حاورته : نسرين البخشونجى
يصنع من حكاياته الممزوجة بالعجائبية والأسطورية أدبا لهُ طابع خاص، وهى الحكمة التى قالتها العمة فى روايته «العمة أخت الرجال»: «لكل ابن آدم حكاية تميّزه، خاصّةٌ به، والشخص عديم الحكاية كأنه لم يمرّ بهذه الدنيا. وجودُنا فى الدنيا كى نصنع حكاياتنا».. نال الروائى أحمد أبوخنيجر جائزة ساويرس الأدبية عن هذه الرواية عام 2007. أحمد أبوخنيجر، ابن أسوان الحاصل على جائزة الهيئة العامة لقصور الثقافة عن مسرحيته «ياسين» 2001 وجائزة الدولة التشجيعية عن روايته «نجع السلعوة» عام 2003، ولد عام 1967 وصدرت لهُ أربع مجموعات قصصية وأربع روايات.. يتحدث فى هذا الحوار عن زمن الرواية وحقيقة أفول القصة القصيرة عن القاهرة وكذبة الأقاليم.
? ما رأيك فى مقولة أننا فى زمن الرواية وأن القصة لا مكان لها؟
– صحيح أننى كتبت الرواية عقب عدة تجارب لمجموعات قصصية ولكن هذا لا يعد تحولاً منى عن هذا الجنس الأدبى ولا حتى تطوراً، فلا يصح أن نقول إن كاتب القصة عليه أن يتطور بكتابة الرواية لأن رؤية الكاتب للعالم هى التى تحدد طريقة إبداعه، منهم من يفضل أن يراه كوحدات صغيرة وآخر يراها بشكل أوسع، والكاتب عادة يفكر فى تيمة جديدة، ويستطيع وحده أن يقرر الشكل السردى الذى سيكتبه وهذا يتوقف على عدة عوامل أهمها تكوينه والحالة الإبداعية التى يمر بها. كما أنه لا يمكن أن يلغى فن فناً آخر، ولا نوع يلغى نوعا، كما أن الكتاب قد يضطرون أحياناً للكتابة فى نوع سردى دون الآخر بسبب إقبال القراء عليه، القصص القصيرة ستظل موجودة خاصة مع عودة كتاب كبار مثل بهاء طاهر ومحمد البساطى وخيرى شلبى لإصدار مجموعات قصصية جديدة، كما أن هناك عددا كبيرا من الكتاب الشباب أصدروا مجموعات قصصية جديدة. وأعتقد أن مقولة زمن الرواية ذات دلالة سلبية فى ظنى، لأنها أدت بكل الأدباء بمن فيهم الشعراء إلى التحول للرواية وأنا مؤمن أن موازين الإبداع ستعود لسابق عهدها وتستوعب كل الأشكال.
? بماذا تفسر اهتمام المترجمين والنقاد بالرواية دون القصة؟
– أقر بأن هناك ظلما نقديا للقصة القصيرة، لأن النقاد كسالى..والناشرون يبحثون عن المكسب، وقد أجريت استبيانا بسؤال عدد من القراء عن سبب شرائهم الروايات فأكدوا أنهم يريدون أن يقرأوا كتاباً بداخله قصة واحدة وليس كل عدد من الصفحات قصة جديدة وهو أمر يتعلق بالذوق. عموماً لا يمكننا أن نتغاضى أو نغفل جمال القصة القصيرة وقدرتها على التكثيف والإدهاش وهى تمثل تحديا للكاتب.كما أن هناك مشكلة حقيقية فيما يخص النقد، لأن ما يكتب فى الصحف ليس نقداً بل انطباعات وفى أحيان أخرى يكون عرضاً للكتاب وليس نقدا حقيقيا، ولذلك لدينا مشكلة عدم فرز لما هو على الساحة الآن لأن النقاد الحقيقيين هم الذين يملكون القدرة على فصل الإبداع الجيد عن الردىء، وهذا يجعلنى أربط هذا الوضع بفكرة الأكثر مبيعاً لأنها فكرة سيئة للغاية، مثلا رواية شفرة دافنشى تافهة من وجهة نظرى لكنها حققت مبيعات ضخمة على مستوى العالم وهو ما يحلم به أى كاتب ولكن تلك الرواية لن تكون موجودة ضمن قائمة أفضل الأعمال الأدبية.
? ربما لأنها رواية شعبية وليست نخبوية استطاعت أن تصل للقراء؟
– الأمر ليس كذلك فالرواية لا يشترط أن تكون نخبوية أو شعبية ولكن يجب أن تخضع للشرط الجمالى وفى اللحظة التى يحقق فيها أى أعمل هذا الشرط لا تهم الفكرة التى تناقشها. وفكرة الأعلى مبيعاً لا تعنى أطلاقاً قيمة العمل الأدبى، فعلى سبيل المثال الرواية العربية بدأت من «زينب» لحسين هيكل ولكن فى تاريخ النوع بدأنا بالثلاثية، فليس كل عدة أوراق وضعت بين دفتى كتاب يصبح رواية.
? كيف ترى حال كتاب الأقاليم؟
– أرفض تعبير «كاتب إقليمى» وهى كلمة سيئة وغير صحيحة اخترعها النقاد الكسالى لأنهم دائماً يضعون الكتاب فى دواليب وقوالب جاهزة وهذا كلام فاضى، الكتابة كتابة لم يسأل أحد أين يقيم ماركيز مثلاُ، باتريك زوسكند صاحب الرواية الشهيرة «العطر» يقيم فى مكان ريفى فى النمسا ولا يقابل أحدا وهو متفرغ تماماً لإبداعه، إذن أنا أعتبر سؤال الكاتب عن محل إقامته أو إقليمه عبثيا لا يمت للإبداع بصلة.
? ولكننا فعلا نعانى من مركزية الثقافة؟
– نعم مع الأسف نحن دائماً فى حاجة للتصنيف وهو شىء غير سوىّ على الإطلاق، وبالنسبة لى لا أتعامل أبداً من هذا المنطلق ولكننى أتعامل كونى كاتباً مصرياً أقيم بأسوان، أكتب وأنشر أعمالى بشكل جيد، وأعتقد أنها تحقق نجاحاً كما تمت ترجمة بعضها.. وهناك من يستثمرون فكرة كونهم أدباء من الأقاليم لأنها تمثل مجموعة مكاسب بالنسبة لهم لأنهم ببساطة يتاجرون بانتمائهم.
? فى القاهرة هناك حالة من التواصل بين الكتاب والقراء بسبب انتشار حفلات التوقيع والندوات.. وهو ما ليس متاحاً فى أسوان على سبيل المثال؟
– أى قراء.. هل تعتبرين الأصدقاء والمعارف جمهوراً حقيقياً، حفلات التوقيع تقام للأصدقاء من خلال فيس بوك، ومعظمهم يدرك أن حضوره اليوم سيجعلك تحضر له غداً.. ما يحدث الآن هو «أونطة ثقافية»، نحن فى هذه الحالة نحاول إيهام أنفسنا أن هناك قراء، علينا أن ندرك حقيقة من يحضر تلك الفعاليات، نادراً ما يحضر شخص لا يعرف الكاتب لمجرد أنه قرأ الكتاب ويريد أن يحصل على توقيع ولكن لا يمكن أن أغفل بعض الاستثناءات فى هذا الأمر وهى حالات نادرة مثل علاء الأسوانى. أما بالنسبة للندوات، ما الذى يمنع الكاتب أن يقيم ندوة فى المكان الذى يقيم فيه حتى وإن كنت تريد أن تستقطب الناس، هنا يكمن دور نادى الأدب الذى لديه ميزانية من أجل تلك الفعاليات. أعتقد أن المسؤول عن هذا الأمر الأدباء أنفسهم وليس الناس وهذا يرجع إلى وعى الأديب أو المثقف الذى يهتم بعقد الندوات واستقطاب عدد من الكتاب الحقيقيين لعقد ندوات فى مدينته. مدير قصر الثقافة ليست مهمته أن يجلب الناس لحضور الندوة ولكن الذى يقرر ذلك هو الأدباء أنفسهم.الكثير يحضر هذا النوع من الندوات فى القاهرة ولكنه يكتشف بعد خمس دقائق أنه لم يكن عليه الحضور لأنها غير مهمة، عدد قليل من تلك الندوات يستحق الحضور، وكثير من الأدباء يفضلون الجلوس على المقهى على أن يحضروا مثل هذه الندوات عديمة القيمة.
? ألا ترى أى مميزات لوجود الكتاب فى القاهرة؟
– هناك مميزات للوجود فى القاهرة تتمثل فى الأضواء والإعلام وهى مسألة تلى الكتابة ولا تسبقها، فالأساس أن يتحقق الكاتب نفسه من خلال إنتاج عمل أدبى حقيقى أما أضواء الشهره فهى مسألة ثانوية.
? قلت إن لدينا مشكلة قراءة.. ألا تتفق مع الرأى القائل إن سعر الكتاب ربما لا يناسب كثيراً منهم؟
– نعانى مشكلة خطيرة ليس فقط فى إقليم الصعيد ولكن فى مصر كلها، فكم واحداً يهتم بالقراءة، حين طبعت مكتبة الأسرة 3 آلاف نسخة من كتاب «حياة محمد» لهيكل فى التسعينيات خرج علينا المسؤولون وهم لا يكادون يصدقون أنفسهم، شعرت وقتها أن هذا «عبط» وكنا شعبا من 50 مليون نسمة وقتها وهذا يعنى أن كل 700 شخص لهم نسخة واحدة. نحن الآن نروج لفكرة تعدد الطبعات بطبع ألف نسخة فقط وأنا أعتبر هذا «كلام تافه» فالقاهرة وحدها يسكن بها أكثر من 20 مليونا.. إذا أردنا اكتشاف الحقيقة يجب على دور النشر طبع 50 ألف كتاب طبعة أولى وحين يحدث ذلك يمكننا فقط التحدث عن فكرة الرواج
? ماذا تقترح لحل هذه المشكلة؟
– أقترح أن تطبع دور النشر ألف نسخة لكل محافظة هذا سيحل مشكلة التوزيع، وسيقلل تكلفة الكتاب وسيساهم فى حل مشكلة التوزيع، بالإضافة لتقليل سعر الكتاب ليصبح متاحاً للجميع.