مختارات من “قبل أن يرتد إليك طرفك”

قبل أن يرتد
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 

كذبة إبريل

 كنت أرتب المكتبة جالسةً على الأرض مختفيةً وراء كومة من الكتب، حين جاء أخي ليخبرني بأن هناك ورقة من فئة المائة دولار خبأها يومًا في أحد الكتب ولكنه نسي اسم الكتاب جعلني ذلك أتصفح كل كتاب لأبحث عنها علَّني أسبب له فرحة إيجادها.

‫ كان يمر كل فترة مبتسمًا في البداية، ثم مشفقًا بعد ذلك وقد بدأت ملامح الإرهاق تظهر على وجهي فأخبرني بأنه آسف، إنها مجرد كذبة أبريل ‫

 قال إنه لم يملك أبدًا ورقة من فئة المائة دولار.غضبت في البداية من ضحكاته المنتصرة، ثم تساءلت لماذا لم يولد غيري بهذا العيب الخلقي المُسمى التصديق.

 ‫ نِمتُ بعدها كأية طفلة تصدق تمامًا أنها بلهاء.

 ‫ كل حياتي بعد ذلك كانت مجرد مائة دولار وهمية خبأها أحدهم في قلبي وأنا لا أتوقف عن البحث، البحث عن أشياء مفقودة. أشياء لم توجد أبدًا ولكنها تضحك فقط في عقل الكاذب وتتشفى في ملامحي المرهقة

 ‫ كذبات أبريل ملأت العام، كذبات أفسدت عليَّ الحياة مثل قطرات الحبر على رداء جديد ‫

يأتون غالبًا بمزيد من الكذبات المتوالية وكأنها كنزهم الثمين، وأنا التي أتناولها كقطع “البيتي فور” الصغيرة حتى أمتلئ وأطلب منهم التوقف، والكَفّ عن مناولتي كذباتهم البيضاء والرمادية والمغطاة بالشيكولاتة السوداء. ‫

حتى صديقتي فاطمة التي وُلدت في الأول من أبريل، أتخيلها أحيانًا غير موجودة وأنها لم تُولد أبدًا وأنني سألتفت يومًا فلا أجد حنانها
حلمت اليوم أن قلبي يمتلئ بأوراق نقدية كثيرة، وأنا أقلب فيها ولا أتوقف عن البحث..
‫ كل ما أتمناه أن أستيقظ يومًا مثل أي شخص بالغ، أن أقضي اليوم كله دون أن أصدق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التحديق في القلب

‫ يا من تحدق في قلبي هكذا، لا تقترب أكثر. حليتك الماسية بين الحاجبين في مركز البصيرة، ستخبرك عن خطورة التحديق بعيونك الخضراء في قلبي.

 ‫ فعلها بعضهم قبلك ولم يَنجُ أحد من الحريق الذي اشتعل دعني أعترف لك بأنني من صففت خصلات شعرك اللامعة، صففتها من دون أن أستخدم أصابعي.

 ‫ لا تَخفْ لست ساحرة، لكن العقود حول رقبتك ذكَّرتني بالسلاسل التي تكبِّل أقدامي الصغيرة ‫لا تحدق في قلبي هكذا، ستكون النجاة أقرب لو فتحت الباب العتيق الكائن من خلفك ‫

 دَعْ حزنك هنا، وسأخبر الشمس أن تقبل عينيك وتذيب الشجن الملتف حول ملامحك كشجرة لبلاب غير مرئية أعدك في المرة القادمة ستأتي مبتسمًا من دون العقود النائمة على صدرك، ستأتي فقط لتجمع الخرزات التي بعثرتُها من حولي لتفادي السأم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمامة قررت أن تبيت

سمعتُ خربشاتها على النافذة المغلقة بحصيرة معلقة، الحمامة البيضاء التي أطعمها صباحًا، جاءت لتنام على نافذتي ليلًا، تحميني من كائنات ليلية أو ربما أرادت العبور إلى البيت هل فكرتْ في حمايتي أم تحاول أن تقدم دليلًا على امتنانها مثلما أهتم بها صباحًا.

 ‫ وقفتُ ساهمةً أراقب تململها من البرد رغم التصاقها بركن النافذة أين ذهب حبيبها الذي يلازمها ولا تأكل إلا معه. ‫ميَّزتُ أنوثتها من حجمها الضخم ولونها شاهق البياض أما هو فأنحف قليلًا وريشة سوداء على جناحه الأيسر ‫

كلما ذهبت إلى المطبخ، أجدهما وقد انهمكا في وصلة حارة من القبلات..

 لا يشعران بمروري بجوارهما أصبح بيتي كهفًا آمنًا ومأوًى للعاشقين، يبقيان على الشرفة إلى ما قبل الغروب ثم يسارعان إلى نافذة غرفة المعيشة الأمامية يحدقان بالداخل، يتساءلان عما يشغلني عنهما، ولماذا نسيت أن أضع لهما الوجبة الأخيرة.

‫ أحضر الحبوب وألقيها على إفريز النافذة العريض فينقرون الحبوب بشهية..

 ‫ لا أدري لماذا اختاراني لأقوم بإطعامهما منذ سنوات حاولت جارتي التي تسكن في الشقة المقابلة اجتذابهما كثيرًا، وضعت الحبوب فتجاهلاها، غيَّرتْ أنواع الحَبّ والقمح والذرة دون أن يأتيا. يعبران بنافذتها أحيانًا حينما لا يجدان طعامًا على نافذتي، ولكنهما لا يمدان منقاريهما، يقاومان الجوع دون أن يقربا طعامها ‫ وكأنهما لا يريدان نقض عهد تم بيننا دون اتفاق ‫

 اليوم قابلت جارتي في مدخل البناية. لم تلقِ عليَّ تحية الصباح.

مثل نساء كثيرات يكرهنني لأسباب خارج إرادتي، لأمور كونية، يغضبن دائمًا حين يتعلق الأمر بالحب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صدر مؤخرًا عن دار العين ــ معرض القاهرة الدولي للكتاب 2024 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون