ما الفارق بين علاقتنا بالكبار، وعلاقتنا بالصغار؟
كنت أقضي على الأقل ست ساعات يوميا أمام شاشة الكمبيوتر، أبحث في صفحات “فيسبوك” أتابع كُتّابًا ومواقع مختصة بالكتابة والفنون، يزدحم جدولي بعلاقات متشعبة، وربما أكتب كل يوم “منشور، قصيدة، فضفضة، قراءة…” على صفحتي الخاصة، ورغم ذلك، يثقلني خوف من الرفض، يُغَطِّيهُ سؤال مُلِحٌّ عن الجدوى، ثم أصابني الاكتئاب.
لكي أتعافى منه، اضطررت إلى حذف كل برامج التواصل الاجتماعي، والابتعاد.
أَلِفْتُ العزلة لدرجة جعلت من العودة للتواصل والمتابعة لصفحات “فيسبوك” مجازفة مرعبة، خاصة بعد ما قاربت على عامين من العمل المتواصل مع الأطفال، وجربت قبولا ومحبة غير مشروطين.
عزيزتي الكتابة
كان يومنا يدور حول التكامل وعناصر الطبيعة الأربعة (الأرض، الماء، الهواء، والشمس)، تخيلي الصغيرتين “لانا” و”ليلى” وهما تحاوران بثبات والد ووالدة صديقتيهما “ليان”، راقبتهما بسعادة وفخر، أعتقد أن شعوري كان يشبه شعور جدتي وهي تراقب سنابل القمح تنمو في حقلها.
لم تكونا خائفتين، أو مترددتين، بعكس ما توقعت، ساعدتني كثيرًا مساهمة والدتيهما في حفظ الأسئلة والتدريب، ولهذا كانت النتيجة أكثر مما تمنيت.
القصة
جلسوا في دائرة، محورها الأب والأم، ولأنني كتبت القصة ثم طبعتها ولصقتها بصور مناسبة لها في كتاب نشاط القراءة والكتابة للعربية اليدوي -ربما سأصور صفحات من الكتاب لتتعرفي عليه- وكان الكتاب مفاجأة طيبة للوالدين، شرع الأبُ في القراءة:
“ليان” طفلةٌ جميلة وهادئة، تذهب كل يوم إلى حضانتها سعيدة، تنصت لمدرستيها “خلود ودعاء” وتلعب مع أصدقائها في الفصل. ثم تعود إلى بيتها لتحكي لأمها وأبيها عن يومها الممتع والمفيد”.
وعندما وصل في القصة إلى الجزء الخاص بدور الأرض، أدهشه صوت “ريناد” الواثق وهي تقول بدلا منه:
“أنا الأرض صلبة وقوية، مني (التراب، والصخور، والجبال) ومن غيري لن تنمو الزهور والأشجار …”.
صفقنا جميعًا، وتوالت الأدوار، “أدم” مثّل الماء، و”إيفن” الهواء، و”يونس” شعاع الشمس”، و”وعد” الزهرة التي كانت في غاية الخجل لهذا لم يُسمع صوتها فقامت “فريدة” ومثلت بدلا منها دور الزهرة.
مفاجأة
عادة ما يكون برنامج يوم “اقرأ لطفلك” مفاجأة لولي الأمر، إلا أنه هو أيضا فاجأنا بصديقه القرد “ميمون” –عروسة يد- تعرف بها على الأطفال وما يحبون من الفواكه والخضروات والهوايات بطريقة ذكية أحبها الأطفال.
الزراعة
هل يدرك الصغار تكامل عناصر الطبيعة، من دون تجريب زراعة بعض البذور؟
جلس الوالدان في حديقة الحضانة ومن حولهما الأطفال، يبادلون البذور والماء. نضع البذرة في باطن الأرض، كجنين ننتظر كل يوم بصبر نموه، فنتعلم قيمة الوقت والجهد والاهتمام، الذي يكبر بمرور الأيام.
البركان
انتهينا من الزراعة لنخلط “كربونات الصوديوم” بلون طعام أحمر، وخل ليفور البركان ويسيل على جوانب المجسم الذي صنعناه من “برطمان” فوق صينية مغطاة بورق “الفويل”. فالحرارة الشديدة والأرض القاحلة لا ينبتان زهورا وأشجارا، مثل علاقات إنسانية موجعة لا تثمر غير الدمار.
طائرات ورقية
هل سألت نفسك متى أحضرت ورقًا ومقصًا وخيطًا وعصا، لتصنع طائرة ورقية؟
انقسم الأطفال إلى ثلاث مجموعات، حول زميلتي “خلود” و”الأب” و”الأم”، وكل فريق قام بعمل طائرتين ورقيتين، ثم أخذها الأطفال وداروا مع الهواء…
وفي خلفية المشهد صوت “عفاف راضي” يشدو:
“وندور سوا ع الأرض الخضرا
والأرض تدور بينا
يا سمانا يا بنور
العصفور بيدور
وأحنا كمان بندور ونغني يا لمونا دواخينا”.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من “يوميات مُدرِّسة حضانة”