نورهان أبو عوف
الإسكندرية
تعلمك الإسكندرية أن تصمت لتسمع،
أن تتأمل صمت البحر،
وأن تقرأ ما بين خطوط الريح،
حكايات لم تُروَ،
وأحلاماً تتلألأ في عيون السائرين.
**
التباس
كان إذا مرّ بي،
انكمش الظلّ على نفسه،
كأن الضوء لم يكن لي وحدي.
كنتُ أعرفه من طريقة ارتباكه،
حين تتزاحم الخطى في قلبه،
ويبحث عن عطرٍ لا يُفصح لمن.
يترك أثره على المقاعد،
لكنّه لا يجلس تمامًا،
كأن الوقت بيننا مؤقت
حتى في أكثر اللحظات اتساعًا.
كنتُ أراه يميل جهة الريح،
كلما ظنّ أنني الشجرة الوحيدة.
لكنه لم يكن يومًا جذرًا،
ولا خفيفًا بما يكفي ليُحلق.
فهمتُ متأخرة،
أن بعض القلوب
تُقسم نفسها كما يُقسم الخبز،
ولا تُشبع أحدًا.
**
وصايا الأشياء الهشة
لا تتركني في مهبّ الريح،
فالريح لا تحفظ أسماء العابرين،
ولا تعيد الأوراق التي سقطتْ من دفاترها.
إن مررتَ بجانبي…
امشِ ببطء،
فالقلبُ أرض طينيّة،
تتذكر كل أثر،
حتى الخطوات الخفيفة.
لا تضحك بصوتٍ عالٍ،
قد يسكن في أذني
ويظلّ يطرقها حين لا تكون.
حين تهمّ بالرحيل،
لا تُغلق الباب بإحكام،
اترك للحنين منفذًا صغيرًا
يتسلل منه،
خفيفًا… كأنه لم يأتِ.
إن كتبتَ،
فلا تكتب آخر السطر،
دع جملةً مبتورة
تتدلّى من الورق،
كأنك ستكملها غدًا.
وإن صمتَّ،
فليكن صمتك دافئًا،
كأنك تختبئ… لا تختفي.
كل ما أرجوه منك
أن تمرَّ بي كما يمرّ النسيم،
بلا وعدٍ…
لكن أيضًا، بلا نهاية.
**
هروب
من كأس الليل أغترف هروبي،
من صخب الأيام وثقل الضجيج،
رشفاتٌ تذيب ثلج الغربة،
وتُضيء في عيوني وهجًا خافتًا.
أغسل وجهي بماء سراب،
أغفو على حافة حلمٍ مجهول،
أهرب من صدى كلمة جارحة،
وأتنفس نسمة من وهمٍ جميل.
الكأس صديق يبوح بلا كلام،
يروي لي قصة الفرار الصامت،
يقصُّ لي عالمًا بلا جراح،
حيث لا أثر للهمّ، ولا صوت.
لكن حين ينقضي الليل الرهيف،
تعود الحقيقة كسيفٍ قاطع،
لكن في لحظة الضياع تلك،
كنت طائرًا يحلق بلا قيود، بلا انتظار.
**
أشتاقك
بطريقةٍ لا تُكتب،
بطريقةٍ تُشبه رعشةَ اليد،
بعدَ عمرٍ من الشوك.
**
قبول
في نهاية كل يوم،
أجد في قلبي عزفًا هادئًا،
يناديني أن أقبل ما لا يُقال،
وأن أحب بدون قيود،
حتى آخر أنفاسي.