أريد ابناً

جميلة شحادة
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

جميلة شحادة

لم تعترض ليلى عندما أخبرها علاء أنه عازم على السفر الى أمريكا. قلبها فقط الذي كان يعترض ويقرع طبول العصيان بخفقات، كافية لأن تعيد الدم مائعا في عروقها كلّما تجمّد مع اقتراب موعد سفره. مرّ شهر وهي تطفئ الحرائق التي تحرق أعصابها عقب كل حرب تنشب بين عقلها وقلبها كل ساعة وكل يوم، إلى أن رفع فؤادها الراية البيضاء واستسلم لأزيز الطائرة التي حلّقت بمهجة قلبها بعيدا عنها، الى بلاد العم سام.

– ليتنا اعترضنا على سفره. قال أحمد لزوجته وهما في طريق عودتهما من المطار. ثم تابع يقول: ألم يكفه أنه طبيبٌ ويعمل في أهم المستشفيات في البلاد؟ ألم يكفه أنه حصل على شهادة الحقوق أيضا؟ أريده هنا، أريده أن يتزوج وأفرح بزواجه هنا.

لم تجبه ليلى، وظلّت صامتة ضاجا المكان بصمتها، واكتفت بدموعها لتجيب زوجها وتصف شدة حزنها لسفر وحيدها، ومدى قلقها عليه.

بعد سنتين عاد علاء ليزور عائلته وقد حمل معه ما هو أهم من حقيبة “دكني”، وعطر “دالي” لأمه ليلى. لقد حمل لها شهادة مهندس حاسوب، وهي أهم من كل الهدايا كما قالت له ليلى وهو يقدّمها لها. كان من المهم لعلاء أن يتعلم هندسة الحاسوب ويحصل على شهادة بالموضوع، ليقينه أن ذلك سيفتح له الأبواب المغلقة، في عصرٍ تسيّدت فيه التكنولوجيا المحوسبة. كان بالإضافة الى كونه طبيبا لجراحة القلب، كان يريد أن يوظف برمجيات الحاسوب ليطور مهاراته في مهنة مداواة القلوب المتعبة من حَمْل أثقالها.

– حان الوقت الآن لتبحث عن بنت الحلال يا ولدي. قالت ليلى.

– إنها موجودة يا أمي؛ بعد شهر ستأتين مع والدي إلى أمريكا لحضور حفل زفافنا. كل شيء مرتب له. أجابها علاء.

وتمر ثلاث سنوات على زواج علاء، عاشها بسعادة، ولا سيما أنه أصبح أبا لأحمد الصغير، ونال شهادة بالصيدلة حملهما الى والدته كعادته لتفرح لفرحه وتعيش معه سعادته.

كان علاء قد قرر أن يدرس الصيدلة ليفكَّ شيفرات الأدوية ويستزيد بعلم ينفعه في مهنته بعد أن أصبح طبيبا يشار إليه بالبنان وحائزا على لقب الأستاذية. فالبروفيسور علاء لم يتوقف أبدا عن الدراسة ولو ليوم واحدٍ، رغم ممارسته لمهنة الطب وكتابته لمؤلفاتٍ بحثية؛ فقد سعى علاء لأن يصبح عالِما في الطب، تُدرّس أبحاثه في الجامعات وكليات الطب. كان يقول لنفسه وللآخرين: عليَّ أن أعرف الكثير في كل مجال لأحقق هدفي. هو الآن حائز على الأستاذية بالطب، وعلى شهادة بالحقوق، وعلى شهادة بهندسة الحاسوب، وشهادة بالصيدلة، وكل هذه الشهادات قدمها لأمه ليلى الواحدة تلو الأخرى حال الحصول عليها. بقي له أن يحصل على شهادة إدارة الأعمال وشهادة محاسب، وكيف لا؟! وبلاد العم سام، تفتح أمام طموحه الظالم، وذكائه الخارق، وشكله الحسن، ومعاملته اللبقة، وانسانيته المشهودة، كلَّ الأبواب المغلقة. لقد كان علاء يقول دوما: إذا بدأتَ، أصبح سهلٌ عليك أن تنهي، عليك بالخطوة الأولى، وبأن تنهض وتبادر. وهكذا قاده طموحه بعد سنواتٍ قليلة، الى أن يصبح العالِم الثريّ بعد أن استغل فرصة هبوط أسهم إحدى شركات الأدوية العالمية، فاشترها وكانت هذه خطوته الأولى الى عالم المال والأعمال.

في عيد ميلاده الأربعين، هاتفته ليلى لتتمنى له العمر الطويل، ثم وجدت نفسها تلح عليه وتطلب منه أن يعود الى البلاد، أن يعود اليها. قالت له متوسلة:

– ارجع يا ولدي! انا أحتاجك قريبا مني، انا أريد ابنا الى جانبي، لا أريد عالِما ثريا، أريد ابنا، هل تسمعني؟ أريد ابنا، أريد…

وبينما كانت ليلى تكرر “أريد ابنا” وتختنق الحروف في حلقها؛ سمعت زوجها وهو يهز بلطف كتفها بيده اليمنى ويقول لها:

– ليلى؛ أفيقي، لقد قاربت الساعة على السابعة والنصف؛ ستتأخرين عن موعد زيارتكِ لطبيبة النساء؛ هل ما زلتِ مصرّة على الذهاب إليها؟

…………………………

كاتبة وقاصة من الناصرة

 

مقالات من نفس القسم