حوار: أحمد ليثى
احفظ القواعد، ثم اكسرها، وأقم قواعد جديدة، واكسرها مرة أخرى، هذه الجملة قالها الشاعر الأمريكى «مارفين بيل»، فى إشارة إلى أن أى فكرة مهما كانت مهمة ومقدسة لا تعرف طريقة للحقيقة المطلقة، ويبدو أن أحمد الفخرانى فى روايته الأحدث «عائلة جادو – نص النصوص»، ينفّذ هذه الوصية، إذ أراد الفخرانى فى روايته أن يناقش معرفة العالم الراسخة، وذلك من خلال طرح الأيديولوجيات على مائدة الأدب.
يولّى الفخراني أهمية كبيرة للتحرير والتنقيح بعد الكتابة، لا تكتسب نصوصه قداسة بالنسبة له، وهو يصرف النظر عن نص انتهى من كتابته ولم يجد به ما يستحق النشر، فكما يقول، بالطبع ليس كل ما اكتبه أنشره، الفكرة هى الالتزام ببرنامج للكتابة يوميًا
ورغم أن روايته تتعدى 400 صفحة من القطع المتوسط، تبنى عالم غير مألوف «فما الذى يجمع تروتسكى بفريد الدين العطار بجاك دريدا بغيرهم- كما توجه الفخرانى بالشكر فى نهاية الرواية- لمناقشة القناعات الراسخة، لكن بدا أن العالم الروائى الذى ابتدعه الفخرانى متينًا، حيث لا تفقد الرواية قدرتها التشويقية بتمام صفحاتها.
أحمد الفخرانى روائى وصحفى مصري، من مواليد الإسكندرية 1981. صدرت له رواية «ماندورلا»، عن «دار العين» فى عام 2013، و«سيرة سيد الباشا»، عن «بيت الياسمين» 2017، ورواية «عائلة جادو – نص النصوص» 2017.
* الرواية 433 صفحة، ألم تخش ضخامة حجم الرواية فى زمن يفضّل فيه القارئ الرواية الصغيرة؟
– الأصل فى الأمر هو هل الرواية بها كلمة زائدة أم لا، لا أعتقد إن القارئ يفضل شكل معين للرواية، لا وجود لقارئ يحمل وصفة نموذجية فى رأسه، بدليل الاقبال على لعبة الملاك»، لكارلوس زافون التى صدرت ترجمتها حديثا، رواية «رجال التحرى المتوحشون» لروبرتو بولاينو، وهى روايات كبيرة الحجم، أعتقد أن الوصفات النموذجية لحجم الرواية هى فى أذهان الكتاب فقط الذين يخلطون بين طريقتهم فى الكتابة، وما يجب على الآخرين كتابته. بطريقة أو بأخرى ذلك مؤسف، المعيار الذى يمكننى فهمه، هل الرواية الكبيرة حشو فارغ، هل الرواية الصغيرة، كانت تستحق أن تكون أكبر؟ فى اعتقادى هذا المعيار البسيط هو ما يجب الحكم من خلاله.
أتخيل لو امتلك الكتاب السلاح، لن يتورعوا عن تعميم تصورهم عن الكتابة بالقوة. كما أني أوجه اللوم للصحافة الثقافية بشكل عام، على تكريسها لتلك الفكرة.
* لطالما كانت القضايا الكبرى هي مهمة الفلسفة، هل هناك تقارب بين الفلسفة والرواية؟
– ليس كل الروايات، لكنها رافد مهم، لما أكتبه. لكل لحظة شروطها، بعد سبعة سنوات من الثورة، كل القضايا الكبرى أعيدت إلى السطح، نوقشت بعمق على كل المستويات، تلك لحظتى وأحاول التعبير عنها، ليس بالكتابة المباشرة عن الثورة، لكن بمحاولة التقاط الجوهرى من العابر.
* البطل يحمل مهمة محددة وهى قتل كارل ماركس، لكننا طوال الرواية لا نعرف على وجه الدقة هل تنصف الرواية ماركس أم تدينه، لنعرف بعد ذلك أن الهدف الرئيسى أن الاتجاهات وبالأحرى الأيديلوجيات محض خدعة؟
– محاولة ادانة ماركس أو انصافه، كانت ستقتل الرواية نفسها، فلنقل هى محاولة لقرائته، دون دوجما تقديسه أو كرهه، لا يوجد خير أو شر على مدار الرواية كلها، ولم أقل أن الأيدلوجيات محض خدعة، لكن لا أظن أن هناك نظرية أو ديانة أو فكرة تحمل الحقيقة المطلقة، بل تجليات لجزء من الحقيقة، فماركس نبى فى عيون المؤمنين به. ملاحظتي التي بدأت منها التفكير في الرواية أو سؤالي لم تعمل الأفكار النبيلة ضد نفسها، وتتحول إلى كارثة على من حاولت مساعدتهم في الأساس.
* روايتك لا تتسق مع الواقع، لكنها تكتب تاريخ آخر متخيل له، هل يؤكد هذا أن التاريخ مجرد تأويلات متبناه؟
– الرواية لا تنشغل بشىء سوى بمناقشة الواقع، ولم أحسب حسابات الحضور التاريخي، ولم أكن مشغولًا بكتابة تاريخ آخر عن ماركس، كنت مشغولا بالفيلسوف أكثر من الاقتصادي، رب الأسرة أكثر من المنظر.
وبالطبع التاريخ ليس إلا تأويلات متبناة، لكن ذلك ليس هدف الرواية، بل إعادة قراءة النصوص بدون قداسة سياقها التاريخي، وسطوتها بفعل الزمن أو بفعل المؤمنين بها. خاصة ما يمكن تسميته بالنص الأب أو النص المؤسس، الذي يتحول من ضوء في للطريق إلى عائق فى الطريق.
* هل يمكن أن تكون السخرية الموجودة في الرواية هى محاولة لنزع القداسة عن النصوص؟
– أميل لاستخدام السخرية لأنها تساعد على التخفيف من سطوة القداسة التاريخية التى اكتسبها الأشخاص أو الأفكار، وهى مناسبة للعمل الذى خلقته فى الرواية، ليس لهدمها، بل كي أتمكن –بشكل شخصي- من قراءتها بحيادية.
* هل يمكن أن نعتبر الرواية تنبؤ لمستقبل أكثر ظلامًا من أحداثها، مستقبل لن ينجو فيه أحد؟
– لا أظن أن الرواية تحمل نوعا من التنبؤ بالمستقبل، لكنها محاولة لقراءة الحاضر وأسئلة تخص المستقبل أكثر منها إجابات.
* رغم كل ما فى الرواية من سوداوية، لكن الرواية لا تخلو من لحظات الأمل التى نراها بين صفحاتها؟
– صرخة اللاأمل، مثلها مثل من يقسم العالم إلى لونين أبيض وأسود، في رأيي.
* لم تنس فى نهاية الرواية أن تقدم الشكر والعرفان إلى رامبو وفريد الدين العطار وحنة أرندت وإريك فروم وجاك دريدا، ولا تنسى كارل ماركس طبعا، لكن هذا يدل على أنك قرأت كل هؤلاء، وهذا ملفت حقيقة، ذلك أن هناك كتاب لا يقرأون إلا الأدب وخاصة الروايات فقط؟
-لا كتابة دون قراءة، القراءة جزء من عملى ككاتب، واجبى اليومي، قراءة الروايات فقط لا تساعد على فتح مغاليق الأعمال الأدبية ونقدها، ذلك أن ثراء العمل يأتى من القراءات المتعمقة فى مجالات خارج الأدب أصلًا.
بالإضافة إلى أن الروائى يجب أن ينمّى نفسه فى الفنون الأخرى، كالموسيقى والفنون البصرية. على الناحية الأخرى جزء من وظائف الرواية الأساسية هو كشف مجال الخبرة الإنسانية، وهو ما لا تستطيع الفلسفة أو العلوم الأخرى كشفه. ما الذى يربط فريد الدين العطار وجاك دريدا وإريك فروم وماركس ورامبو ببعضهم. كانت الرحلة التى خضتها فى قراءة كل هؤلاء ومحاولة اكتشاف الخيط الجامع بينهم أكثر متعة من الكتابة نفسها.
* تركت الصيدلة وفضلت الصحافة عليها، رغم ما قد توفره الصيدلة لك من سهولة فى العيش، على عكس الصحافة، ما الذى يجعل شخص يفعل ذلك؟
– تفرغت للكتابة الأدبية منذ 3 سنوات، وأنتظم فى الكتابة يوميًا لمدة 3 – 4 ساعات، أما باقى الوقت فأستغله فى القراءة وتنقيح النصوص، وهى عملية أهم بكثير من الكتابة.
فن الرواية لا يُكتب إلا بهذه الطريقة، أن تجلس يوميًا بانتظام، على عكس الشعر أو القصة القصيرة، فضلا عن محبة الكتابة. الشيء الوحيد الذى أشعر فيه بفرح أصيل وأقبض فيه على إحساسى بالحياة هو أن أكتب، خلق نص جديد، هو كل ما أطمح إليه. كنت أظن أن الصحافة هى أقرب الأشكال لتصبح مهنتى لأنها متعلقة بما أحب. كما أنى كنت محظوظا كصحفي، فقد وفرت لى مهنة الصحافة المال الكافى للتفرغ للأدب. أتمنى أن لا أضطر للعمل صحفيا مجددا. باستثناء فن التحقيق أرى أن الصحافة فى مصر وخاصة الثقافية، تسعى لتكريس الحقائق المعروفة سلفا، على عكس الأدب. ومناخ الصحافة بشكل عام فى مصر لم يعد مشجعا.
…………..
· نشر في جريدة القاهرة