“يعبر الزمن على دراجة”.. حلم متصل داخل حكايات الجدات

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام
القصص كلها تدور في دوائر الأمل برموز واضحة الطيران والمطر ودفء الأحباب والأهل وعلاقة مميزة بين الأب وابنه

“يعبر الزمن على دراجة” مجموعة قصصية للكاتب حسين منصور صدرت عن مؤسسة بيت الحكمة بالقاهرة، ضمت المجموعة عددا من القصص القصيرة والقصيرة جدا التي كونت مشروعا متكاملا استطاع الكاتب أن يقدم وجبة دسمة للقراء متحديا قدراته في السرد والحكي. وأن يشكل عوالم ساحرة وكأنه حلم متصل لا نهاية له يضم مخاوف الإنسان وأوهامه وأحلامه وذكرياته، حلم طويل في عوالم عجائبية تتفوق على عوالم أليس في بلاد العجائب. بنكهة مصرية خالصة تضم حزمة من العادات والتقاليد والمعتقدات الشعبية.

القصة الرئيسية في المجموعة وهي يعبر الزمن على دراجة وهي المفتاح الذي يفك شفرة المجموعة كلها التي تضم عددا من القصص التي تحمل القارئ في رحلة من فانتازيا الحكي المستمر ونقرأ فيها السمات المميزة لهذه الرحلة العجائبية التي يحلم فيها الطفل بدراجة. «لم يكن أبي يراجعني في حلم قصصته أو حكاية حكيتها مهما كانت غريبة، فلا يسألني عن الرجل الذي نبتت له أجنحة وطار حتى ارتفع إلى مئذنة الجامع… كيف طار؟ ولم يكن يكذبني في حكاية الذئب الذي قابلني، وأنا عائد من المدرسة فقذفته بطوبة أصابت عينه فأسرع إلى أمه يبكي كجرو صغير. ولا يستفسر كيف ركبت على ظهر الحوت، وطاف بي في البحر وفرجني على كل شيء فيه، الأسماك الملونة والقروش والشعاب المرجانية التي نراها في كتاب العلوم. ولم يكن أبي يستغرب حكاياتي عن الجنيات والعفاريت التي أراها في الظلام، فلا أخاف منها، بل كان يستحثني على الاستمرار في الحكي بسؤاله: وماذا بعد؟».

عوالم عجائبية تضم مخاوف عديدة لكنها توضح علاقة الطفل القوية بأبيه والدعم الذي تلقاه أحلامه في الطيران والعبور بين العوالم والأزمنة. محققا لأحلامه أو أحلام أبيه التي يجهلها، ولكنه يصدق أن الطفل السارد للحكايات قادر تماما على تحقيقها.

استطاع الكاتب من  خلال الأحلام ان يقدم رؤية للزمن من خلال الأسطورة والتطور التكنولوجي للعالم من خلال عيون الطفل والشاب والجد رؤية مختلفة للعالم والموت وعلاقة الانسان بالسماء وفوضى الأفكار التي تتناغم في شكل أحلام متصلة

 ونقرأ في قصة كف صغير يقودني يستدعي الكاتب بعض الأسماء من قصصه السابقة مثل صديقه عادل بدر. وهو هنا لا يقدم للقارئ تفاصيل لكنه يلقيه فورا في قلب الحكاية التي تشغله عن الأسئلة التي يطرحها عقله عن هذا الصديق الحاضر في غيابه ويتبنى أسئلة ومخاوف السارد بشكل يؤكد أن حسين منصور وحده من يمتلك الإجابات كلها دائما.

 أما في قصة “انا افتحي” فيستدعي الكاتب عددا الأساطير عن الموت والأشباح المجتمعين في حارة ضيقة يعيدون مشاهد من حياتهم ويندمون على أفعالهم الماضية فنرى القاتل يستمر في ملاحقة ضحيته وإعادة مشاهد القتل والندم عليها، والقتيل يسعى نحو العودة كل ليلة الى بيته القديم وملاقاة أمه فيطرق الباب في كل ليلة ويطالبها بفتح الباب. ملاذ لا يجده للراحة أبدا. والأم التي تحجم عن فتح الباب لتنال زيارة شبح ابنها كل ليلة يطالبها بفتح الباب المغلق.

تضم المجموعة صخب الحياة بشكله الحقيقي في شكل أحلام متصلة تجد علاقة الانسان بالسماء والأرض والمحيطين به يحمل أوجه مختلفة من الفساد والصلاح داخل نفس القصة ترى الدراجة حلم طفل يكبر لا يعرف سوى الحكايات ليواجه رجلا تدهسه قطارات الحياة بعجلاتها الثقيلة.

اعتمد الكاتب في قصصه على إظهار عدد من العادات والتقاليد المصرية والرموز الشعبية فنجد عادات الزواج والموت ظهور الوشم والتمائم والتشاؤم والعديد والنواح وحتى التفاؤل وقصص العفاريت وحكايات الجدات.

تبحث المجموعة في مجملها عن إجابة لسؤال فلسفي متى يفقد الإنسان حلمه؟ القصص كلها تدور في دوائر الأمل برموز واضحة الطيران والمطر ودفء الأحباب والأهل وعلاقة مميزة بين الأب وابنه. تجدها كلها أحلاما حركية تثير الخيال وتفتح أمام القارئ أطيافا من الذكريات يشعر بداخلها أن هذا الحلم قد رآه من قبل أو رأى ما يشبهه وهذا ما يجعلها مجموعة مميزة قريبة من القارئ بشكل كبير تبحث فيما وراء ما يتذكره ويشكل بها ذكريات جديدة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المجموعة صادرة عن بيت الحكمة 2025

مقالات من نفس القسم