فرانسوا باسيلي
كُتب هذا المقال “رفض ذهب المعزّ لأنه صنع الله وليس صنع الدولة” إثر رفض الكاتب المصري صنع الله إبراهيم لجائزة من الدولة، ون#شر في القدس العربي في 11 نوفمبر 2003. وأعيد نشره هنا وقد رحل المبدع الكبير منذ أيام، لما يضيء لنا المقال من أجواء المناخ الثقافي المصري والعربي قبل 23 عاماً كقيمة تاريخية مثيرة من ناحية، ولأن قضية علاقة المثقف العربي بالسلطة ما تزال متوهجة اليوم كما كانت طوال التاريخ في المنطقة.
فرانسوا باسيلي
وقف وزير الثقافة المصري وحوله كبار رجالات الدولة في دهشة وحيرة بالغة من صدمة رفض الروائي صنع الله إبراهيم لجائزة الرواية العربية وقيمتها أكثر من مئة ألف جنيه مصري. إذ يعجز أصحاب السلطان دائماً عن فهم أحوال وطرق الصعاليك والشعراء والفنانين. فأصحاب السلطان لهم عالم العزّ والمجد والتأنق والتزلف والانحناء والثروة والنظام، بينما للصعاليك والشعراء عالم الجنون والدهشة والفوضى والفقر والتهور والتمرد في الفكر والفعل.
أصحاب السلطان يدمنون السير في مواكب الإمبراطور الرسمية، ينعمون بالمراسيم والطقوس ويسبحون في موسيقى السلامات الوطنية ويرفلون تحت الأعلام ومواكب النصر وأقواس الأعراس والمهرجانات، ويتحلقون حول الإمبراطور مهللين عليه الثناء والإكبار والإعجاب بعظمة وجمال ردائه الإمبراطوري المذهب الطويل. بينما يجلس الصعاليك والشعراء على الأرصفة أو المقهى أو في بيوتهم الصغيرة البسيطة، لا يسيرون في الموكب ولا الزفة، ولا ينتظرون في طابور المهنئين وصفوف المزمرين.
ولذلك سارع صنع الله إبراهيم بمغادرة قاعة الاحتفالات بعد أن ألقى بقنبلته على الجميع، فإذا بشظاياها تصل أقصى أطراف الجسد العربي الممتد من المحيط إلى الخليج، ناشرة بسرعة البرق ذلك الخبر المذهل المعجز: أن صعلوكاً من صعاليك الفن والفكر والشعر قد رفض ذهب المعزّ، وقال أمام الجميع الشيء الذي ليس من المسموح قوله على الإطلاق رغم أن الجميع يعرفونه ويتظاهرون بعدم رؤيته، أن الإمبراطور عارٍ تماماً من أي رداء، وأن كل الذين كانوا يتغزلون في جمال وروعة رداء الإمبراطور هم مهرجون في بلاط السلطان. وأمام هول هذا القول وفداحته وثقل وقوعه وقع الصاعقة على الجميع، لم يتمالك نصف أعضاء اللجنة المانحة للجائزة أنفسهم فاندفعوا يصفقون تصفيقاً لا شعورياً أو ربما شعورياً، بينما اندفع الحاضرون نحو ذلك الإنسان العجيب صنع الله إبراهيم يحتضنونه في لهفة وحميمية وشوق المحروم والصائم والمتعب والجريح. يحتضنون فيه لحظة كبرياء وغضب وعز وأنفة وشموخ صارت مفتقدة تماماً في حياتهم اليومية على مدى عقود كاملة.
صنع الله! يا له من اسم!! كيف استطاع والداه اللذان منحاه هذا الاسم المدهش أن يملكا كل هذا الحدس الصادق أن وليدهما هذا سيكبر ليصير اسماً على مسمى، فيعيش ويمشي ويكتب ويتنفس باعتباره صنع الله وليس صنع الدولة! إنني على كثرة ما أعرف من أسماء المصريين لا أعرف شخصاً واحداً آخر اسمه صنع الله! ولا أعرف كثيرين يعيشون في اتساق كامل مع ذواتهم وفي تطابق تام مع أسمائهم مثل هذا الـ صنع الله، الرجل البسيط النحيف، الذي بدا على خشبة مسرح قاعة الاحتفالات كامل الغربة والتفرد، فهو الوحيد الذي لم يكن يرتدي بذلة كاملة وربطة عنق، بينما كل الرجال حوله في بذلاتهم الرسمية المتشابهة والداكنة اللون. وقف هو نحيلًا هزيلاً في قميص أبيض مثل طالب جامعي. فهو لم يتغير عن ذلك الشاب الذي كانه عندما ألقى به نظام عبد الناصر في الاعتقال عام ستين من القرن الماضي. ولا بد للمرء أن يدهش من اضطرار نظام جبار كامل السطوة مثل نظام عبد الناصر إلى اعتقال هذا الشاب النحيل الذي لا يملك إيذاء ذبابة، فما الذي يخيف الإمبراطور بكل جيوشه وقواته وجنوده وعتاده وأمواله والدولة التي تحت أمرته من هذا المبدع المفكر المسالم الذي لا يملك شيئاً؟
إن الإجابة شديدة البساطة بقدر ما هي شديدة الغرابة: إنه يملك الكلمة! ولقد كانت الكلمة دائماً، ومنذ البدء، وبكل هشاشتها وتجردها، بكل هلاميتها وأثيريتها، هي المناوئ الأول والمحرض المؤلف المؤرق العنيد.. ضد سيف السلطان وذهبه معاً. ففي كل عصر لا بد أن تقع المجابهة بين السيف والكلمة.. يرتفع السيف ويهوي فتقدم رأس يوحنا المعمدان على طبق، ذلك الذي قيل عنه إنه الصوت الصارخ في البرية. ويلمع السيف في الشمس فتحرق كتب ابن رشد ويُنفى شوقي ويُعتقل الجواهري ويُطارد البياتي وتُصادر كتب القصيمي. وتظل هناك دائماً كلمة ترفض أن تخرس أو تنحني أو تستحي أو تتزلف. تظل هناك دائماً كلمة ترفع رأسها بتهور وجرأة أمام سيف السلطان، تنطق بالحقيقة التي أنكرها الجميع، وتصرخ بالحق في تهور المجاذيب وسذاجة الأطفال دون مراعاة لقواعد اللعبة واللياقة والأدب الاجتماعي السائد.
فما الذي قاله صنع الله إبراهيم فقلب به موائد الاجتماعات الأنيقة على أصحابها وجعل بعض الحاضرين يبكون بالدموع خارج القاعة وهم يحاولون احتضان ذلك المارق المتهور؟
قال صنع الله: إنه قدر الكاتب العربي، فليس بوسعه أن يتجاهل ما يجري من حوله، وأن يغض الطرف عن المهانة التي تتعرض لها الأمة من المحيط إلى الخليج، عن القهر والفساد، عن العربدة الإسرائيلية والاحتلال الأمريكي، والتواطؤ المزري للأنظمة والحكومات العربية في كل ما يحدث. في هذه اللحظة التي نجتمع فيها هنا تجتاح القوات الإسرائيلية ما تبقى من الأراضي الفلسطينية وتقتل النساء الحوامل والأطفال وتشرد الآلاف، وتنفذ بدقة ومنهجية واضحة خطة لإبادة الشعب الفلسطيني وتهجيره من أرضه، ولكن العواصم العربية تستقبل زعماء إسرائيل بالأحضان، وعلى بعد خطوات أخرى يحتل السفير الأمريكي حياً بأكمله بينما ينتشر جنوده في كل ركن من أركان الوطن الذي كان عربياً.
ثم يعرج صنع الله إلى الوضع الثقافي والاجتماعي في مصر.. لم يعد لدينا مسرح أو سينما أو بحث علمي أو تعليم، لدينا فقط مهرجانات ومؤتمرات وصندوق أكاذيب.. لم تعد لدينا صناعة أو زراعة أو صحة أو عدل، تفشى الفساد والنهب ومن يعترض يتعرض للإمتهان والضرب والتعذيب. انتزعت القلة المستغلة منا الروح، الواقع مرعب، وفي ظل هذا الواقع لا يستطيع الكاتب أن يغمض عينيه أو يصمت، لا يستطيع أن يتخلى عن مسؤوليته.. كل ما أستطيع هو أن أشكر مرة أخرى أساتذتي الأجلاء الذين شرفوني باختياري للجائزة، وأعلن اعتذاري عن عدم قبولها لأنها صادرة عن حكومة لا تملك في نظري مصداقية منحها، وشكراً.
وهكذا في اختصار شديد متسق مع أسلوبه الروائي الخالي من الزخارف والحواشي، رسم صنع الله إبراهيم صورة سريعة لاهثة للإطار العبثي المزري الذي يحيط بالواقع المصري والعربي الحالي. وبهذا فقد وضع نفسه بجدارة في سلسلة الأصوات النادرة لكتاب مصريين وقفوا في شموخ خارج المهرجان المقام على أرض وطنهم. فصنع الله هو امتداد طبيعي لإيبوير الحكيم المصري القديم الذي كتب في تبكيتاته:
الرجل الفاضل يغرق في الحداد لأجل ما حدث في البلاد../ الأغراب دخلوا واستوطنوا في كل مكان../ ماذا جرى للبلاد؟/ القلب توحش والبلية عمت/ البلاد تتقلب كعجلة الخزاف والسارق صار هو الثري/ الرجال قليلون وحفارو القبور منهمكون في الحفر/ البلاد البعيدة قد غزت مصر والأجانب دخلوها فلم تعد ترى مصريين في أي مكان/ اختفت الضحكات.. إنها الفجيعة تمشي وحدها على الأرض/ القبور انكسرت ونهبت ومومياوات الملوك داسها اللصوص/ والبلاد تركت وحيدة لحزنها/ كحقل أجرد بعد الحصاد/ حصون الشمال صارت طرقاً منهوبة/ ماذا يفعل الإنسان.. المكان المقدس ينتمي الآن لمن لا يعرفونه كما كان منتمياً بالأمس لأصحابه/ لقد حدث ما لم يحدث من قبل قط.
لا نعرف ماذا كان مصير الحكيم المصري القديم إيبوير، ولعل سلطان زمانه من الأغراب الذين احتلوا بلده قد ألقوا به في غياهب السجون كما فعل النظام الناصري بصنع الله. لعلهم قضوا عليه، ولكنهم لم يستطيعوا قتل كلماته التي تركها، ليس لبني وطنه فقط بل للعالم أجمع وعلى مدى الزمن، فقد ترجمتها من كتاب بالإنكليزية اسمه أجنحة الصقر لجوزيف كاستر. وهذا هو سر قوة الكاتب وسر كلمته التي لا تموت، ومن هنا تكمن خطورتها وسطوتها، ويكمن رعب الإمبراطور منها. ومن هنا قيل إن هذا المهرجان بالذات كان مقدراً له أن يكون طقس التدجين النهائي لأحد أشرس العصاة من المثقفين المصريين، فقد كان صنع الله دائم التفرد والتوحد والرهبنة الفكرية، كان موغلاً في عزوفه عن أروقة السلطة وديكورات النظام الثقافي والسياسي المصري، لم يهرول نحو أحد من المسؤولين ولم يكن له عندهم طلب ولا حاجة، كان عزوفاً عفيفاً شفيفاً، يقول ما يؤمن به بإيجاز وبساطة وقوة، وكان معارضاً لتوجهات التطبيع والتطويع والتلميع، فلم يحضر المؤتمرات التي يحضرها الإسرائيليون متسقاً مع موقفه ضد التطبيع.
ولذلك تصور البعض أن حصوله على هذه الجائزة بمالها الوفير ستكون هي زفرة هذا العربي الأخيرة قبل ضياع ملك استقلاله وحريته التاريخية. ولكن صنع الله إبراهيم مرة أخرى تصرف بشكل متسق مع طبيعته المناوئة المتمردة ورفض قبول الجائزة من حكومة رأى أنها تفتقد المصداقية اللازمة لمنحها. وهو بهذا لا يكتفي بالاشتراط الصارم على نفسه كمثقف مهموم بقضايا وطنه المصيرية، ولكنه يقوم بالاشتراط على مانح الجائزة، فيشترط أن يكون مانح الجائزة مؤهلاً ومستحقاً لشرف منحها، وقد رأى أن الحكومة غير مستحقة ولا مؤهلة لهذا الشرف، وبالتالي لا تملك حقاً ولا مصداقية منح جائزة لمثقف مثله.
إن هذا الكبرياء الذي قد يراه البعض صلفاً وغطرسة هو ما يحصن مثل هؤلاء المثقفين المتمردين ضد الإغراءات الهائلة التي تجذبهم دائماً كأذرع أخطبوط نحو السقوط إلى القاع الذي يقيم فيه الجميع. إنه صلف فكري مطلوب ومبرر، وهو ليس صلفاً إنسانياً فالذين يعرفون الرجل يشهدون بتواضعه وبساطته وحبه للآخرين. وهذا المزيج المدهش من الصلف الفكري والتواضع والدفء الشخصي تجده في الآخرين الذين ساروا من قبل على هذا الطريق الوعر بالغ الوحشة، طريق الترفع عن ذهب السلطان وعدم إحناء الرأس تحت سيفه في نفس الوقت. وقد تبوأ صنع الله بهذا الرفض الجهوري لذهب المعزّ نفس المكانة التي سبقه إليها في الوجدان المصري صعلوك شاعر متمرد آخر هو أحمد فؤاد نجم.
فكما رسم وشجب صنع الله إبراهيم الفساد والواقع المرعب والأكاذيب والامتهان والضرب والتعذيب والانحناء أمام الأجنبي.. غنى من قبله أحمد فؤاد نجم على نفس الموال قائلاً: البلد مش عايزة قاعدة.. البلد عايزة المجاهدة.. باللسان وبالإيدين.. كلنا ومن غير معاهدة.. علينا دين.. يكبسونا.. يحبسونا يضربونا كرباجين.. البلد سامعة وشاهدة.. وكل خرم قصاده عين.
ويصف نجم ذلك الانفصام بين أهل السلطان والمجد وأهل الصعلكة والفن والفكر قائلاً: هما مين واحنا مين.. هما الأمراء والسلاطين.. هما المال والحكم معاهم.. واحنا الفقرا المحكومين.. حزر فزر شغل مخك.. مين فينا بيحكم مين؟
وهو سؤال وجيه فعلاً، أجاب عليه صنع الله إبراهيم حين رفض ذهب المعز.. إذ إنه برفضه لهذه الثروة التي يمكن أن يعيش بها المواطن المصري البسيط لسنوات عديدة، أثبت أنه حر طليق لا يحتاج إلى ما تتفضل عليه الحكومة التي تصر على التحكم في كل صغيرة وكبيرة من حياة المواطنين، والتي أراد المثقف المصري ألا يكون هو الآخر تحت عباءتها الواسعة الخانقة. فالحكومة تحكمه بمنحها للجائزة، وهو يحكمها برفضه للجائزة.. حزر فزر شغل مخك.. مين فينا بيحكم مين؟
وفي كلمات الحكيم المصري إيبوير، كما في كلمات نجم، كما في كلمات صنع الله، نجد دائماً الانتماء العاصف الحميم المفجع للوطن وللأرض ولمصر وللمصريين.. يحزن صنع الله كيف أصبح السفير الأمريكي يحتل حياً كاملاً من أحياء القاهرة بينما جنوده في كل مكان في الوطن الذي كان عربياً.. لا يحتاج صنع الله أن يجاهر بحبه لمصر إذ يقدم لك الصور البسيطة المدوية الواقعية لتتحدث بدلاً عنه.
إنه نفس الاعتصار الروحي الذي كان يشمل الحكيم إيبوير عند رؤيته للأجانب في كل مكان في وطنه.. وكلما ازداد طغيان وعدوان الأجنبي أو الحاكم عليه، كلما اشتد المثقف التصاقاً بجسد الوطن وأرضه وازداد ولهاً به.. يقول نجم: ممنوع من السفر.. ممنوع من الغنا.. ممنوع من الكلام.. ممنوع من الاشتياق.. ممنوع من الاستياء.. ممنوع من الابتسام.. وكل يوم في حبك تزيد الممنوعات.. وكل يوم باحبك أكثر من اللي فات.
يمثل صنع الله إبراهيم، كما يمثل أحمد فؤاد نجم، وقلة أخرى أصبحت نادرة حقاً من المثقفين في مصر، يمثل الدور الحقيقي للمثقف تجاه وطنه وتجاه نفسه. فالمثقف الحقيقي لا بد أن يقف كالسلطة الرابعة في مواجهة كافة السلطات الفعلية في البلاد. والسلطة الرابعة التي تطلق عادة على الصحافة، هي بشكل أوسع سلطة الفكر وسلطة الكلمة. وفي مصر لا توجد سلطة رابعة بالمعنى الحقيقي، فالصحافة الأساسية في مصر يملكها النظام جسداً وروحاً.
ولا يقوم بالنقد والاعتراض والكشف والملاحقة سوى صحف المعارضة وبعض الصحف الخاصة، وهذه توزيعها محدود جداً وتأثيرها غير واسع.
وفي غياب سلطة الصحافة يصبح دور المثقف أكثر ثقلاً وفداحة، وتؤول إليه وحده في النهاية مسؤولية المحافظة على شرف الكلمة التي كانت في البدء. ويهرع كثير من الكتاب في مصر اليوم إلى وظائفهم في صحافة الدولة، ويهرع البعض الآخر إلى صحف متخصصة يهرب فيها بالرجوع إلى الماضي السلفي أو الدوران في دائرة طائفية أو مذهبية ضيقة، أو يحتمي في أخرى بعنفوان الشعارات المدوية فاقدة الفاعلية، أو يفرج عن كتبه في أخرى بالنباح والصراخ وإلقاء الشتائم ضد الأهداف الآمنة المسموح بشتيمتها.. ولا ينتج عن هذا كله في مصر اليوم سوى تلوث سمعي وبصري وفكري يؤذي الآذان ويعود العيون على التحديق في القبح دون قدرة على إحداث أي تغيير لا في النظام ولا في الفكر ولا في الواقع.
في هذا الواقع المرعب بتعبير صنع الله، كيف كان يمكن للمثقف الجاد أن يشارك في اللعبة الهزلية والمسرحية الفجة بقبول جائزة على مسرح وفي قاعة احتفالات رسمية وقورة وكأن الحال في مصر على ما يرام والعالم العربي ليس في طريق المهرول كحجر يتدحرج نحو الهاوية؟
إن المبدع الأصيل ـ مثل صنع الله إبراهيم ـ لا يملك إلا أن يقف من النظام ـ أي نظام وكل نظام ـ موقف المعارض ليس فقط سياسياً ومنهجياً وذوقياً، بل أيضاً المعارض حضارياً وإبداعياً. إن دوره هو أن يدمر الحاضر الخامل المريض ليؤسس ما هو أكثر جمالاً ونبلاً وإنسانية. دوره هو أن يرفض الخضوع والمجاملة والمبايعة، وأن يظل واقفاً وحده خارج الحظيرة وخارج قاعة الاحتفالات والتشريفات والمهرجانات. فليكتب الكتبة الصغار في مدح السلطان العربي أو السلطان الأمريكي أو أي وكل سلطان آخر، وليظل المبدع الحقيقي وحده الذي يفسد الحفل على الجميع عندما يقول للسلطان كما قال يوحنا المعمدان: هذا لا يحل لك! وكما قال صنع الله للحكومة إنها لا تملك مصداقية منح جائزة للمثقفين الحقيقيين.. فإن لم يرفع صوته هو بأن الإمبراطور عريان، فمن سينطق بهذه الحقيقة إذن؟