صوت الصمت

mohammed mahfouz

د. محمد محفوظ

في مطبخ صغير ينمو البرد بين كرسيين عتيقين ومنضدة أكثر من المعتاد.

– تقل هدومك شوية، الدنيا برد النهارده.

لم يكن جلوسهما صامتين في تلك اللحظات الغائمة مقصودًا. تعرّق وجهها باجتياح غير رحيم لتراكمات أُخفيت بانتظام سابقًا.. يستمر بتحريك يده على كوب القهوة بلمسات دائرية، ناقرًا حوافه بتتابع بطيء، وقد اكتسى وجهه بأسى يحاول استيعاب الطوفان الذي يواصل حشد وعيده على ملامحها.

تموجات إعصارية تتقاطر سريعًا في خطواتها وهي تتحرك نحو البوتاجاز وتكسر البيض على الطاسة، والصوت الذي طالما كان مستأنسًا انفجر من بين شفتيها.

– أنا خلاص زهقت، ما بقتش طايقة نفسي.

تتفاقم نظرة الأسى في عينيه مع حركة يده على كوب القهوة وهي تواصل الربت على حوافه دون أن يرتشف منه كالمعتاد.

– إنت عارف أكتر حاجة وجعاني إيه؟

تحترق أطراف البيض فتطفئ النار سريعًا وهي تزيح نظرتها عنه مطرقة إلى الأرضية الباردة.

– إني بطلت أستناك.

كان كلامها مباغتا لها، إلا أنها مع تكونّه اقتنعت بأن تترك له الباب مواربًا، يقتحمه بالعنف الذي يلائمه.

– زمان كنت بخاف تتأخر، دلوقتي.

تصمت لثوان:

– ولا فارقة  

كانت الكلمات تنبعث من داخلها وهي تحضّر الإفطار دون أن تلتفت إليه حتى توقفت أمام البيضة محترقة الأطراف.

– انت ما بتردش عليا ليه.. ما تنطق.. أنا خلاص تعبت وجبت آخري.

تملكتها رعشة مفاجئة وكأن شيئا مجهولًا اقتنصها.

– طلقني.

غمر امتقاع وجهه سكون مقبض.. تجمدت اللحظة بينهما، لكن الوقت كان يمر حولها بانتشاء، كأنه على وشك بلوغ أورجازم خفي.

رن هاتفها المحمول.. مسحت دمعة من على وجهها وهي تجيب، كأنما تواري جرحًا نافذًا.

– أيوه.

تحجرت عيناها وتغلغلت رجفة عاتية في جسدها.

– بتقول إيه؟

التفتت إلى الكرسي فانتُزعت شهقة بركانية من روحها.. الكرسي كان خاليًا.

ببطء اقتربت من الكرسي.. جلست عليه بتردد، كأنها تلامس وتندمج مع طيفه.. مدت يدها المرتعشة إلى الفنجان، وأخذت تحرّكها على كوب القهوة بلمسات دائرية، ناقرة حوافه بتتابع بطيء، وبينما تتصاعد رجفتها مع تسارع دوران يدها عليه؛ ظل الليل والنهار يتعاقبان وراء شباك المطبخ، والصمت قابضًا بنشوة غامضة على جسدها الذي يزداد انحناؤه فوق الكرسي، وخصلات شعرها تتلون بالبياض لحظة بعد أخرى.

القاهرة: 22ديسمبر2025م

مقالات ذات صلة

أقسام الموقع