانا .

ابيض احمر ” كانت قصته الاولى التي نشرتها له مجلة ” ادب ونقد ” عام 1992 تلتها مجموعته القصصية ” باتجاه المآقي ” عام 1997 ثم أتبعها برواية ” كهوف الفراشات ” عام 1998 ثم رواية ” ابتسامات القديسين ” عام 2003 و ” ابناء الجبلاوي ” أخيرا التي حازت على اعجاب القراء والنقاد وهذا مالمسته عند قراءتي لمجموعة آراء انطلقت من فم هذا الناقد أو ذاك واشارات اخرى في بعض الصحف العربية ، يقول عنها الناقد حاتم حافظ : ( يخدعنا ابراهيم فرغلي هذه المرة ويخبرنا انه قد انتهى من كتابة رواية فإذا به لم يصنع إلا متاهة سوف نظل لسنوات نحلم بالأمل في الفكاك منها … هذه رواية يمكن لنا – باعتبارها متاهة – ان نقرأها من نهايتها ، او هكذا علينا ان نفعل حين نكتشف ان الصوت الايروتيكي الذي كان كبرياء يسمعه في بداية الرواية و” عبر مشاهده ” هو نفسه الصوت الذي جلبه لنا كاتب الكاشف كشرارة لإطلاق المعاول في جسد الإرث الذي يحمله كصخرة سيزيف ، فرغلي يُقسّم الرواية لعدة اجزاء مشكلا متاهته أو متاهتنا ، فبعد ان ينتهي الجزء الاول والذي يظهر لنا كبرياء كشخص يبحث عن هويته ولا يعرف له أبا : “أدمنت تأمل وجهي في المرآة ، آملا ان اركب في مخيلتي صورة لأبي ” ، نفاجأ في الجزء الثاني بأن ما قرأناه ليس إلا فصول رواية كتبها كاتب فاشل كاتب الكاشف لنبدأ في التعرف عليه كشخص يبحث هو الآخر عن هويته رغم انه يعرف ابيه جيدا ولكنه بعد سفره لدراسة الفلسفة في باريس وحتى بعد عودته يظل يلح على محاولة التأقلم مع العالم ، ويظل في وعيه تجربته مع الغير كمفهوم متبدل الصورة والمعنى في ثقافتين مختلفتين ، ثقافة المنشأ وثقافة الادراك ) .

هذا الصراع الأزلي بين الثقافات يولّد إجتراحات قد تبان علينا ونحن نختبر حياتنا في واقعها المكتشف ، فبرواية ” ابناء الجبلاوي ” الصادرة عن دار ” العين ” يقول فرغلي : ( احاول خلق واقعية سحرية عربية تتخلص الغرائبي في متن الواقع ) ، ويقول : ( ان اعمال نجيب محفوظ موجودة كتيمة اساسية من تيمات العمل ، إضافة إلى تيمة البحث عن الأب ) .

في سؤال وجهته الكاتبة مي ابو زيد إلى ابراهيم فرغلي ونشرته مجلة ” روز اليوسف ” تقول : ” كشفت الرواية – وتقصد بها ابناء الجبلاوي – عن إهتمامك بموضوعات المرأة ، كيف أتيح لك ان تتعمق في مناطق خاصة جدا بها ، وكيف تقرأ حال المرأة المصرية ” أجاب : ( هذا صحيح لدي ولع بمحاولة فهم المرأة ، وربما لأنني نشأت في أسرة كنت فيها الأخ الوحيد لشقيقاتي الثلاث ، وكنت اتأمل طريقة شغوفة بمحاولتي تقصي أفكار الآخرين ، والمرأة تمثل جزءا اساسيا من هذا الآخر ، وكنت الاحظ ان هناك دائما شيئا ما خطأ في الاتصال بجوهر المقصود منها ، أو لاختلاف في تركيبة الدماغ بين الرجل والمرأة ، مع إيماني بأن المجتمعات التي نعيش فيها هي مجتمعات ذكورية ) .

من هنا تتضح لنا فلسفة هذا الروائي ومحاولة توزيعها على أبطال رواياته لإبراز الجانب اللامرئي من طبائع هؤلاء الذين صنعهم فرغلي في ” كهف الفراشات ” او ” ابتسامات القديسين ” وآخر ما كشفه من طبائع في ” ابناء الجبلاوي.

فاضل

مقالات من نفس القسم