إبراهيم البجلاتي
كل خطأ
هو خطأ شخص آخر
الآخر هذا
في رقبته ذنوب وحيوات كثيرة
لن يغفرها له أحد
من بينها حياتي
حياتي هذه المعزاة الحرون
هذه المخدة التي أحرثها كل ليلة مرات ومرات
بحثاً عن بقعة باردة
تعفي دماغي من حرفة الإيروتيكا
ومن حرقة الندم
حياتي هذه فيلم حضرته عشرين مرة من المنتصف
أو قبل النهاية بمشهد أو مشهدين
ولست شغوفاً بمعرفة البداية
ليس لأنها معلقة في رقبة الآخر
وليس لأنها تقريباً لم تعد تخصني
ربما فقدت اهتمامي بها
منذ أن قال أحدهم:
البداية مجرد لحظة ستجدها أمامك مباشرة
قبل دقيقة واحدة
من نزول الستار
-٢-
كأنه قدري
أن أقف دائماً في منتصف الطريق
كحبة فول في قصبة هوائية
ليست محشورة
ولا تكتم أنفاسي
فقط تحدث صوتاً في الشهيق وفي الزفير
حياة ناقصة
لم تعتن بالحزن في أصيصه العالي
ولا بالغناء على شرفة الليل
كأنه قدري
أن أعيش بصوت مبحوح
أن أدور حول نفسي في حجرات خالية من الحب
أخترع الحبيبة
عسل البداية
ولدغات النحل
-٣-
ماذا تفعل
حين تضبط نفسك
وأنت تمشي على قشر بيض
أو بحذر
في الصالة الطويلة
المعتمة – غالباً –
حيث بلاطة كبيرة من سيراميك الرخام
غير مثبتة جيداً
أحيانا تدوس عليها عامداً
فتصدر صوتاً قلقاً
وأنت الآن
لا تريد أن توقظ نائماً
لا تريد أن تكسر عظمة في البيت
لا تريد أن تصطدم
ولا أن تقع في الحب مرة أخرى
كأنك عالق بين فكرتين:
١- نهاية العالم
٢-العالم لا ينتهي
الأولى تبدو كخطأ لغوي
كارتباك ملحوظ في فهم العدالة
أو كخوف أزلي
من رفع الحجاب،
من البداية
والثانية
عود أبدي
خيال
أم عقاب
بيننا حائط
وبلاطة بنية مشبحة بالأبيض
فقدت ثباتها الأولي
وأنت تفكر دائماً
متى يحدث؟
أو ماذا سيحدث
حين تدوس عليها مرة دون قصد
فتنكسر؟
٤-
وأحب أن أرى المشهد هكذا:
أثاث قليل
سجادة خضراء
كأنها أرض مهجورة
سكنتها الحشائش
وعلى الحائط
نسخة صغيرة من «بنات بحري»
ولوحة اشترتها زوجتي
من مزاد لكل شيء قديم
لا أعرف إن كانت أصيلة أم مزيفة
لكنها قالت (وأنا أدق المسمار في الحائط):
أصلية طبعاً
وقالت أيضاً إنها لواحدة من نساء حسن سليمان المفقودات
وهذا توقيعه عليها.
بين اللوحتين ساعة متوقفة
عند الثانية عشرة إﻻ خمس دقائق
قبل منتصف النهار
أو قبل منتصف الليل
حسب توقيتك الداخلي
باختصار: للحائط لون قهوة بالحليب
وعليه لوحتان
بينهما ساعة معطلة
والوقت يمضي
هكذا
أحول الناس إلى نصوص
ليس كلهم بالطبع
فقط الذين أعرفهم
وأعرف شيئا عن معجزاتهم الصغيرة
كقيامة من بين أموات محتملين
بالمرض الخبيث
أو اﻻحتفاظ بالهواء
عاماً كاملاً
بين الرئة اليمنى
وخرطوم ينتهي تحت ماء في زجاجة
أو الذي سب الدين لجهاز التنفس الصناعي
وهو تحت بنج كامل
الحكايات لا تنتهي
وأنا أريد أن أنام
لكن قبلها
سأقول لك: اللوحات في غرفة الكرار
ولا شيء على الحائط
أما الساعة العطلانة
فحدث دائم في خيالي.
٥-
حين تروى القصص
لا أنتبه للحبكة
أو النهايات مفتوحة كانت أم حاسمة
أنزلق مع الكلمات حتى آخر النفق
هل يجب علي أن أحب كافكا؟
أو البومة العمياء ؟
أحب الأبله الذي يكلم القطط في الحدائق العامة
ولا يذهب مثلي إلى الشاطئ
وأحب أن أبقى في صحبة الصمت
بيني وبين الباب متران
وتشغلني الحقيبة :
الزرقاء متوسطة الحجم
أم الكبيرة السوداء
لماذا لا أخرج من هنا خفيفا
بلا مفاتيح
على الأقل سيكون بإمكاني أن أودع السلالم
وأن أترك في قلبي مساحة للألم
ومساحة أكبر للصور
حين تروى القصص
لن أكون حاضرا
سأكون في مكان ما
لا يضع الحب والعمى في جملة واحدة
ولا يربط الرقة بالغياب
٦-
لماذا لا نلعب لعبة الوداع
تلم أشياءك
وتسحب حقيبة خلفك
كأنها كلب وفي
وتقول لي: أنا راحل
وأقول لك: أنت في هيئة الراحلين
بالفعل
انتظر
في هذه اللحظة نبدو طيبين
وعلينا أن نعتذر
عن خطأ الطبيعة في حساب الوقت
عن شروق الشمس مرة واحدة كل يوم
عن بالوعة مفتوحة
سهواً
أو خطأ
عن زر وقع من القميص
عما فعلت
عما فشلت في فعله
أو نسيت
عن أي شيء
المهم أن نعتذر
في الوداعات
تصفى القلوب
أو يجب أن تكون صافية
نغرس دبوساً في عين الحياة
لعلها – بغير هذه الضغينة –
تنطفئ