أحب أن أقول أن الملاحظة الغالبة علي ديوان “نسيج يستيقظ” هي المفارقات المتقابلة وجماليا ومنطقيا فإن هذا يعكس الاحتكاك والتناقض في علاقة الذات الشاعرة مع العالم، تقول لنا بطرق مختلفة كيف لا تجد الفهم والحنان أو حتي مجرد فضيلة الاستماع إليها. هذا التشخيص للقسوة لا بد وأن يحرك نسيجها المتقد غضبا وثورة . أمثلة ما أقول وافرة . في ” كسمكة نائمة” : “كل هؤلاء العجائز بيتهجون بي/ وأنا أنخرط في السأم / كل هؤلاء الصغار يعجبونني وأنا / أستعد للمغادرة” . كذلك نجد: “ليس بإمكاني مساعدة نفسي لكنني أحاول إنقاذ الغرقي”، وقول الذات الشاعرة “ليس مسموحا لي أن أريد في هذا العالم / مع ذلك أريد ، أريد ، / أريد”. وفي قصيدة “داخل خيوط البيت” الاعتراف واضح بهيمنة الأشباح ذ أشباح الإناث كالجدة والخالة مع شبح الأب علي الوجود الفيزيقي لصوت الشاعرة ، الأمر يرتبط بعلائق تعكس توجيهات أنثوية أو رموز سلطوية لكن المفارقة تأتي في نهاية ذلك النص ” هناك واحدة لا تراني / تقودني في الطريق”. هناك مستوي أعمق تكشف فيه الذات الشاعرة عن الصدام بينها وبين العالم، مزيلة أوهام شتي عن تعريفات وصور تصدرها للآخرين فهي أقرب لسيلفيا بلاث الشاعرة المنتحرة مما نظن في قصيدة كاشفة ” تقاطع مع سيلفيا ” تضع يدها علي حدة الوجع ومشخصة داء من صنع المجتمع لكنه يعذب الروح ” لم أتزوج الشاعر العظيم / ولا أي شاعر آخر / لم أتزوج يا سيلفيا “. تساؤلها ” ماذا تعرفون عن الإشاعات التي يطلقها المرء عن نفسه ” محمل بالإدانة لغباء وغلظة مشاعر الآخرين حتي تعلنها الذات الشاعرة نهائية دون نبرة اعتذار:” لا توجد أي بهجة في كل الاحتمالاات التي تنتحر في منتصف الطريق/أنا هذه المرأة التي أحاربها علي الدوام “. المقابلات الشرسة تعتق الرغبات المدفونة حيث ” سيدة التفاصيل الناقصة ” تتأسي لكونها لا تملك مسدسا محشوا لتفرغه عن آخره في رءوس “الجمهور السعيد الذي لا يكتفي بمشاهدة كل هذا العبث ” وحيث عناق الصديقات اللاتي يتصورن أنهن محبوبات دافعه الرغبة في معرفتهن فقط طالما تتم الإشارة لبقايا الأحلام كوسخ والخيال بوصفه كناسة، مما يشي بكون حنق الذات الشاعرة علي الآخر والأخري ربما منبعه التحولات التي يفرضها هؤلاء علي وجدانها ” أتعلم أن أضع الناس داخل بالونات : كي أشاهد كل شيء دون أن أتورط معه ” وهو ذلك الوجدان الذي لا يركل الغنائية بعيدا تماما ” لا أجد صنبورا واحدا يقبل أن يخلصني من الخيال ” لكن وضعية التمثال الموصوفة بتشققها وانهيارها المستسلم في ” ثقب صغير في الذاكرة ” مشكوك فيها طالما النسيج يستيقظ . وشخصيا وجدت قصيدتيّ ” تصادم ” و” قبل أن يمر من هنا ” من أجمل قصائد ذلك النسيج .
تتحكم خليفة في ما تسربه من سخرية وعنف بليغ ، يهتدي برغبة لا تخجل في تفجير البيت والعائلة والعالم طالما كل هذه الرموز/الحقائق مصابة بيقين تكرار الحرمان، بالقسوة و بعدم مكافأة الشغف والجمال. في نشيد حسرتها توالي الذات سكب صوفية خفيفة وتلوذ قصائد مثل “سماء مخفوقة” و “قلب سليم” بحالات ممازجة بين المنام / الكابوس والسريالية التي يشوبها الواقع قليلا
لا تقيم الشاعرة سدودا بين شِعرها وتشكيلها والقارئ بدوره لا يملك تجاهل بورتريهات مستمرة بامتداد الديوان في ثنائية تعبيرية متدفقة كأن نري وجوها تغيب عيونها فتطرح مفهوما مختلفا عن العيون (الرؤية) أو بملامح متضخمة و خطوط منحلة كريشة ، ومع هذا فالبورتريهات لم تبدُ لي أبدا كترجمة فورية لحالات القصائد . لفت نظري الترقيم لما يبدو بنظرة سريعة أنه تقسيمات من نصوص أو مقاطع شعرية كأن ترقم 6 كجزء داخل قصيدة ثم نكتشف أن 7 تأتي في القصيدة التالية وبينهما قصيدة بعنوان . ما عزز إحساسي أن النصوص المرقمة هي قصائد مستقلة وبذات الوقت هي مقاطع أو متواليات شعرية منفصلة ذ متصلة هو لجوء الشاعرة إلي وضع تاريخ سنوات كتابة كل مقطع وهذا يدشنه بوصفه قصيدة مستقلة لا شك. وطبعا هناك المعني المنساب والمتقطع أو الجديد. إن عدم رغبة الشاعرة في تسمية ما تعانيه، أكبر من الذعر والوحشة والألم علي الهدر العظيم غير قابل للتصديق ، توكيداتها ” نوبات الذعر المكتومة تتسلي بي / تملك مفاتيحي وتسرق خبز قلبي / لكنني لن أخبر أحدًا / لن أسميكِ باسمكِ أبدًا ” نعرف أننا سنلتفت عنها . لماذا ؟ .. لأنها تسمي نفسها ( إحالات عديدة إلي اسمها داخل المتن ) ولأنها اختارت أن تكتب الديوان!