ندى رحيقي
كانا جالسين، متباعدين، كل منهما في زاوية.
كانت [هي] تجلس دون حراك مستغرقة في صمتها. وكان [هو] مبتسما يتأرجح بالكرسي ويسترق النظر إليها من وقت لآخر، ويتلمظ شفتيه ثم يفرك يديه.
(البداية)
ثلاثة .. اثنان .. واحد .. أكسيون
– نفتتح لقاءنا بسؤال مهم جدا وهو: ما الحب؟
[هو] تنهد طويلا ثم قال: هو الرحلة التي أخوضها الآن تحديدا، بدأتها وحيدا بمحرك قديم يتنبأ له الجميع بالتوقف والتعثر…
– وهل توقف؟
[هو] مبتسما: أبدا ولن… (بعد ثوان من الصمت) أقصد أني أتمنى ألا يحدث ذلك … أنا رجل صبور. وعودة إلى سؤالك فالحب سفر لا مرئي بين الأجساد والوجوه، نحو وجهة لا يعلمها سواك أنت وقلبك. أسررتها في نفسك بعد أن وسوست لك بالعقبات وبالحواجز.
(فاصل)
الأمل قناعنا الساذج الذي نواري به قبح التعاسة.
[هي]: البوابة السرية للمعرفة الحقيقية، من يعرف الحب لا يرضى بغيره صاحبا ودليلا.
– كيف نعرف أننا عشاق؟
[هي]: عندما ندخل في صراع مع كل شيء؛ خارجنا نحن معا: الناس، الشارع، البيت، المقاهي، العائلة، الحدائق، العمل، النظام، الفوضى، الوقت، الطفولة، الماضي، الحاضر، المستقبل… عندما يصبح كل شيء خارجنا مصدرا للقلق، عندما تنقلب الحياة فجأة وتتحول من طريق معبدة إلى طريق مليئة بالحفر.
[هو]: بالنسبة إلي، نصل إلى ذروة عشقنا؛ عندما نستطيع إدراك شاعرية الغياب بقدر ما ندرك شاعرية الحضور، ونزنهما معا فترجح كفة شاعرية الغياب أو يتساويان معا.
– ماذا يحدث بعد النظرة الأولى؟
[هو]: أعتدل في جلستي مبتسما، وأستعد للضياع بكل جدية.
[هي]: أسأل نفسي: هل كان ينظر إلي أم إلى فتحة صدري؟
– ما القبلة؟
[هو]: عند رؤية وجه من تحب يقفز قلبك فرحا من بين ضلوعك إلى فمك، فترغب بشدة في أن تلقي به في جوف من تحب. الحب هكذا أن تلتهمني، تبتلعني و …
– عفوا؟! آسف على المقاطعة لكنك تجاوزت الوقت المحدّد … ماذا عنك يا آنسة؟
[هي] بتردّد: التحليق؟!
– ما العناق؟
[هو]: حوار خاص، نفكّ به شيفرات الكلمات التي لا نستطيع نطقها.
[هي]: المزيد من التورّط في المزيد من الهاوية.
– ما الشوق؟
[هو]: ميزان الحب.
[هي]: سيد الهزائم.
– ما الوصال؟
[هي] بابتسامة خفيفة: العناد الجميل.
[هو]: الوصال هو مواصلة الرحلة رغم كل شيء، أن تصلني كل الوجوه بوجهها مهما كانت بعيدة. أواصل رحلتي سواء لقيت وجهها أم لم ألقه. ألمحه أخيرا فأتردى فيه فيصدني أو يقبلني ثم يلفظني، وفي الحالتين أرضى بالهزيمة وأعيد الكرة وأواصل السفر.
(فاصل)
العشق: الفسحة الضيقة الوحيدة في هذا الزمان.
– هل رفضكِ أحدهم من قبل؟
[هي]: لن أقول رفض وإنما أعرض.
– لم؟
[هي]: لا أعرف، ذاك اختياره.
(فاصل)
من يبرق قلبه يتحاشاه الظلام ليلتبس بباقي الأضواء المزيفة فلا يكاد يُرى.
– ماذا عنكَ؟
[هو]: لا لم يحدث ذلك بعد؟
– هل يعني جوابك أنك تتوقع ذلك؟
[هو]: نعم أخشاه.
– ما السبب؟
[هو]: تبدو جدّية جدا، أو ربما حكيمة… هي أشد حكمة مني وهذا مخجل قليلا.
(فاصل)
اليأس الذي لا يوصلك إلى طريق الحكمة ليس يأسا.
– حسنا، كيف تكون امرأتك السرية؟
[هو]: إنها الحلم! واقعي غرقٌ يجرّني نحو آلام اليقظة الإجبارية، ووجهها الجميل الذي يباغتني في كل مرة وسط الزحام كالحلم، هو شهقتي التي تردّ لي أنفاسي حال الغرق.
– وكيف هو رجلك السري؟
[هي]: قلم جفّ رأسه بعد أن استنزف حبره دلال النساء قبلي، ولمّا همّ بوشم اسمه على قلبي أسال دمي.
– متى تحدث نهاية العشق؟
[هو]: لا أظنه ينتهي فقط يُمسخ شكله واسمه…
[هي]: عندما تشعر بالخيبة، فترتخي يدك وتسمح لحبات العقد بالانفراط واحدة تلو الأخرى، وأنت تنظر إليها ببرود وجمود كأنك جثة.
– ومتى تشعرين بها؟
[هي]: عندما أكتشف أن الثقل الذي على كتفي لم يكن حتى جسده، بل مجرد ما فَضَل من بقايا.
– كيف تكون النهاية؟
[هي]: في نهايات العشاق حميمية قلقة، مثالية مخيفة، شيء من الارتياح المريب، غزل منمّق جدا، يتلوه هدوء مفاجئ تعقبه نسمة جارحة، كافية لإراقة دمائك حتى آخر قطرة.
[هو]: سؤالك فاجأني حقا. (بعد تفكير قليل) سيتوقف المحرك، سأحاول مواصلة المسير مشيا إلى أن يتمزق حذائي، فأواصل سيري حافيا إلى أن تغيب عن ناظري تماما. لكنني لن أعود أدراجي، سأظل في الانتظار بقلب معصور متأهب للبكاء. ولأن الرجال لا يسمح لهم بالبكاء سأبكي بكاء بدائيا لا يسمعه سوى الصغار.
– أنت تتخيل نهاية قصتك إذن.
[هو]: لا أحب قول ذلك.
-حسنا، وماذا يحدث بعد الفراق؟
[هو]: يشق عليّ الجواب وأنا متفائل حاليا.
[هي] تضحك بسخرية: وماذا سيحدث في رأيك؟ لا شيء، هزيمة جديدة تضيفها إلى هزائمك القديمة التي حصدتها بيديك وعن استحقاق. الحب ليس سوى هزيمة يا صديقي، إنه هو الهزيمة الحقة. فحتى لو نلت قلب من تحب فلن تناله إلا بعد سلسلة من الهزائم، وتحتاج إلى سلسلة أخرى من الهزائم لتحافظ عليه. لا يتكلم عن الانتصار في الحب إلا الواهمون، وإلا فأي انتصار هذا الذي يأتي بعد هزائم متتالية؟!
– لكنكِ في بداية الأنترفيو قلت إن الحب هو بوابتك إلى المعرفة، والآن تقولين إنه هزيمة…
قاطعته: وهل بوسعك نيل المعرفة دون هزيمة؟!
(النهاية)
أيها الحب إن هي إلا فتنتك …!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتبة مغربية





