علی رضازاده*
في إحدى الندوات التي حضرها طلاب من كلية التاريخ وكلية اللغة وكلية الاقتصاد، كنا نناقش موضوعًا مثيرًا للاهتمام. هناك طرحت هذا السؤال للمناقشة: “ما هي المهنة التي كنتم تريدو أن تمتلكوها ولكنكم لم تنجحوا؟”
لن تصدقوا، اعترف غالبية المشاركين بما يلي: “أتمنى أن أكون شرطي مرور، لكنی لم أنجح”.
نعم متخصصو المستقبل ندموا على عدم كونهم شرطة مرور ولم يخفوا خيبة أملهم.
علی فکری كل المهن التي تخدم المجتمع بشكل إيجابي هي مهنة مشرفة.
وطبعاً ليس من الضروري أن يتخرج الإنسان من الجامعة، فالمجتمع في حاجة ماسة إلى النجارين والإسكافيين وإلخ..
إذن، ما هو سبب رغبة المؤرخين وعلماء اللغة والاقتصاديين في المستقبل في أن يصبحوا شرطة مرور عادية؟
من الخطأ القول إنهم یخشون من صعوبة مهنتهم المستقبلية، لأن عمل شرطة المرور ليس بهذه السهولة: يقضي يومهم على الطرقات بغض النظر عن الصيف أو الشتاء.
حتى المناوبات الليلية، وإنهاء الليالي في العمل …
قررت أن أبحث عن السبب في مكان آخر، وهذه المرة واجهت مشاعر قسوة انسان تجاه انسان آخر.
يحلم الإنسان المعاصر بأن يصبح شرطيًا، ويقبض على شخص آخر ويعاقبه. أنا متأكد من أن هذا هو الحال في جميع أنحاء العالم.
ثم أفكر في مهنة أمين المكتبات، المسؤولين الذين يعملون في المكتبة. إذا سألت الجميع اليوم، سيقول الجميع أنهم يحبون الكتاب سيشعر الجميع برغبة في قراءة كتاب لكن لا أحد يريد أن يدرس طفله في كلية المكتبة، بل يختارون کلیة الحقوق ومهنة الشرطة. ومع ذلك، فإن الحياة التي نقضيها بين الكتب هي الحياة الأكثر معنى. مثلا انا عندما أريد الهروب من العالم، ملجأي هو المكتبة. جوها الذي يمنح الإنسان الراحة الداخلية، ورائحته الفريدة، وأولئك الذين يعملون هناك لديهم أيضًا وجهات نظر وملامح وجه مختلفة.
عندما كنت طفلا، کنت اعتقد أن أمناء المكتبات يعيشون في داخل المكتبة ولن یخرجوا من هناک. وكانوا يجهلون العالم وراء الجدران المزينة بأرفف الكتب. وکنت اعتقد انهم يعرفون أبطال الكتب ومؤلفيها شخصيًا. وکنت اعتبر بعضهم أقارب لتولستوي، وبعضهم لسارتر، وبعضهم لنجيب محفوظ. على الرغم من أن الابتسامة اللطيفة والحنين تغطي وجهي عندما أتذكرهم، إلا أنني ما زلت أعرف أمناء المكتبات كأشخاص من عالم آخر.
وفي الندوة المذكورة أردت حقاً أن يقول أحد الشباب: “أتمنى أن أكون أمين مكتبة، لكن لم أنجح…” لکن ما سمعت…
قد يبدو الأمر عاديا، لكن عدم حب الإنسان لتخصصه يخلق تأثير بركان خامد في المجتمع. يثور هذا البركان عندما لا نتوقعه ويحرق كل من في نطاقه.
خلاصنا ليس التعليم العالي فحسب، بل الإنسانية أيضًا.
ما دام هناك عقول مفكرة، وفنانون يحبون فنهم، وعمال يحبون عملهم، وفي هذه الحالة، كما قال نظامي كنجوي، فإن الانسان الكامل سيصل إلى العصر الذهبي.
لكن بفضل الأشخاص المحبطين دائمًا الذين لا يحبون حياتهم وعملهم وعائلاتهم ونهار الافتتاح والليلة التالية، نحن البشر نعيش الحلم الذي لم نصل إليه منذ آلاف السنين.
………………….
* كاتب من جمهورية أذربيجان – أستاذ بجامعة سوقاییت الحکومیة