حاورها: محمود حسانين
لم يكن من السهل على القارئ العربي أن يطالع إنتاجًا أدبيًا فيُجزم أن كاتبته امرأة، هذا الأمر يبدو أيسر إن اطَّلع عليه قارئ اليوم، بعد طفرة التواصل الاجتماعي واتساع الأدب الحديث، الذي عَكَس كيف كانت الرؤية قديمًا؛ فالكتابة النسوية، أو إبداع المرأة بصفة خاصة، كانت له حساسيته. ففي حوار مع الكاتبة “صوفي عبدالله” أشارت إلى هذا بقولها:
“للمرة الألف أو الألفين في حياتي الأدبية، أجدني مضطرة للتأكيد أنه لا يوجد شيء اسمه أدب رجالي وأدب حريمي، وأن هذا من مخلفات مقصورة الحريم، ومن رواسب الفضول (المعين) الذي يرافق المراهقين في مجتمعٍ انفصالي، بحيث يرتبط كل ما تفعله المرأة بجنسها، مع الرغبة دائمًا في الوصول إلى تحديد (علامات التأنيث) في كل عمل تقوم به، حتى لو كان لا علاقة له إطلاقًا بالأنوثة أو الذكورة.”
وبالعودة إلى تاريخ الأدب للرعيل الأول من الكاتبات أمثال “زينب فواز، أليس بطرس، عفيفة كرم، لبيبة هاشم، جاذبية صدقي، جيلان حمزة، عنايات الزيات” وغيرهن الكثيرات، نجد أنهن قد أثرين المكتبة العربية بإبداعهن، فبرهن على القوة التي كانت دافعًا لنجاح الكثيرات.
ونجد ذلك في دراسة بعنوان الكتابة النسوية العربية لنازك الأعرجي، حيث ذكرت: “لقد سجلت بيبلوغرافيا كمبردج للأدب الإنجليزي حضور أكثر من أربعين كاتبة وروائية بين عامي (1830 – 1940)، نشرن ما يقرب من ثلاثمائة رواية.”
وهذا ما أكده علاء الدين وحيد في كتابه وجوه قصصية قديمة وجديدة بقوله: “إن من أهم ما تقدمه أي كاتبة ويترقبه القارئ، هو مدى انفتاحها على عالم حواء وتغلغلها في أعماقه، وكذلك الموقف الذي تتخذه إزاءه.”
ومن هنا كان هذا اللقاء مع المبدعة ابتهال الشايب، ابنة الأقصر بصعيد مصر، التي أغوتها الكتابة وسحرتها عوالمها، لتصبح قاصة وروائية ومترجمة. وقد حصلت على جائزة الدولة التشجيعية، وجائزة البرنامج العام بالإذاعة المصرية، وجائزة قصر ثقافة الأقصر في مجال القصة القصيرة.
صدر لها كتاب نصف حالة ومألوف (قصص)، كما كتبت روايتي يزن وشوك وحيد. ولم تتوقف عند هذا الحد من الإسهامات الإبداعية، فقامت بالترجمة، وقدمت ترجمة من الفرنسية لكتاب زمن البانوبتيكون (شعر فرنسي)، وسبعة أيام في حياة كلارا (قصص فرنسية)، كما ترجمت قصة للأطفال بعنوان مياه كوكب الأرض.
ـ هل البعض يستغل أدب الرواية ليتلصص على حياة الكاتبة؟
ـ حسب نوع الرواية، أحيانًا تُعبِّر أو تلمس شعور القارئ، وأحيانًا لا يحدث ذلك. أما التلصص على حياة الكاتب، فربما يحدث، خاصة لو كانت الكاتبة امرأة.
ـ هل يمكن التعبير عن عالم المرأة النفسي من خلال كتابة نص بسيط لا يحمل شيئًا من الجرأة؟
ـ الجرأة عنصر هام في التعبير عن الذات، سواء للرجل أو المرأة. دائمًا ما أرى أن تعبير المرأة عن نفسها أكثر إثارة من تعبير الرجل، لأنها تمتلك العديد من المشاعر المتناقضة والغريبة.
ـ أيهما أكثر حضورًا على الساحة، الرواية التاريخية أم الواقعية؟
ـ أعتقد أن الرواية التاريخية أكثر حضورًا في الجوائز، أما سرد الأحداث الآنية، فهو الأكثر حضورًا في الأوساط الثقافية.
ـ هل تتابعين صناعة الأفلام والدراما في الآونة الأخيرة؟ وهل ترين أن كُتّاب السيناريو والقصة أكثر حظًا؟
ـ لا أهتم ولا أتابع أي شيء منذ فترة طويلة، في الغالب أتابع فقط الأفلام الأجنبية، والأفلام والمسلسلات المصرية القديمة.
ـ رواية شوك وحيد ويزن، ثم كتاب سبعة أيام في حياة كلارا، وزمن البانوبتيكون، ومن ثم المجموعتان القصصيتان نصف حالة ومألوف؛ هل تفكرين بكتابة لون مغاير، للطفل أو الشعر، كما حدث في الترجمة؟ أم أن السرد القصصي والروائي يمثل لكِ غواية أكثر من كونه هواية؟
ـ أحب الشعر وقصص الأطفال، وأتمنى أن أكتب جميع الأنواع الأدبية.
ـ انتقاؤكِ واهتمامكِ بالتنوع في الكتابة، بين القصة والرواية ثم الترجمة، هل له مدلول خاص؟
ـ أحب الكتابة والترجمة، وأنا شخصية مغامِرة في الأساس، لا أعرف ما الذي سأفعله بعد ذلك.
ـ في القرن الحادي والعشرين، حيث سرعة التكنولوجيا وسيطرة أدوات الكتابة الفورية مثل (شات جي بي تي)، هل سنشهد تأثيرًا على مستقبل الإبداع بسبب ذلك؟
ـ نعم بالتأكيد، سيلعب دورًا كبيرًا في الكتابة والإبداع، وسيكون منافسًا للكاتب، لكن سأظل أحب كل ما هو إنساني، وسأحب الكتابة بكل أخطائها ومشاعرها.
ـ الجوائز التي حصلتِ عليها والتكريمات، ماذا مثّلت لكِ؟
ـ تشجيع ودعم في الواقع، لكن الجوائز لا تخلق مبدعًا حقيقيًا، فالكاتب ليس في حاجة للجوائز، بل يستطيع أن يصنع مكانته عن طريق كتابته فقط.
ـ الكتابة، ماذا مثّلت لكِ؟ وما الإضافة التي وجدتها بها؟
ـ هي عالمي الخاص الصغير، وجدتُ بها حريتي وجنوني.
بهذه الكلمات التي تأتي محملة بثقة في النفس، قدمت ابتهال الشايب رؤاها الإبداعية وانطباعاتها؛ في تجوالها وحضورها الإنساني في أغلب ما كتبت، حيث الألفة والتجانس مع الآخرين؛ من خلال السرد في قصصها، لكي تصنع جمهورها، كما يقول هنري جيمس: “إن المؤلف يصنع قرَّاءه بالطريقة نفسها التي يصنع بها شخوصه”.