نص لتبادل الأدوار .. قراءة فى ديوان (منتصف الحجرات) لأحمد يماني

نص لتبادل الأدوار .. قراءة فى ديوان (منتصف الحجرات) لأحمد يماني
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أمجد ريان

نعيش اليوم مايمكن أن يسمى "بالحداثة الفائقة" ، حيث تتصدع الحدود التقليدية لكافة الأجناس الأدبية ، مثلما تصدعت الحدود بين الفنون ، أو بين العلوم والمعارف ، وأصبحت الأشياء تتبادل أدوارها ، والنص الشعرى لـ"أحمد يمانى" يستفيد من فنى القصة والمسرح بجلاء ، ويهتم بتأكيد النهاية الرمزية لعصر المكان بمعانيه التقليدية ، فنحن هنا بإزاء الباب كمكان يفتقد هذه المعانى التقليدية ، ليترابط مع أماكن أخرى ، ومع معان أخرى ، ليتأسس ذلك العالم المترابط متداخل الأجزاء . لقد أصبحت الأشياء بتبادلاتها تلك ، وديناميكيتها تمثل شبكة غنية حية ، حتى أننا صرنا نعرف اليوم ما يسمى بالنص الشبكى ، أو السيبر تكست "Cybertext" الذى يعتمد على الممارسات المفرّعة ، وحيث أشياء العالم تتبادل مواقعها باستمرار ، مثل الشخصين فى هذا النص : يتبادلان دورى من هو خارج الباب ، ومن هو داخله.

كتابة “أحمد يمانى” تجربة شعرية تضرب اليقين فى مقتل ، وتؤمن بتعدد الاحتمالات ، وترى أن أى شىء يمكن أن يحدث .. ويتلقى القارئ أحداثاً مفاجئة لا يمكن تصورها بشكل مسبق ، ويظل الشاعر فى أثناء ذلك يمارس ألعاباً مثيرة ، والباب – على سبيل المثال – فى هذا المقطع موضوع لعبة درامية مدهشة تشبه المشاهد المسرحية ، يلعبها شخصان يتقمص أحدهما دور الطارق على الباب بلا رد ، ويتقمص الآخر دور من يُطرق الباب عليه دون أن يهتم ، ثم يتبادل الشخصان موقعيهما ، وهكذا يتم المشهد الرمزى الذى مارسه ويمارسه عدد ضخم من البشر على امتداد التاريخ الآدمى .  لا نستطيع أن ننسى أن كل أحداث الحياة تتطلب طرق الأبواب : يُطرق الباب ليخبرنا أحدهم بولادة المولود ، أو يخبرنا أحدهم بموت أحد الأقارب أو الأشخاص ، أو يخبرنا بشىء من أحداث الحياة اليومية التى لانهاية لها ، ولا لاستيلاداتها

وفى الأساطير القديمة يطرق الباب ملك الموت ليقطف الحياة ، وأحياناً نخرج من الباب ممتلئين بالرغبة فى مواجهة العالم ، وبالرغبة فى غزوه ، واقتناص مكاسبه ، وأحياناً نقف على الباب منكسرين نشعر بالهزيمة والضياع . وتظل لطرق الباب دلالات درامية غنية ، فالإنسان البدائى كان يطرق باب الكهف طالباً الحماية ، وتطلب الأديان من الناس أن يستأذنوا ويطرقوا الأبواب قبل دخول البيوت .. وفى البيوت الحديثة ، صنعوا كفاً نحاسية ثقيلة معلقة ، يطرق بها الضيف ، أو القادم من الخارج ، لينبه أهل البيت بحضوره ، وفى المجتمعات الأكثر حداثة وضعوا ضاغط الجرس الكهربى على أبواب الشقق، ووضعوا العين السحرية ، ويستطيع القادم الآن أن يجرى مكالمة قصيرة على باب العمارة ، وتردّ عليه سيدة البيت من المطبخ فى أثناء طهى الطعام . ويظل لطرق الباب دلالات غزيرة ، منها أن الباب هو الحد الفاصل ، بين عالم الداخل وعالم الخارج ، والانتقال من منطقة ندعى أننا نعرفها إلى منطقة مجهولة نريد أن نكتشفها ، وأن نطوّعها ، وأن نمتلكها ، ونظل نقارن بين الخسارة والمكسب ، بين الممكن وغير المتاح . ومن هذه الدلالات : انتظار المفاجآت غير المنتظرة ، أو الحلم بأشخاص يأتون ، أو أحداث تتحقق ، أو أشياء يمكن الحصول عليها ، أو استقبال خطابات بريدية ، ومنها أن الباب هو الستر والغطاء والأمان ، وفى البيوت التى بنيت فى العصور الماضية كان هناك مدخل منكسر خلف الباب يمنع المارين من التقاط أى مشهد من داخل البيت ، ويحكى “باشلار” طويلاً عن قيمة الباب ، ودوره فى طفولة كل إنسان . وأيضاً هناك حركة الباب المستمرة بين الغلق والفتح مما يشكل إيقاعاً أساسياً من إيقاعات الحياة ، مثل الشهيق والزفير .. وهكذا. 

وعندما يتبادل الشخصان الطرق على الباب يكون الرجل والمرأة قد مارسا هذا السلوك ليتحول الباب إلى رمز فاصل، أو إلى أداة ، لأن الوجود حولهما ينبغى أن يجمع بينهما ، ويباعد بينهما بالتناوب لتكتمل طقوس الحياة ، وعندما تكتمل هذه الطقوس يكون الطرفان قد صنعا إنجازاً كبيراً ، يكونان قد مارسا تجربة كبيرة من تجارب الحياة ، أو يكونان قد خاضا بحراً عميقاً ، لايزال الآخرون يقفون بساحله البعيد.

ــــــــــــــــــــــــــــ

جريدة مسرحنا 03-02-2014

عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم