محمد الرفاعي
عائلة سعيدة!
أنظر لذراعي اليسرى
من النافذة
وهي تركض مسرعة
نحو البيت
بينما تمارس ذراعي اليمنى
دورها الطبيعي في تنظيف المنزل
بعد ان تحولت لمكنسة
….
أنظر لقدمي اليمنى
وهي نائمة على الأريكة
بعد يوم شاق من العمل
.
وبعدها أراقب كفيَّ
وهما تطهوان الغذاء في المطبخ وحدهما
قبل الظهيرة
ريثما تعود أصابعي العشرة من المدرسة
.
أنا أملك عشرة أصابع يا الله
تحفظ الدرس جيدًا
.
وقرب منتصف الليل
أسمع أذنيَّ
تضحكان بصوت مدبب
بينما تشاهدان فيلم رأس السنة
.
أنا اعلم
أن أنفي أيضًا يتقن لعب البيانو
منذ ان كان صغيرًا
فهو يجيد شم رائحة الموسيقى
وأن شفتيَّ تجيدان
صفع القبل
مثل ما يصفع المضرب كرة التنس
.
وأن دموعي ..
دموعي وحدها يا الله
تجيد رقص الباليه
.
وأن رأسي المثقوب هذا
يأخذ شكل إبريق نحاسي
كلما نزف ذكريات ساخنة
في قلبي
.
قلبي الذي أصبحت من نافذته
أنظر لذراعي اليسرى
وهي تركض مسرعة
نحو البيت
وأشاهد بعين ممتلئة
تلك الجثه التي يسمونها: (حياة)
بينما أنا جالسٌ هنا
أرتق الحزن لأنسج منه حكايه سمراء
وأقول للوحدة:
“يوما ما.. سنصبح يا حبيبتي .. يومًا ما
عائله سعيدة”!!
. . .
ظلي!
أمسِكُ
يدَ أغنيةٍ شاردةٍ من الذكريات
لمجردِ أن أجعلها
تأكلُ معي
.
بينَما
أنظر للطاولةِ الفارغة
مِن حولِنا ..
وهي ممتلئةٌ عن أخرها
بالسُكوت
.
ومن ثم
الصِق للكرسيِ
الحزِين اذنيْن ليسمَعنِي ..
وأنَا أقولُ لَه؛ ” مرَّ يومِي بشكلٍ سيء ” ..
ثُم أبدِّل أذنيهِ بفمٍ
ليرُدَّ؛ ” لا عليك ..
ما دمنا معاً “
.
وحينَما
أهرعُ للنَّومِ ..
وحينَ يفرِدُ السَرير
ذراعيْه الناعمتيْن ويبتَسِم
أشعرُ أنَّهُ يتحَول
لحضنِ أمٍ حنون
.
حتى إذا
ما رأي صوت ..
بكائِي يسيلُ علي الحائط ..
تحسستُ مقبضَ البابِ يمدُّ يدهُ
ليضعَها على ظهري
كي يُواسِيني
.
..
بينَمَا
تتشكلُ المرآةُ الذابلةُ
كل صباحٍ
لفتاةٍ جميلة ..
ترتدي فستاناً شفافاً من الدانتِيل
لتهمسَ في أذني؛
” أحبك “
.
..
…
” أحبك “
تلك الكلمة المكسورة التي
تجرحُ قلبي بحوافِهَا
.
قلبي ..
ذلكَ الرَحِمُ الواسعُ
يا الله
.
حيثُ
يتكور أيتامٌ كُثر ..
مثلمَا تتكورُ الدمعةُ فِي عيْن المنَاديل
.
أو مثلمَا
تنكمِشُ المنادِيلُ ..
مِن البردِ فِي يدِ عجوزٍ
ضَرير
.
فنَحنُ،
مَن نظلِمُ الدُموع حينَ نبِكي
.
ونَحنُ،
من نَظلِمُ الحياةَ ..
حينَ نجِيء
.
وبينَما يُمَارِسُ
موسَ الحلاقةِ دورهُ بشكلٍ حسنٍ
وهو يتحَولُ أمامَ المرآةِ
لباليرِينةٍ
.
وبينَما يتحول وجهِي
لمسرحٍ كبِير
.
لم
أستَطع أنْ
أفعل شيئاً سِوى ..
أن احصي ما تبقى من أحلامِي
الطفوليةِ وهِي تتساقَطُ
كجثثِ حَرب
.
لَم أعُد
أفعلُ شيئاً ..
سِوى أنْ أنظُر للعَالمِ
بحزنٍ أصَم
.
فها أنَا ذا؛
إسمِي ” محمد “،
عمرِي ثمان وعِشرون
قصيدةً عجزتُ عَن كتَابَتِها
.
أمسِكُ
يدَ أغنيةٍ شَاردةٍ ..
لتأكُلَ مَعِي، وأتحدَّثُ للكرسيِّ
على العشَاء
بيْنَما تقَولُ
لي المرآةُ الذابِلةُ وأنَا
ذاهِبٌ إلى العملِ
” أحِبُك “
.
ليردَّ ببساطةٍ
كلُ اليتامىَ فِي قلبِي؛
” وهو لا يُحِب،
إلا أنْ يَكُونَ
و
.. ح
….. ي
………د
………..ا ” !.
………………….
*الديوان صادر عن الهية العامة للكتاب 2022، وحاصل على جائزة الدولة التشجيعية – شعر الفصحى 2025