ياسمين صلاح
سبعة أقوال لحقٍّ واحد
يقول الأزرق:
بينما يد البحر تسرق السماء
حوت يترجم لحبيبته قصيدة
بأفواه نيئة تنضجها الرغبة
حتى يشتهيها البشر على الموائد
تقولُ الصلابة:
بينما الأرض تتهادى في الفضاء
بأعضاءٍ رجراجة
أرغب ألا أسكنها وأن أسكن قلبك
تفتنه شهوة السيولة..
الآن يتقلب في الجحيم على هذا الذنب
يقولُ الوضوح:
لم أستقل بذاتي حتى الآن
لا يوجد سوى وضوح غامض
أو غموض واضح
حين تستيقظ من الحلم
أأنت الذي غادر أم هم الذين غادروك؟
من الذي ينتظر الآخر حتى يعود؟
يقولُ البكاء:
بينما يراني الأحياء بلا لون ولا رائحة
يراني الأموات بوابة بنفسجية
منها فقط يستطيع الأحياء الباهتون
زراعة البساتين في تربة أحبتهم
تقولُ السلحفاة :
بينما أحمل العالم و أدور ببطء ٍحول الشمس
تحملين النار و تهرولين
عند خط النهاية لا أجدك!!
أليس الذي يأتي متأخرًا خير من الذي لا يأتي؟!
يقولُ الذباب:
أيها النحل هل تغضب لو صنعنا العسل؟
أيها البشر هل تحبوننا مهما كان الطنين؟
عنصرية حمقاء
لا تلومونا إذن..
حين نحب قمامتكم أكثر منكم
يقولُ الشوك:
أيتها الوردة هل تتحملين مزيدا مني؟
أصفق بحرارة وينغرس برشاقة
فقط كل ما عليكم
أن تمسحوا الدماء التي تتساقط مني
لا أريد أن أشوّه اللوحة.
…………………………………..
عزفٌ منفرد
قل لي ما صوتُ قلبك حين يتكسر
أقل لك مَن أنت.
منذ يومين سمعنا صوتَ دهس
لا سيارة، لا طريق
فقط ضوءٌ أحمر ينبض
بأسى نعوه: كان قلبا حالما!
جاري الذي يحبُّ من طرفٍ واحد
تعود أن يكوي قلبه مع قميصه
حاولت إقناعه أنها لم تخنه حين أحبت غيره
لكن صوت الشياطِ هز خلاياي
البائعُ الذي مر جانبي
قلبه الزاهد بملابس ممزقة وسيجارة في يده
ينادي على بضاعته بسعرٍ أقل..
البنتُ الهادئة
التي تركب معي الميكروباص
تؤذي أذني كل صباح
بُح صوت قلبها من الصراخ
والمريض الذي بين يدي الآن
لا أستطيع إنقاذ قلبه
صوت الوداع أبعدُ من يدي
التي تخيط الجلد
في غرفة العناية المركزة
تزعجني أصواتُ أجهزة التنفس الصناعي
فكرت مرة في فصلها خلسة
لكن استمرت الأصوات!
كانت القلوب كلها غاضبةً من الوحدة!
قلبي حين يحدق عبر النوافذ
له صوتُ الركض ف الريح
حين يغادر سريره
أسمع طقطقةَ مفاصله
حين تعصره الشفقة
يعوي بلا انقطاع
حين يصلحه الفرح
يرفع يديه الصغيرتين ويهلل
حين يقضمه الحزن
لا تسمع غير السعال الجاف
حين يثقله الحب
ترفعه قبلات الماء وهو يغرق
عضلاتُ صدري ممزقة الأوتار من فرط العزف
أصواته المتفاوتة الحرارة تخبز عجيني
لا وقت للاختمار
ولا الشمس تحرق وجهي
أطليه بالأنين
وأطوي اللون فوق اللون
ثم أغمض عيني
وأتحسس طريقي إلى الأبيضِ البدائي
وصوتٍ وحيد
لطفل يناغي
………………………….
ما قبل الطوفان
مع أول الحبو
ركبت قطارًا مزدحما
أبوابه لا تصلح للخروج
كلما غطيت وجهي بذراعي
أزاحها الزمان
لأرى جسدي يتفتق خارج حدودي
ولا أعرفني
لكنني عرفت..
أن الليل عارٍ لأنه يشعر بالبرد مثلي
والقمر أخرس لأنه يبعث لي رسائل مكتوبةً فقط
والسماء طيبة لأنها تفرد صفحاتها لأجلي
والكلب الذي ينام خارج القضبان يعرف أكثر مني
والإنسان الذي لا أعرف وجهته
طوال الوقت باهت مهما سكب على نفسه الألوان
يملؤني الصراخ
لأن القطار يجرجر أثداءه على الطريق
والطريق منهكة من السفر على العجلات
والعجلات تمتهن اللهاث والرحيل المفاجئ
والرحيل المفاجئ يسكن ذاكرتي..
أشعث أغبر بحقيبة خرقاء
تسقط منها الأسماء المنسية
شاهدت اسمي يسقط ببطء في رحلة طويلة
حتى أشفقت عليه
أتعجب من قلبي
كيف يتحمل كل هذا الكم من البؤس في المسافرين
أعدّه من الأحذية
مرورا بالحقائب
صعودا إلى العينين
ثم..
أعده من الشباك
في البلدان، الماشين، الأشجار، والدواب
وأرى في الأفق
فلك نوح ما زال يُبنى على مهلٍ
وكلنا كلنا لن نلحق به.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شاعرة مصرية،
الديوان صادر عن دار زمكان ببيروت 2025.. في سلسلة إشراقات التي يشرف عليها الشاعر الكبير أدونيس