US.. نحن وأشباهنا

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 43
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

صفاء النجار

شاهدت، أمس الجمعة، فيلم «us»، أو نحن، الذى يعرض الآن فى السينمات المصرية والعالمية، محققًا خلال أقل من أسبوع من عرضه إيرادات تجاوزت ١١٣ مليون دولار، رغم أن تكاليف إنتاجه لا تزيد على ٢٠ مليون دولار.

الفيلم هو ثانى تجربة للمخرج الأمريكى «جوردن بيل» فى التأليف والإخراج، بعد أن قدّم فيلمه المميز «get out» الذى حصل عنه على جائزة أوسكار أفضل سيناريو أصلى، عام ٢٠١٧، وتقوم ببطولة الفيلم الممثلة «لوبيتا نيونجو»، الحاصلة على جائزة الأوسكار عن دورها فى فيلم «١٢ years a slave»، وبطلة فـــيلم «Black Panther».

يدور الفيلم حول إجازة عائلية لعائلة ويلسون، تتحول إلى سلسلة من الأحداث الكابوسية المروعة، عندما يقتحم مقر إقامة العائلة أربعة غرباء يشبهونهم فى كل شىء، وتقوم الممثلة «لوبيتا نيونجو» بدور الأم أديليد ويلسون، التى تُظهر من البداية عدم ارتياحها لهذه الإجازة، ويزداد توترها مع قضاء العائلة بعضًا من الوقت على شاطئ «سانتا كروز»، الذى سبق وتعرضت لحادثة على هذا الشاطئ وهى طفلة عندما شاهدت شبيهة لها فى كهف اللعبة، التى يسمونها «اكتشف نفسك».

يعتمد الفيلم على طرح فكرة الشبيه، الشبيه السيئ، أو جانبنا المظلم المخفى، وهو نسخة مطابقة أو مشابهة للشخص على قيد الحياة، ومفهومه مشابه نوعًا ما لمفهوم القرين فى الإسلام، وتتجسد فى الأساطير الفرعونية فكرة الشبيه فى «الكا»، أو الروح المزدوجة، وهى الروح التى تملك نفس ذكريات ومشاعر صاحبها.

تعتبر رؤية شبيه لشخص فى أغلب الثقافات والحكايات نذيرًا بالشؤم، وثقافات أخرى تراها نوعًا من اللعنات أو السحر، ونظرًا لعدم وجود تفسير علمى واضح للشبيه فإنه أحيانًا يُصنف كظاهرة خارقة للطبيعة، ويطلق عليه ظاهرة الشبيه، أو ظاهرة أشباح الأحياء.

لا يعتمد فيلم «us» على التفاسير الأسطورية، بل يقدم تفسيرًا للشبيه يعتمد على الخيال العلمى، حيث استطاع العلماء إيجاد نسخ من البشر لكن دون وعى أو روح.. هم متواصلون مع أشباههم بالروح، ومن ثَم فهم متواصلون بالعادات والحركات، وربما يكونون نتاج تجربة فاشلة نسيها العلماء، أو لم تحقق أهدافهم، فتجاهلوها، لكنها تعود وتظهر على السطح لتعلن عن وجودها، وتثأر لهذا الإهمال والتجاهل، كما يحدث فى الفيروسات التى يخلقها العلماء فى المعامل، وتظهر على شكل أوبئة أو أمراض لا يعرف العلم لها علاجًا.

فكرة الخيال العلمى وتجربة العلماء الفاشلة لم يركز عليها الفيلم، كانت مجرد تفسير لوجود الشبيه، ووجود عوالم أخرى موازية فى الكون، كما سبق أن شاهدناها فى فيلم، «ANOTHER EARTH» (٢٠١١).

استلهم المخرج جوردن بيل فكرة الفيلم من حلقة من مسلسل «TheTwilight Zone»، أو منطقة الغسق، وهى سلسلة من الحلقات التليفزيونية عُرضت على قناة «CBS» الأمريكية، خلال فترة الستينيات «١٩٥٩- ١٩٦٤»، وبالتحديد حلقة «mirror image»، التى تركز على سيدة تلتقى شبيهتها الشريرة فى المرآة.

يحمل الفيلم نهاية مفاجئة، حيث نكتشف أن الشبيهة هى الأصل، وقد حدث إبدال بينهما وهما صغيرتان، بما يفسر أن ما نعتقد أنها الشبيهة هى الشخصية الوحيدة بين الأشباه القادرة على الكلام، وهى القائدة والمخططة لهذه الثورة ضد العالم العلوى أو السطحى فوق ظهر الأرض، مما يطرح فكرة دور المجتمع والبيئة المحيطة فى تشكيل الشخصية، فالفروق بين الأصل والشبيه قليلة، وربما تلغى هذه الفروق أو تدعمها البيئة والمجتمع المحيط.

يمتلئ فيلم «us» بالرموز والدلالات، فيشير إلى ما ورد فى إصحاح إرميا: «هأَنَذَا جَالِبٌ عَلَيْهِمْ شَرًا لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهُ، وَيَصْرُخُونَ إِلَىّ فَلاَ أَسْمَعُ لَهُمْ»، إضافة إلى انتظام الأشباه قبل مهاجمة وقتل الأصليين فى شكل سلاسل بشرية، فى إشارة إلى حركة «hands across America»، وهى تجمّع سلمى، شارك فيه ستة ملايين ونصف المليون مواطن، وقفوا فى شكل سلسلة بشرية، يدًا فى يد، لمحاربة الجوع والتشرد والفقر، وقد تبّرع معظم المشاركين بمبلغ ١٠ دولارات، واستطاع المنظمون أن يجمعوا ٣٤ مليون دولار، ولكن ما وصل للمحتاجين كان ١٥ مليون دولار فقط.

فيما يبدو أنه علينا دائمًا أن نتحسس رءوسنا، وأن نفكر فى هويتنا الحقيقية، وفيما نقوم به من أفعال.

 

مقالات من نفس القسم