أبيض وأسود

محمد العنيزي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

محمد العنيزي

يحلو لي أحيانا أن أخرج ألبوم الصور القديمة.. وأتأمل وجوه الراحلين من العائلة..   في واحدة من الصور الفوتوغرافية يجلس أبي بوسامته وبدلته الأنيقة وأنا طفل صغير أجلس على ركبته..  قارنت الصورة الخالية من الألوان بصورتي الملونة مع ابني الصغير..  كأنني أنا أبي وكأن ابني هو أنا..  تشابه كبير مع اختلاف الزمن..  عندما رأيته تخيلت  سينارست يكتب فكرة فيلم استوحاها من صورة قديمة أيام الأبيض والأسود..  أبطاله أناس كانوا يعشقون الحياة..  ربما لأن الصور القديمة هي حياتنا..  أو هي الزمن في دورته الأزلية..  أو هي أسئلتنا الحائرة..  أحب الصور القديمة بدون ألوان..  أحب النظر إليها وتأملها أكثر من الصور الملونة..  الصور القديمة طوابع بريد يرسلها الزمن إلينا..  سنة الحياة أنها لن تعود للوراء..  العودة لن تكون إلا في الأشرطة المسجلة..  نعيد الأحداث والمواقف والأغنيات متى نشاء.. في أي وقت تضوع الذاكرة..  العمر أوقات تمضي.. ولحظات لن تتكرر.. كنت أتأمل البدلة التي يرتديها أبي..  وفي مخيلتي دولاب ملابسه..  ومكوى ينفث البخار في يد والدتي وهي تكوي قمصانه..  كان يحب الأناقة في ملبسه..  ويحرص كل صباح على ارتداء بدلته كاملة مع رباط العنق..  ولا ينسى ساعة اليد..  ولمعان حذائه.. أشار إلي أبي من الصورة..  رفع يده بالتحية..  وخرج صوته يسأل عن حال أحفاده

كيف حال الأولاد؟  أحوالهم على ما يرام يا أبي

عندما أردت إجابته عادت الصورة ساكنة..  لم يأت أبي بأي حركة أو ينبس بأي كلمة..  كان يجلس ببدلته الأنيقة..  من الغرفة المجاورة صاح ابني الصغير:

لماذا لم يعد جدي يأتي إلى بيتنا يا أبي؟

لأنه ليس هنا يابني.. جدك في المقبرة ولن يأت

حسنا..  عندما تراه أخبره أنني أشتاق لرؤيته.. وقل له أن يحضر لي لعبة صغيرة

عدت أقارن الصورة القديمة الخالية من الألوان بالصورة الملونة.. 

…………………..

*أديب وكاتب من ليبيا

مقالات من نفس القسم

تشكيل
تراب الحكايات
موقع الكتابة

ثقوب