إزاي يموت وأنا بحكي الحكاية؟؟ قراءة في سينما مصطفى ذكري

إزاي يموت وأنا بحكي الحكاية؟؟ قراءة في سينما مصطفى ذكري
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام
( حقولك على حاجة بس ما تقوليش عليا قليل الأصل  انا مش زعلان على موت عم علي قد ما أنا زعلان على نفسي  ازاي يموت وانا بحكي الحكاية!! ) هكذا يبوح الأسطى محمد الحلاق لتفيدة عشيقته وزوجة صديقه عن الأسى الخارق الذي انتابه بعدما تحققت انكد هواجسه الحياتية والمهنية على الأطلاق، أن يموت احد الزبائن ورأسه تحت المقص بينما الأسطى محمد يحكي واحدة من حكاياته التي لا تنتهي. قبل هذا العام(1996)كان المخرج اسامة فوزي قد انتزع سيناريو"عفاريت الأسفلت"من السيناريست الشاب مصطفى ذكري قبل أن يمزقه.  

هكذا كان يفعل الكاتب الذي تخرج قبل سنوات قليلة من معهد السينما (1992) بالسيناريوهات التي يكتبها ثم يغضب عليها، ففي واحدة من اللقاءات التليفزيونية القليلة التي اجريت مع صناع الفيلم(الكاتب والمخرج)عقب فوزه بجائزة جوهانسبرج الشهيرة صرح اسامة فوزي أن من دله على مصطفى ذكري قال له (الكاتب ده عنده سيناريو حلو قوي بس الحقه قبل ما يقطعه).

ان الغضب صفة من صفات كل خالق، ربما بحكم السلطة المطلقة له على مخلوقه، وربما بحكم الشعور بأن المخلوق منه ليس هو، ولكنه يشبه المخلوق الذي اراده وظل دوما يحلم به ولا يحققه رغم كل ما خلق.

كان ثمة شائعة تتردد في ذلك الوقت ان ذكري بعد ان اصدر مجموعته القصصية الأولى “تدريبات على الجمل الأعتراضية”قام بجمع كل النسخ التي طبعت منها لأنه اكتشف انه لم يعد راضيا عنها، وربما كانت تلك الشائعة هي التي دعمت ما قاله اسامة فوزي من أن سيناريو عفاريت الأسفلت كان على وشك أن يمزق لولا أن (لحقه)هو.

ان التمعن في شخصية الأسطى محمد الحلاق الذي يعبئ رؤوس زبائنه بالحكايات بينما يزيل عنها الشعر ويهذبها او ينزع كل ما عليها من شعر تاركا فقط الحكايات تكسوها من الداخل-وربما من الخارج ايضا- هذه الشخصية تبدو في موضعها الحكائي داخل السيناريو أقرب لقناع يضعه ذكري لكي يجلس بين شخصياته داخل الفيلم محكما سيطرته الروائية عليهم ومنسقا مشاعرهم وافكارهم وتفاصيلهم عبر حكاياته التي يتردد صداها في رؤوسهم كأنه رجع صوت لا نهائي.

وهو بحكم هذه السلطة الفوقية الممنوحة لذاته بذاته لا يمكن أن يرضى بأن يترك احدهم يموت دون أن يكمل الحكايات التي يحكيها، لأن ما يهم ذكري تحديدا ليس الحكاية نفسها ولكن صدى الحكاية الذي يتجلى في وجدان المتلقي أو المستمع أو القارئ، وبدون هذا الوجدان فلا مجال لوجود الصدى الذي هو جوهر صناعة الحكي وجوهرته بالنسبة له.

يقاوم ذكري الموت في افلامه بالحكايات، الحكاية التي يحكيها الأسطى محمد في العشاء الأخير الذي جمع كل شخصيات الفيلم عقب وفاة عم علي هي التي تطرد شبح الموت من حولهم، هي التي تأخذهم إلى البيت القديم كي تخرج كل عشيقة/جارية قدمها من النافذة كي يقبلها رجلها/شاعرها ويتجنب مصير ابراهيم الموصلي المميت(كانت الحكاية عن خيانة جارية الموصلي له عندما قرر هارون الرشيد أن يشترك 80 شاعر في مسابقة للتعرف على جواريهم من ملمس اقدامهم ومن يفشل يختار مصيرين أما قطع اللسان وأما قطع الرأس وقد اختار الموصلي الموت عندما خانته جاريته ولم تضع ماء الورد على اقدامها كما اتفقت معه كي يتعرف عليها)

وفي”جنة الشياطين” الذي انجزه مع نفس المخرج اسامة فوزي في عام 1999 نجده يقاوم موت طبل(بطريرق القهاوي والشوارع والغرز) بتلك الحكايات التي تملئ افواه الكل عنه، بل أن بعض من تلك الحكايات تعاد مرة أخرى على مسرح الحياة مثل حكاية الخناقة التي فقد فيها طبل اسنانه حيث نجده في خناقة مشابهة تشتعل مع الشياطين الثلاثة(بوسي ونونه وعادل) يفقد اسنانه-التي قامت ابنته بتركيبها-من جديد لأن الحكاية حين تولد ويخرج صداها فأنه لا ينتهي طالما يصطدم الصوت بوجدانات الجميع(شخصيات ومتلقين)فلا أحد يقدر على كتم الصدى حتى الموت ذاته.

وهنا نتساءل: هل كانت مقاومة الموت هي أحدى اسباب اختيار ذكري لرواية أمادو”الرجل الذي مات مرتين”لصياغة سيناريو جنة الشياطين؟ أن امادوا لم يسمح لبطله أن يموت ولم يتقبل المحيطين به موته الفيزيقي واعتبروه مجرد حالة من حالات السكر العديدة التي كانت لا تفارقه وبالتالي بدا وكأن امادو وذكري التقيا على نفس الأستنكار الذي سبق واعلنه ذكري على لسان الأسطى محمد في عفاريت الأسفلت(اذاي يموت وأنا بحكي الحكاية؟)

الأجابة على هذا السؤال لا تحتاج إلى تمشيط”عفاريت الأسفلت” بحثا عن الجثة، ففي كلا الفيلمين يبدو النسق البنائي لذكري واضحا ومتماسكا حتى ليبدو وكأنه محجوب وشفاف في نفس الوقت.

لدى ذكري دوما جثة في أفلامه، سواء كانت للجد العجوز عم علي او طبل، هذه الجثة ترتدي ثوب الموت والحياة معا، الموت الذي سببها واحدث وجودها كجثة والحياة التي تظل مرتبطة بها في شكل حكايات أو اشخاص لا يزالون يمارسونها حول الجثة ومعها.

ولدى ذكري زمن مكثف مضغوط لا يخرج عن 48 ساعة بالتقريب، ففي عفاريت الأسفلت يبدأ الفيلم صباحا وثمة فرح يتم اقامة زينته وتعليق الميكروفون والفراشة الخاصة به وينتهي الفيلم في اليوم التالي تقريبا وقد انتهى الفرح وبقيت الفراشة لكي تستخدم كصوان للعزاء في عم علي- التفسير السطحي طبعا يقول لنا أن هذه هي الحياة ولكن ذكري اعمق من فكرة الفرح الصباحي والعزاء المسائي-.

وفي جنة الشياطين تبدأ الأحداث ليلا بأكتشاف وفاة طبل الفيزيقية وتستمر طوال يوم التحضير للجنازة والدفن وتنتهي في مساء نفس اليوم تقريبا بعد ان يغادر الشياطين منزل ابنة طبل حاملين معهم جثته الضاحكة كي يعودوا بها إلى جنتهم عبر النفق الطويل الذي نراه في مشهد النهاية مقلوبا وكأنه الطريق إلى عالمهم السفلي الحر والرائع.

أن الحكاية في ابسط صورها واعقدها ما هي إلا حدث وزمن، انفعال وزمن، فكرة وزمن، دائما هناك الزمن حاضرا كمكون جيني لها والزمن في أفلام ذكري في مستواه الواقعي دوما لا يتعدى  يومين بليلة أو ليلتين على اقصى تقدير، ويبدو هذا متسقا جدا مع عنصر دكتاتورية الحكاء أو الحكاية نفسها! فالزمن في افلام ذكري يمتد ليصبح دوامة من الدوائر المتداخلة الانهائية، فهو يمنحنا زمن الأحداث المادي0 صبح وظهر وليل، ثم يمنحنا الزمن الأثيري للحكايات او بالأوقع زمن الصدى، اي الزمن الداخلي الذي يستحضره الكاتب مع كل حكاية تروى على لسان الأسطى محمد في”عفاريت الأسفلت”أو على لسان الشياطين والشون/العاهرات في”جنة الشياطين”.

لدينا إذن الجثة ولدينا الزمن المكثف والمتداخل للحكايات وصداها الذي يقاوم به الكاتب عموم الموت، ثم لدينا الجنس كمرادف للحكاية والحياة على حد سواء.

في عفاريت الأسفلت تحيلنا النظرة الواقعية لشخصيات الفيلم إلى الركون بوجود فوضى جنسية ما تشيع في هذا المجتمع الشعبي الغريب والمتشابك في سياقاته الأجتماعية والأنسانية فسيد يعاشر زوجة الأسطى محمد الحلاق الذي يتخذ من تفيدة أم سيد عشيقة سرية منذ أن كانا شابين ووالد سيد يتخذ من ام رينجو صديق سيد عشيقة له بينما رينجو نفسه يتخذ من انشراح اخت سيد حبيبة في حين أن سيد يرفض زواجهم لأنه يريد لأختة العانس زيجة أفضل.

ربما كان هذا من الفوضى”الخلاقة”هي سمة واقعية بالفعل لهذا النوع من المجتمعات-ونقصد بالخلاقة أنها تمكن هذا الواقع من الأستمرار رغم كل المعاناة المادية والانسانية والنفسية التي تواجهها شخصياته- ولا ننس أن الأحداث تدور في حلوان مسقط رأس الكاتب نفسه وبيئته الأثيرة في رواياته الأولى، ولكن الأستغراق قليلا في العالم الدرامي الذي نسجه الكاتب يجرفنا بعيدا عن لزومية الواقع والتحليل الأجتماعي والنفسي لهذه الطبقة او الشريحة الأجتماعية صحيح أن الكاتب استطاع التعبير عنها على مستوى لغة الحوار والانساق النفسية بشكل جيد وواضح وممتع أيضا لكننا في النهاية نجد انفسنا ملزمين أن نضع الميلودراما الأجتماعية جانبا كي نتفرغ للأمتلاء بتلك الحكايات والتفاصيل الحميمية التي تفور من وجدانات الشخصيات واجسادها على حد سواء.

تقاوم انشرح عنوستها متحدية شعورها بالكبت والشبق والغيرة من علاقة اخيها بزوجة الأسطى محمد بأن تكشف عن فذخها الباذخ اللحم إلى عامل الفراشة الذي يتغنى بأغنية البنج لمحمد عدوية، يراقبها الجد في ابتسامة مشجعة كأنه يدرك أن تلك التنفيسة الجسدية لاشك سوف تعيد الأبتسامة إلى روحها وهو ما يحدث بالفعل عندما تجد نفسها لا تزال مرغوبة حتى ولو من رجل اهطل معلق فوق سلم خشبي في شرفتها وكأنها جوليت شعبية.

ويثبت رينجو صداقته الرجولية لسيد بأن يجلس تحت مقص الأسطى محمد لوقت طويل مستمعا إلى حكاياته التي تتقاطع مع مشاهد صعود سيد إلى زوجة الأسطى محمد لمعاشرتها ظنا من رينجو أنه بهذه الخدمة الجنسية يثبت لسيد أنه صديق صدوق كي يوافق سيد في النهاية على زواج رينجو من أخته في حين أن تلك الخدمة الجنسية تصبح هي محل الخلاف الأساسي بين الصديقين.

وفي المقابر يجلس والد سيد العجوز مع ام رينجو يشرب الشاي ويغازلها امام قبر زوجها الراحل الذي كان صديقه تماما كما كان سيد ورينجو اصدقاء ويمكن هنا التوقف قليلا أمام فكرة الدوائر الزمنية التي يخلقها الكاتب عبر تفاصيل مثل مرض الربو الوراثي الذي ينتقل من الجد علي إلى والد سيد وإلى سيد نفسه فيما بعد، اليست تلك انتقالات زمنية حاضرة داخل الزمن الأصلي للفيلم!! والتي يؤكدها المشهد الأخير فحتى رغم غياب الجد بالموت الفيزيقي إلا أن سيد وابيه اللذان يسيران في النهاية سويا يقشران البرتقال بنفس الطريقة وكأن الطبيعة تستمر في مجراها والحياة لا تنتهي بموت أحد طالما ترك من بعده حكاية او ولد.

نعود إلى مشهد المقابر حيث يتقابل الموت والجنس صراحة وجها لوجه في الفيلم، ولا نقصد بالجنس هنا الفعل الجسدي ولكن تلك المشاعر الحميمية المتدفقة التي نلمحها في الحوار الناعم القطيفي بين والد سيد وأم رينجو والذي يستكملانه عقب موت عم على والد سيد عندما تغيب ام رينجو عن الوعي فيأخذت والد سيد إلى الداخل ويدلك لها صدرها ورقبتها حتى تتخلص من اثر الموت الحاضر في المنزل.

وفي النهاية إلا تقترن الحكاية التي يرويها الأسطى محمد على العشاء بتلك الحالة الجنسية الفائرة التي تخرج بالشخصيات من الشقة الضيقة التي فاضت فيها روح عم علي إلى البيت القديم والشارع الواسع من امامه حيث ترفع كل امرأة ساقها على النافذة كي يقبلها عشيقها ويعرف أنها بأنتظاره فيدخل لها متجنبا مصير ابراهيم الموصلي المميت.

ان الحكاية التي يحكيها الأسطى محمد مقترنة بفعل تقبيل الأقدام بكل شهوانيته الحارة تصبح هي الطارد الحقيقي لهاجس الموت ولمصائر البشر التي سوف تنتهي ذات يوم تاركة اصداء لن تفنى من الحب والشبق والعواطف الجارفة.

وبقليل من التمعن فلن نجد أن ثمة فارق بين الذروة الوجدانية لعفاريت الأسفلت وبين ذروة جنة الشياطين، كان طبل أو منير رسمي سابقا- ولاحظوا دلالة الأسم الاجتماعي الاصلي وتناقضه التام مع اسم الصعلكة- يقاوم ركود الحياة وفتورها وجمودها الموحش بالمقامرة والسكر وممارسة الجنس مع العاهرات أو الشون بالمصطلح الشعبي(والشونة هي مكان تخزين الحبوب ويعني في المخيلة الشعبية الجنسية المرأة التي يضع فيها الرجل بذوره الحارة).

سبق واشرنا أن ذكري أختار رواية تدعي”الرجل الذي مات مرتين”واختار أن يحول أسمها إلى جنة الشياطين، الكلمتين متناقضتين على المستوى الديني والأجتماعي الأنيق، الجنة هي مصطلح أزلي له دلالات الخلود، فهي مكافأة الأبدية على حسن السير والسلوك في الحياة ومنير رسمي- ولاحظوا مرة أخرى الأيقاع الساخر في الأسم المختار بالعربية من قبل ذكري-قرر أن يترك هذه الجنة الموعودة بعد الموت لكي يدخل جنة أخرى حاضرة عند اطراف اصابعه يمكن له ان يتذوق خمرها ويلمس حورها ولهذا ايضا اسمى نفسه طبل( الجلد المشدود على قالب فخاري صانعا صوتا عاليا دون أن يحمل بداخله شيئا) وكان طريقه لتلك الجنة الأنية هم ثلاثة من الشياطين العابثين حيث أخرج ذكري من روايته هراء متاهة قوطية كل من بوسي ونونه وعادل لكي يلتقون بكاريوناس(شخصية جورج امادو الأصلية في الرواية)

اختار طبل جنة ارضية من الحرية الغير مشروطة ومات مبتسما وهو يدرك أنه لن يرحل أبدا طالما بقيت حكايته وحكاياته تروي على لسان الشياطين والشون.

كان بطل امادو المقصود قد مات أول مرة عندما تخلى عن حياته الرسمية المنيرة بأكملها وسمى نفسه بأسم أخر وقرر أن يعيش جنته على الأرض كما يشاء، ثم مات الموتة الأخرى الفيزيقية التي لم تقنع أحدا ممن حوله فظل على سطح الأرض يمرح مع الجميع كأنه لا يزال هنا.

وبما أن ذكري يكره الموت في افلامه فإن طبل يشعرنا بأنه تجسيد للمقولة الشهيرة(إنما خلقتم إلى الأبد والموت ليس نهاية أنما تنتقلون من حال إلى حال) يقاوم الشياطين والشون موت طبل بالحكايات الكثيرة التي تركها لهم، يذكرونه بما عاشه كي يعلم أنه لن يموت ابدا، يعيد ذكري مع طبل انتاج بعض من حكاياته صوت وصورة، نشاهد طبل وهو يفقد اسنانه في خناقة تماما كما فقدها أول مرة، ونراه والجواهرجي يعيد تركيب اسنانه الحديدية المطلية بالذهب كأنه يعيد له سيرته الأولى في عالم الشوارع والغرز.

لا تتوقف الحكايات في جنة الشياطين عند كونها حوارات تتلى، ففي مشهد غسل طبل على المكتب الخاص به في شقته نراه والماء المختلط بالصابون ينزل من جسده فوق زجاج المكتب القابض على صور من تاريخ حياة طبل مع ابنته، وتبدو كل صورة وكأنها حكاية تغسل الفراق والقطيعة بينهم، يبدو طبل هنا وكأنه يستعيد في تلك اللحظة ذكرياته مع ابنته الحبيبه، على وجهه تلك الأبتسامة التي لا تغيب لرجل لم يعد يرى العدم وإنما ابصر الحقيقة، إن حكايات مصطفى ذكري ليست كلمات من لغة مكتوبة فقط إنما هي ايضا تفاصيل وصور.

ان ابنته تصطحبه من عالمه الليلي عبر جسر طويل معلق كأنه جسر بين العالم الذي كان يعيشه والعالم الذي اختار أن يخلد فيه، وعندما يسترده الشياطين مرة أخرى يعودون به من نفس الجسر لكنهم في المشهد الأخير يدخلون به النفق الطويل الذي يبدو وكأنه بوابة لجنتهم السفلية.

وكما ينتهي عفاريت الأسفلت بحكاية طويلة ثم حالة جنسية براقة بين كل شخصيات الفيلم ينتهي جنة الشياطين داخل النفق نحو الجنة السفلية حيث تحتضن الشونة حُبة وتقول له بشبق حزين(انا أخدت أني احكي للزباين عنك) لقد تحول طبل نفسه إلى حكاية يتردد صداها في فراش حُبة  العاهرة مع زبائنها ولهذا فأنه لن يموت ابدا.

في حوار طويل اقرب للحدوتة التي حكاها الأسطى محمد عشية موت عم علي تحكي حُبة لطبل عن العهد الذي اخته بالحداد اسبوع على روحه ولكنها اكتشفت أن طبل لا يصلح عليه الحداد لأنه ببساطة صاحب فلسفة(الحي ابقى من الميت)ولهذا فانها تقطع الحداد وتذهب للقاء زبائنها كي تحكي لهم عنه.

وفي حين أننا ندرك ما يحدث بين العشاق في البيت القديم في ذروة عفاريت الأسفلت فأننا هنا نرى تلك الحالة الشبقية وكأنها احتفالية جنسية وثنية تقاوم موت طبل وتحتفي ببقائه بينهم حيث تنخرط العاهرتين شوقية وحُبة في عناق شبقي محموم وقبلات حارقة مع بوسي ونونه وعادل لتصبح تلك الحالة الشهوانية الجنسية المفعمة بالحياة في جنتيهم السفلية-التي يعبر عنها الكادر المقلوب بالسيارة في النفق في اللقطة الأخيرة من الفيلم-هي استكمال لمشهد البيت القديم في عفاريت الأسفلت فكل العشاق الذين قاوموا الموت بالجنس والحكاية في الفيلم الأول كان هذا هو حالهم الصاعد في مقامات الجسد والحياة كما نراه متكشفا أمامنا في قبلات وشهوة الشون والشياطين.

لقد استطاع مصطفى ذكري ببيضتي الديك اللذان انجزهما خلال النصف الثاني من التسعينيات أن يؤصل فيلميا-على مستوى السينما المصرية- لفكرة أن الموت يمكن مقاومته بالجنس والحكاية لأن كلاهما يجسدان مجتمعين ومتداخلين وملتصقين كوجهي عملة ملونة أحد مكونات النواة الأساسية للخلية التي انتجت البشر والحياة منذ بدء الخليقة وحتى يُنفخ في بوق الأبدية.  

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم