شيماء بدير
ما الثمن الذي ندفعه من أجل أن ننال ما نريده حقاً؟
عندما صدرت رواية – “بورصة الحب ‘عادات نيويورك’ “The Custom of the country”عام 1913،أضافت “ايديث وارتون” تحفة جديدة إلى أدبها الذي طالما كشف عن تناقضات المجتمع الأمريكي الأرستقراطي.
هذه الرواية هي واحدة من أعمق وأجرأ الروايات التي قرأتها للمجتمع الأمريكي في مطلع القرن العشرين، تقودنا إلى قلب مدينة نيويورك، حيث تتقاطع الطموحات الفردية مع القيود الطبقية، وحيث يصبح الزواج أداة صعود اجتماعي لا يقل أهمية عن الثروة ذاتها.
تدور الأحداث حول “أوندين سبراغ” الفتاة الطموحة القادمة من الغرب الأوسط، محملة برغبة شديدة في اقتحام دوائر النخبة في نيويورك مهما كلفها ذلك من ثمن. جعل تعطش “أوندين” للترف والمكانة ملامح شخصيتها مرآة عاكسة لعالم كامل من القيم الاجتماعية، والقيود الطبقية، وصراع الرغبات الفردية مع تقاليد المجتمع.
تغوص الرواية في رحلة “أوندين” المتقلبة، فتاة آتية من هامش المجتمع تسعى بعناد إلى أن تجعل لنفسها مقعداً في قمّة طبقته المخملية، حتى وإن تطلّب الأمر التضحية بالحب، بالوفاء، وبروابط الأسرة. وضعتنا “وارتون” بأسلوبها الحاد المليء بالمفارقات أمام بطلة ليست تقليدية، بل امرأة ترى العالم كساحة معركة يجب أن تنتصر فيها، مهما كانت الخسائر، من زيجات وانكسارات، ومن أحلام بالثروة والترف إلى سعي دائم نحو مكانة اجتماعية أرقى، كاشفةً عن قسوة الطموح حين يصبح غاية في ذاته.
نكتشف مع “أوندين” على مدار فصول الرواية، ومن زواج إلى آخر، ومن مدينة نيويورك إلى قصور باريس العريق، أن الطموح وحده لا يكفي وأن الثمن الذي ستدفعه- ومن حولها- لا يقتصر على المال وحسب، بل يمتد إلى طريق طويل تخسر فيه أرواح وقلوب وعلاقات. وهنا نكتشف هشاشة القيم الاجتماعية حين تُختبر أمام اغراءات السلطة والثروة.
ما يميز هذه الرواية عن غيرها في أدب “وارتون”، ليس فقط حبكتها ودقة تماهي الخطوط مع الشخصيات،ولكن أيضا قدرتها على جعل القاريء يتأمل في أسئلة تتجاوز الزمن-أسئلة شغلت وارتون على الصعيد الشخصي أيضا:
هل الطموح المادي المحقق بالزواج يقودنا حتما إلى السعادة؟
هل يمكن للإنسان أن يحصل على كل ما يريد دون أن يفقد ذاته؟
أي مستقبل ينتظر مجتمعا تقوده رغبات أفراده وحدها؟
إن قراءة “بورصة الحب”، تعتبر مرآة تعكس ماهو أبعد من حياة البطلة، إذ تضع القاريء أمام القيم التي تحكم مجتمعنا حتى اليوم، أو وتجعلنا نتساءل عن معنى القيم الحقيقي، ومعنى الطموح الحقيقي وما إذا كان السعي وراءه يستحق ما نخسره في الطريق؟
عن الكاتبة
إديث وارتون (1862–1937) واحدة من أعظم روائيات الأدب الأمريكي، عُرفت بأسلوبها اللاذع وتحليلها النفسي العميق لشخصياتها، كما برعت في كشف التناقضات بين القيم الاجتماعية والطموحات الفردية في مجتمع نيويورك المخملي خلال ما يُعرف بـ”العصر المُذهّب”. تمتاز أعمالها بقدرتها على الجمع بين الدقة التاريخية والنقد الاجتماعي الحاد، مما يجعلها من أبرز الأصوات الأدبية التي أرّخت لمرحلة التحولات الاجتماعية في مطلع القرن العشرين.
في عام 1921، أصبحت أول امرأة تفوز بجائزة بوليتزر للرواية عن روايتها الشهيرة “عصر البراءة” (The Age of Innocence). كما رُشّحت لجائزة نوبل في الأدب ثلاث مرات (في أعوام 1927، 1928، و1930).
من أبرز أعمالها:
بيت المرح المفقود (The House of Mirth) – 1905
إيثان فروم (Ethan Frome) – 1911
صيف (Summer) – 1917
العائق (The Reef) – 1912
لا تزال إيديث وارتون حاضرة في المشهد الأدبي العالمي، وتُقرأ أعمالها اليوم بوصفها شهادة دقيقة ومؤثرة على أحوال مجتمعٍ عاش في مظهره أزهى العصور، لكنه أخفى في جوفه صراعات حادّة بين الواجب والرغبة، وبين الحرية الفردية والتقاليد الموروثة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مترجمة مصرية، تصدر الرواية عن دار طِرس 2025