إبداع الألفية الثالثة: أشرف الصباغ في سرديته

mostafa al dabaa
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

د. مصطفى الضبع

أشرف الصباغ القاص والروائي والمترجم، واحد من كتاب هذا الزمان، أو حسب التعبير المصري (كتّيبة) بتشديد التاء (صيغة متداولة في الثقافة المصرية تؤدي معنى كثرة الكتابة أو التدفق فيها)، الصباغ لا يتوقف تدفقه عند كتابة فنون السرد والترجمة، وإنما هو واحد من محللي المشهد العالمي الجديد، يمارس بصورة يومية متابعة الأحداث ورصد تفاصيل المشهد بصيغة ظاهرها السخرية وباطنها الكشف عن رؤية خاصة جديرة بالمتابعة، مما يجعل صفحته على الفيسبوك قبلة المتابعين ممن يبحثون عن رؤى عميقة في ركام السطحية بوصفها سمة العصر.

بامتياز تنتمي تجربته الإبداعية للألفية الثالثة، مما يعني وعيا كاشفا، ومحيطا بالعالم بفعل عاملين لهما دورهما في تشكيل تجربة الكاتب: تقنيات الاتصال الحديثة، العمل الإعلامي، وقد استثمر الكاتب العاملين بصورة انعكست على تجربته مانحتها أبعادا متشعبة من الثراء.

وما بين الكتابة اليومية، والكتابة السردية تتشكل مساحة إبداع الصباغ بصورة لها طابعها الخاص، تتأسس على الوعي بالعالم قارئا المشهد بوصفه نصا تتسع صفحاته، محيطة بالتفاصيل التي يجيد الكاتب إعادة تشكيلها، أو استلهامها منتجا مشروعه الإبداعي الخاص عبر تجربة جادة على مستوى الطرح، فنية على مستوى التقنية، جمالية على مستوى ما تطرحه على وعي متلقيها.

يتشكل مشروع الكاتب من ثماني مجموعات قصصية:

۱ – قصيدة سرمدية في حانة يزيد بن معاوية، دار النهر ، القاهرة 1996 .

2- خرابيش، دار النهر، القاهرة 1997.

3- العطش، دار سما، القاهرة 1997(ط2 – هيئة قصور الثقافة القاهرة 1999.

4- صمت العصافير العاصية، دار العين القاهرة 2014.

5- أبواب مادلين، روافد للنشر، القاهرة 2022.

6 – حبيبتي طبيبة العيون السيريالية، بتانة، القاهرة 2022.

7 -أول فيصل، روافد للنشر، القاهرة 2023.

8- لارا، روافد للنشر، القاهرة 2024.

وخمس روايات:

1- مقاطع من سيرة أبو الوفا المصري، الدار، القاهرة 2006

2-رياح يناير، دار العين، القاهرة 2014.

3-شرطي هو الفرح، دار الآداب، بيروت 2017.

4-كائنات الليل والنهار، دار العين القاهرة 2019.

5-مراكب الغياب، روافد للنشر، القاهرة 2024.

إضافة إلى خمسة عشر كتابا مترجما.

بداية من روايته الأولى اتخذ الصباغ من القاهرة مساحة حركته السردية (الروائية خاصة)، وخروج أبطاله عن القاهرة قليل، فهم إما قاهريون بالإقامة أو قاهريون بالمولد، مما يجعل من القاهرة وطنه الروائي، وقد جعل الكاتب منه الاستديو الروائي الكبير (أعتقد أن مشروعاته الروائية القادمة لن تبتعد عن هذا النهج)، وهي واحدة من التيمات الأبرز في مشروعه الروائي، تلك التي يمكن رصدها في مظهرين أساسيين لهما دلالتهما الجمالية والفنية:

– القاهرة سرديا محكي بها قبل أن يكون محكيا عنها، فقد نجح الكاتب في اعتمادها تقنية وليست مجرد مكان (دعك من الفكرة المستهلكة عن بطولة المكان، فبطولة المكان مالم تكن جمالية بمعنى أن “الكاتب يكتب بالمكان ولا يكتب عنه”، فإنها مجرد حكم إنشائي لا يدرك مستخدموه أبعاده الفنية)، الكاتب هنا لا يكتب ريبورتاجا صحفيا أو حتى روائيا عن القاهرة، وإنما هو يكتب بالقاهرة بوصفها تقنية منتجة جماليا.

– القاهرة أستديو سرد سينمائي شيده الكاتب روائيا، وللاستديو طبيعته الفنية الخادعة، فهو لا يقام من أجل فيلم واحد، وإنما يقام لأجل عدة أفلام، بحيث تظهر كثير من التفاصيل أكثر من مرة في أكثر من مشروع، ولكنك لن تدرك مطلقا أن هذه الأشياء سبق لك رؤيتها أو التعامل معها بصريا أو فكريا، فأنت أمام تفاصيل تظهر كل مرة من زاوية تصوير وإضاءة (رؤية) مختلفة تجعل منها نظاما جديدا لإنتاج الدلالة.

يقرأ الصباغ العالم، ويستلهمه على طريقة النحل (تجمع غذاءها ولا تحتفظ به كما هو مثلما يصنع النمل، وإنما تنتج منه ما هو أروع منه)، وهو ما يفعله كاتب من طراز الصباغ الذي يظل هناك في قلب الأحداث حاملا كاميرا التصوير السردي، مصورا ما يقرأه الجميع فيرون فيما يرون مالا يرون (تماما مثل الإعلامي الذي يجعلك ترى ما ترى كأنك لم تره من قبل)، لك أن تدرك ذلك من حديثه عن شخصيته المتفردة في روايته الأولى “مقاطع من سيرة أبو الوفا المصري”: “سعيد عبد النصير هو ضميرنا الحي، كما اصطلحنا ضمنا على تسميته. فهو الوحيد الذي يعمل بالكتابة فقط. يكتب من رأسه، ومن الناس، ومن الحب، ويتحدث في السياسة برأيه هو وليس بما يسمعه من الآخرين، أو يقرأه في الصحف. وهو أيضا حالة من الضحك والتنكيت والطاقة الهائلة. وعندما يصيبه الحزن، يلتزم البيت والصمت”. 

لك أن ترى سعيد النصير رمزا، ولك أن تراه معنى، ولك أن تراه مجرد شخصية تؤدي دورها، ولك أن تراه الصباغ نفسه (فهل غيره من يكتب من رأسه، إنهم قلة مثل الصباغ من يفعلون ذلك)، متحركا عبر دوائر متداخلة، إنسانية وجغرافية وثقافية، منحت مشروعه الروائي القدرة على إنتاج عالم خاص متعدد الطبقات، متشعب القضايا، تتعدد زوايا رؤيته.

في سرديته يعتمد الكاتب مجموعة من التقنيات الكاشفة عن خبراته في الكتابة بشكل عام والسرد بشكل خاص، عبر ثلاث مستويات متداخلة غير مختلطة:

– مستوى السخرية، وهي نوع من الكوميديا السوداء بالأساس، تضحك مستمتعا لكن عليك أن تدرك مرارة ما تتذوقه في النهاية.

– مستوى بلاغة الشخصية، من حيث هي نظام سردي قادر على توصيل رسالته بصورة جمالية تحقق شروط البلاغة في قدرتها على التوصيل.

– مستوى الرحلة عبر ثلاثة مسارات متوازية: المكان والإنسان والثقافة، حيث المكان (القاهرة) مساحة قادرة على اكتناز الثقافة ، والإنسان على مختلف توجهاته.

 

اقرأ أيضاً

أشرف الصباغ.. ملف خاص

أشرف الصباغ.. ملف خاص

مقالات من نفس القسم