صمتٌ يكشِّط كلاماً قديماً

art
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

نورالدين كويحيا

 غرقٌ أخير

لا تنتظروا بِساطاً سحريًّا،

ينقلكم إلى سماواتِ الخيال البعيدة.

 

لا تنتظروا مارداً أزرقَ

يخرج من قُمقمٍ قديم،

ليعينكم على تحقيق ما استعصى

من الأحلام.

 

لا تنتظروا جدَّاتٍ يخرجن

من بطون الذئاب الجائعة

كي يقصصن عليكم

حكاياتٍ خيالية.

 

مات الشُّعراء منذ زمن،

أكلتهم القصائد

وبصقتهم المجازات

في وادي عبقر.

 

من تبقى منهم

وحيدون،

يكتبون حرفاً

وتتساقط عليهم السَّكاكين

من فوق…

 

تشرَّد الرّسامون

وضاعوا عميقاً

في لوحاتهم،

ليوناردو ابتلعته موناليزا

بعينيها اللتينِ تتبعان الخطى

والوجوه الحزينة.

 

أما النَّحاتون

فصاروا تماثيل ترجوا قطرة ماء

تُذيب عنهم صلابة الطين.

 

لا تنتظروا،

هذه حقائبكم مركونةٌ في الزّوايا

افتحوها

ضعوا ثيابكم المُدماة داخلها،

ضعوا أجسادكم

ونادوا على النهر.. أو البحر

ليأخذكم إلى تاريخٍ أقل ضراوة.

 

لم يعد الخيال مرآة نجاتنا،

كُسر المستحيل

وها نحن نتأمل أشلاءنا

 متناثرة في مدينة الزُّجاج.

 

لا تنتظروا،

لن يأتي الخيلُ

ولن تنقذكم السُّفن…

فهذا هو الغرقُ الأخير.

***

صمتٌ يكشِّط كلاماً قديماً

لم تقطعوا في حياتي هذه

شارعاً واحداً

ولا رصيفاً ممتدًّا

لم تتسلقوا شجرةً

ولا عمود إنارةٍ

ولا موتاً.

 

فلماذا تسجنون النوافذ؟

لماذا تصلبون الأبواب

قبل أن يعلن البيت تهدُّمه؟

لماذا تحملون جُثث الموتى

والقلبُ خلف الجلد، خلف العظم

يضيءُ كالفرص الأخيرة؟

لماذا تنتِفون ريش الوقت

تُقدمون الموت خطوةً،

تدوسون على ظل الحياة.

 

وأنا.. أنا لم أستيقظ بعد

لم أتناول فطوري

وكعادتي لم أشتم الشمس

التي تُذكرني بالحياة المُضجرة

وتضيءُ على سكاكين الألم

في خاصرتي.

 

حياتي هذه،

منذ ولدت وأنا أشاهد ظلالكم

فوق جدرانها.

 

حياتي هذه،

كل من جاء يُقيم بصوته

في مئذنتها.

 

لا تنزلوا الحبال عن السقف،

لا تكسروا الموت في المرايا

وبقايا دمي -في سكاكين

تُنبئني دوماً

بجسدٍ مستلقٍ فوق الكنبة

ويده متدلية

ودمعٌ أحمرٌ يسيل من معصمها-

لا تنظفوها.

 

دعوا كل شيءٍ على حاله:

الموتَ وهو يدندن أغنيةً في الشرفة

الوقتَ يمسد فوق قطتي الميتة

الصمتَ وهو يكشّـط كلاماَ قديماً

علق بالجدران،

والظِّلَ الذي يختبئ تحت الكنبة

وينغمس في البلاط

كلما جاءتِ الشَّمس

أو اتَّقد الضوءُ في المكان.

 

هذه حياتي:

ثيابٌ مهترئة على جسد متشرد

صفعةٌ معلَّمة على خد طفل

شاهدةٌ بيضاء

انتهى الحبر قبل أن

يكمل الحفَّار كلمته الأخيرة؛

ش…

مقالات من نفس القسم

art
يتبعهم الغاوون
فتحي مهذب

الساحر

يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

لاجئان