نبراس الحديدي
للوهلة الأولى تراءى لي رجلٌ يفترشُ الطريقَ بخطى مضطربة، وعيناهُ تُحملقانِ في الفراغ، لمَّا دنوتُ لأمعنَ النظر، رأيتُ جسداً هائماً على أديم الأرض، تجرُّهُ قدمان اجتاحهما الوهن.
استوقفتهُ بعد أن تملَّكني الفضول وسألته: ما أنت؟
انطلق صوت ساخر عبر شفتيه اليابستين مُجيباً: إنسانٌ مثلك!
أصابت وجهي قشعريرة امتدت حتى أخمصِ قدمي، وكأنَّ صقيعاً قادماً من القطب الجنوبيِّ باغتَ أوردتي واكتسحَ أوصالي، كشمسٍ ذوى لهيبها في حضرة نبتون الجليدي. تسمَّرْتُ محدِّقاً في ذاك الكيان المتخشِّب قُبالتي بدهشة، تتقاذفني عشراتُ الأسئلة وألفُ إشارة تعجُّب واستنكار، بينما عاودت قدماهُ المُتثاقلتان السيرَ ببطءٍ دون أن يعيرني أدنى اهتمام، كما لو أنني مجرَّدُ حجر عَثْرة سَدَّ عليه الطريق بضعَ لحظات.
التفتُّ أرنو إلى حيث يمضي، علَّني أدركُ غايته أو أتلمَّسُ وجهته، لكنَّني لم أُبصر شيئاً سوى ظلمة خيَّمَتْ على الأرجاء!