أخرجت ثلاث نساء من جيب القميص , وألقيت بهن من النافذة بلا مبالاة , قبل أن أناوله إياه .
ازداد احمرار وجهه , وبدأ في ارتداء ملابسه . لم أشأ أن يبلغ به الغضب منتهاه , قلت بلهجة حاولت أن أجعلها رقيقة : تعال غداً , ولا تنس أن تنظف جيوبك جيداً , فربما أكون قد غيرت رأيي.
– أنا لن أقبل بهذا أبداً بعد الآن , آتي وانصرف تبعاً لمشيئتك!
قلت بهدوء : ليس لك أن تقبل أو ترفض , هذا حلمي , وسأستدعيك متى شئت . هيا لقد تأخرت .
اختفى , وطرقت صفية الباب , فاستيقظت.
***********
دخلت صفية , وبرفق أزاحت الستارة وفتحت الشباك فتحة صغيرة كما علمتها . أضاءت الشمس ملامح وجهها النحيل, وانعكس خيال أهدابها الطويلة على خديها .
طوال السنتين اللتين عملت فيهما صفية في البيت , لم أهتم بوضع تصنيف لها من حيث الجمال او القبح , ربما لأن بيتي يخلو من الرجال فلم يكن الأمر ضرورياً . وضعت تقييما سريعا وحاسما لنظافتها وأمانتها وكان ترتيبها متقدماً . بالنسبة لسرعة الفهم والقدرة على التصرف كانت أقل من المطلوب , ولكن لأن الإنسان لا يحصل غالباً على كل شيء فقد تكيفت مع الأمر .
” لا تفزعي يا صفية , فأنا لن احكي قصتك ..قصتك ملكك وحدك , وما سأرويه هو مجرد رؤيتي لها ..هذه قصتي أنا , وأنا أراك بعينيّ فلا تخافي “
كانت صفية في الثامنة عشرة تقريبا , والدها معرفة قديمة لوالديّ , جاءت وارتحت لها , وأظنها كذلك .
ظلت هي ” البت صفصف بنت عم سيد ” النحيلة التي تجوب المنزل بالمكنسة كخيال , حتى الصباح الذي جاءت فيه محمرّة العينين والأنف , وعلى وشك الإغماء . لم تحتج لأكثر من ” مالك ؟ ” لتنفجر في الحكي .
********
الغرف المغلقة لا يجب وضع العديد من المرايا فيها. المرايا المتعددة للمطاعم أو المقاهي المفتوحة, فهي تعطي انعكاسات وتمنح المزيد من البراح . هكذا قال مهندس الديكور وهو يتأمل الغرفة . قلت : لا بأس , لا أريد سوى اثنتين متقابلتين هنا .
– كما تشائين
ستأتي اليوم , وسترى انعكاساتك في المرآتين , ستتبادلان صورتك ككرة التنس , سيصيبك الدوار وفي النهاية ستسقط بجوار الفراش ..وأنا سأخطو فوق جسدك وأصعد لأنام .
***********
كانت تمتلك قلبا يفيض بالحب , وعينين جميلتين مليئتين بالحسرة .
قالت : لا يكاد يمر شهر حتى يختفي فجأة , ثم يرسل لي الدبلة مع أخته التي تقول أن أباه هو الذي أجبره على هذه الزيجة وأنه لا يستطيع أن يسعدني ..كل شهر ..كل شهر على هذا الحال .
– ولماذا لا تتركينه ؟ سألتها
– لأنني أحبه ..قالت بحدة
وأكملت : وأنا لا يهمني أن يحبني , بل سيحبني ..سأجعله يحبني عندما نعيش معا , سيكون لنا بيت وأطفال , وحين يختفي سيعود في النهاية للبيت ..مثل أبي وعمي وخالي وكل الرجال ..
” هذه البنت عبيطة , أو واقعية لدرجة لم أكن أتخيل ان يصل إليها عقلها الصغير “
– لكن هذه المرة لن يعود ..أضافت بحزن
– لماذا ؟
– لأنها أول مرة يحضر فيها الدبلة بنفسه . طلب مقابلتي في بيت عمنا الكبير , قال كلاما كثيرا لم أسمع منه شيئا ..كنا في الغرفة الداخلية , وعمي وزوجته يجلسان في الصالة بلا صوت …كانت هناك أيضا جارتهما وابنتها الشابة وشقيقته وأولاد عمي ..أخذ يتكلم ولم أكن أفهم بالضبط ما يقول , أخذت أفكر كيف سأخرج وسط كل هؤلاء وأعود للبيت ..كنت مرعوبة من الفكرة .
” أنا لم أر عزت إلا مرة واحدة ..جاء ليأخذها في يوم من أيام الرضا ., كان طويلاً يلصق ابتسامة ثابتة على شفتيه ووجهه يوحي بأنه ممن يطلق عليهم : يلعبون بالبيضة والحجر . لماذا لم يلعب بهذه البيضة إذن ؟! ألأنها كانت ابنة عمه ؟
لكنك يا عزت أغبى مما ظننت , هل هناك شاب عاقل ينفصل عن فتاته في غرفة مغلقة ! الانفصال يا عزت يجب أن يكون في الأماكن المفتوحة ..الأماكن التي يتخللها الهواء ..يطيّر الأوراق الملقاة ع الأرض ويرفع ذرات الغبار ليدخلها في العينين ..يجب أن يتخلل الانفصال ذرات الغبار التي تدخل في العينين وتحرقهما كي تراه بوضوح يا عزت ..أنت عبيط فعلا يا رجل ! “
أكملت :خلع الدبلة وقال لي : التالتة تابتة ..احنا خلاص مش هينفع نكمل , وأنا قلت له كما تريد ولكن أرجوك لا تتركني هنا وتذهب , كيف سأخرج وسط هؤلاء الناس كلهم ؟
وقد فعل , أمسكني من يدي وسرنا بهدوء كأن شيئاً لم يحدث , سلّمنا على عمي وزوجته وجارتهما وابنتها وفريال شقيقة عزت وأولاد عمي الصغار وخرجنا .
بعد عدة أمتار قلت له أوصلني للبيت , بدا الضجر على وجهه لكنه لم يرفض . أنا كنت أعرف ان الموضوع قد انتهى لكني فقط خفت أن أعود للمنزل وحدي ويدي خالية من الدبلة ..آه هو خلع الدبلة ووضعها أمامي على المنضدة وأنا خلعت دبلتي ووضعتها بجانبها وقلت له : هذا حقك وأنا لا أريد شيئا
***********
بقيت في حضنه ساكنة, يلفني الدفء رغم اكتمال العري . رفعت رأسي إليه بابتسامة راضية: كيف وصلت؟
ابتسم مربّتاً على خدي : أنت الآن في حلمي , بوسعي أن أفعل ما أشاء .
اعتدلت منتبهة , وقد بدأ تيار بارد خفيف يسري في أطرافي
-يعني تستطيع أن تصرفني فجأة , دون حتى أن تمنحني وقتاً لارتداء ملابسي ؟
رفع جسده عني , وبدأ جسدي في الارتعاد بوضوح , اعتدل هو مستلقياً على ظهره , مبتسماً قال : بل سأمنحك يا حبيبتي ..أمامك خمس دقائق..هيا .