أحمد حامد
“انهض فلن تفنى.. لقد نوديت باسمك، لقد بعثت”
منذ نشأة الحضارة، وحين أدرك الإنسان العالم المتغير من حوله وأمعن النظر في طبيعته المتقلبة، أيقن بأن الموت هو الثابت الوحيد في الحياة. المشترك فيما بيننا نحن البشر هو الفناء، نحن نسير نحو نهاية محتومة لا يحيد أحد عنها. آمن المصريون القدماء بأن الموت لم يكن نهاية، إنه بوابة لعالم آخر، لنعيم يسمى بالأبدية، فحرى بك أن تعمل خيرًا في دنياك لتبعث من جديد في معية هذا الخير.
الأسطورة والحقيقة في حياة المصريين
انتشرت أسطورة عن المصريين القدماء عن فتاة تقدم قربانًا للنيل شكرًا على فيضانه كل عام على المصريين، وفي ظل غياب الإثبات لأسطورة عروس النيل هذه، تظل حقيقة مشابهة موجودة في حاضرنا إلى الآن. وهي ما يفتتح بها الفيلم، فما بين أسطورة تُروى وحقيقة معاشة تصبح التضحية بالفتيات سبيلًا لفتح أبواب الخير، خير ينعم به الجميع فيما عداهم.
الحلم والمحاولة: ثريا في عالم الأحياء
في عالم محدود الخيارات، لا يسعنا سوى التأقلم والاندماج، والعجز أمام المحاولة لا يترك أمامنا خيار سوى الاستسلام. وفي عالم تستشعر فيه هؤلاء الفتيات الخطر في كل لحظة، لا يسعهن سوى تعلم الهرب جيدًا. تتعلم الفتاة منهن كيف يمكن للركض أن ينقذ حياتها يومًا، وتعيشه كل يوم في حلمها، تمامًا مثل ثريا التي تستيقظ من نومها كل يوم، والحلم أصبح كابوسًا فلا تدري هل تجري الآن من ما يخيفها أم من الكابوس اليومي.
في عالمها تبدو ثريا محور كل شيء، تقف في المنتصف بتناغم شديد مع كل ما حولها، في البيت، في الأرض. لا تشعر ثريا بالاغتراب في عالمها، لكن الموت يحيط بها في كل ركن، كأنه طائر يلوح في الأفق، وكأنها ترفض النظر إليه. تعبر الموت كشبح لا وجود مادي له، وتمر في وسط الجنازة بخفة، تحاول أن تسترجع فيها تناغمها مع العالم من جديد.
مصير محتوم وقلب كالريشة
تنتظر ثريا مصيرها الذي كتب عليها يوم ميلادها فتاة، مصير لا يقوى أحد على تغييره. ننتظر معها كيف يمكن أن تواجه الفتاة هذا المصير، لا تستطيع الهرب من الموت إذا ما كتب عليها، فلكل منا قدره، وقدرنا جميعًا أننا ميتون.
تسمع ثريا الخبر، ينزل عليها القدر كصاعقة، لا تحسن في تلك اللحظة سوى الركض الذي لطالما تمرنت عليه في أحلامها. تبدأ لحظة المطاردة، التي لطالما أرعبتها من نومها وأيقظتها من الحلم، لكن هنا في عالم الحقيقة لا يوجد مهرب، عليها أن تواصل الركض، في طريق غير واضح ومصير غير معلوم.
لا يستمر الركض كثيرًا، تسقط ثريا معلنة عن فشل الهروب، ربما لابد أن تعانق قدرها في النهاية. في اللحظة التي تسقط فيها ثريا، تتمرد على كل شيء حتى الموت. لا تنجو بفضل أي شيء سوى عناية إلهية، وكأنها في رحلتها نحو الموت تلك تعود للحياة من جديد. يوزن قلبها أمام الريشة خفيفًا مستقيمًا لا يميل عنها، فتفتح لها أبواب الأبدية.
أسطورة أوزوريس: ثريا صديقة الآلهة
في الأسطورة القديمة، يتعرض أوزوريس للخيانة من قبل أخيه ست، الذي يضعه في تابوت ويغرقه في النيل، وبفضل إيزيس يعود أوزوريس للحياة من جديد، لكنه يبعث هذه المرة في عالم الموتى يحكم بينهم ويزن القلوب بريشة ماعت.
ربما في عودتك للحياة بعد الموت لا تصبح إنسانًا عاديا، أنت الآن القاضي والجلاد، تبصر ما لا يستطيع الأحياء رؤيته، وتدرك كيف يمكن لقلب نقي أن ينجيك من التهلكة.
لا تعود ثريا كتلك التي عرفناها طوال الفيلم، إنها على بوابة عالم آخر، تنتظر الجميع لمحاكمتهم، تزن ثريا قلوبهم لتجد في ثقلها ما يهبط بهم لباطن الأرض، وتصدر حكمها ببقائهم هناك مادامت الحياة وما بعدها. سيبعثون من جديد ليلقوا نفس المصير، وحدها قادرة على تغيير مصيرهم، بعدما قطعت الحبل الواصل بينهم وبين عالم الأحياء، وعلى بوابة العالم الآخر سيجدونها تنتظرهم، وهي تحمل في يدها مفتاح الأبدية.









