نورا ناجي: رواياتي إنسانية لا نسائية.. والأديب الجيد هو من يحترم ذكاء القارئ

nora nagy
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حاورها: صبري الموجي

تحمل همّ العالم فوق رأسها، وتسعى لحل مشكلاته عبر أعمالها. ترى أنّ الكتابة هي سبيل الخلاص من علل النفس. رواياتها صرخة في وجه الظلم والقهر والتهميش للإنسان بصفة عامة وللمرأة بالأخص، تؤكد أنّ الحزن هو جسر الوصول للسعادة المنشودة. أعمالها تُثبت أنّ الإبداع ليس بالسنّ، ولكن بالكيف والإخلاص للفن.

تخرجتْ في كلية الفنون الجميلة، وشغفتْ بالأدب، فصدرتْ لها روايات تدمغ بموهبتها، كانت “بانا” أولى رواياتها، ثم “الجدار” فـ”بنات الباشا”، التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة ساويرس فرع شباب الأدباء 2018م، ثم “أطياف كاميليا”، الفائزة بجائزة يحيى حقي ٢٠٢٠م، وكتاب “الكاتبات والوحدة”. لها أيضا مجموعة قصصية بعنوان ” مثل الأفلام الساذجة”، التي حصلت على جائزة الدولة التشجيعية ٢٠٢٣م، كما كتبت رواية  “سنوات الجري في المكان”، وكانت ” بيت الجاز” آخر أعمالها الروائية. مع الروائية نورا ناجي يدور هذا الحوار.

في نصٍ ثري مُفعم بالحيوية والبراح الروائي، تغوص رواية “بنات الباشا” في عوالمَ مسكوتٍ عنها، وتُدوي فيها صرخةُ رفض قمع وتهميش المرأة.. فهل يمكن اعتبارها نوعا من البوح النسائي؟

لا أفهم تعبير البوح النسائي، ولا أعتقد أنه تعبير حقيقي في عالم الأدب، يمكن أن نقول إنها رواية نسوية مثلا، أنا أعتقد ذلك، لأنّ أيّ رواية تناقش قضايا المرأة اصطلح النقاد على تسميتها بـ”الرواية النسوية”، وسواء كنتُ أقبل التصنيف أو لا، أنا لا أجد غضاضة فيه، وأرى أنّ كلّ الروايات التي تتناول مثل هذه القضايا سواء لكاتب أو كاتبة، وتنصف المرأة بشكل أو بآخر هي رواية نسوية كما يفضلون أن يصنفوها.

لكن في نفس الوقت، الروايات جميعها روايات إنسانية، تنتصر للإنسان الضعيف والمهمش، والذي لا يزال يعاني، اخترت لبنات الباشا إطار الرواية (البورتريه)، والتي تعني أنّ كل شخصية تبوح وتحكي قصتها بضمير الأنا، ومن هنا يأتي الشعور بالبوح والاعتراف، خاصة والقصص كلها تتناول موضوعات حساسة في حياة المرأة مثل الختان، الخيانة والقهر والغربة والتهميش.

  من منطلق أنّ “بنات الباشا”، تُندد بالقهر الأنثوي والتهميش.. فهل أنت من القائلين بذكورية المجتمع؟

أنا لا أحمل شعارات معينة، أنا فقط أكتب القصص، وعلى كلّ قارئ أن يفسرها كما يرى ويشعر ويفهم، فليس على الكاتب أن يجعجع بشعارات مفخمة وكلمات رنانة، عليه أن ينقل رؤيته، وأسئلته حول العالم والحياة والخير والشرّ، ويترك للقارئ التفكير وربما الوصول لإجابات.

  في رواية “أطياف كاميليا” يُقرأ من بين السطور أنها ثورة على المثالية الزائفة، التي تُطالب المرأة بأن تكون مَلاكا وتنسى أنها بشرٌ له وعليه.. مدي تأييدك لهذا الفهم؟

أؤيده بشكل كبير، فالرواية تتناول الصور المزيفة بكلّ أشكالها، الصور الثابتة التي لا نعرف ما خلفها، الصورة التي يريدها الجميع أن تظهر شكليا، إنها الحياة المزيفة على السطح، التعاسة التي نغرق فيها من أجل إرضاء الجميع.

 “سنوات الجري في المكان” عملٌ روائي يشيد بمنجزات ثورة يناير أم أنه يبكي نتائجها؟

يمكن أن نقول إنه الاثنان معا، كلُّ حدث كبير يجب تناوله بحذر وحساسية في الأدب، يجب على الكاتب كذلك أن يكون محايدا، وأن ينقل العيوب والمحاسن، أنا أعتبر الأدب وثيقة تاريخية ليس للأحداث بقدر ما هي للإنسان. في تلك الأحداث أوضح كيف كانت مشاعر الأشخاص، وكيف تعامل الإنسان مع الأمر الضخم؟! هذه الرواية، هي محاولتي للبحث في أعماق جيلي، الجيل الذي حوصر بين ثورة وجائحة، وعاش أياما صعبة.

 “الكاتبات والوحدة” نوعٌ من الأدب النسوي الصميم الرافض لقهر المرأة وتقليص دورها.. فأيّ قهر تعانيه المرأة برغم ارتفاع سقف الحرية وما حدود الحرية المنشودة للمرأة؟

“الكاتبات والوحدة” هو مجموعة من المقالات التي تتناول حيوات كاتبات عربيات وغربيات، ويتخلل تلك المقالات نصوصٌ ذاتية عن حياتي ومدى تماسي أنا معها. للأسف كلما ارتفع سقف الحرية الفكرية للمرأة، زادت معاناتها، لأنّ وعيها يجعلها تشعر بأنّ حقوقها منتقصة، حساسية الكاتبات تجعلهن قادرات على تمييز القهر والكبت والتهميش، وهذا يزيد من محاولاتهن للتمرد، الأمر الذي لا يجعل حياتهن سعيدة إلى هذا الحد.

  انتشار أعمالك مرجعه بجانب إخلاصك للفن إلى المباشَرة في الكتابة أم ماذا.. وهل أنت من مؤيدي (الإلغاز) لإعمال ذهن القارئ أم الرافضين له؟

أعتقد أنني بالفعل مخلصة لعملي، الإخلاص في الأدب لا يتطلب أن ينعزل الكاتب، ويقبل بتهميشه، كما كانوا يقولون قديماً، بالعكس من ضمن الإخلاص في العمل أن ترفع سقف طموحاتك، وأن تطارد أحلامك، وتسعى لتحقيقها. أرى الانعزال وفكرة “الرهبنة” الأدبية عتيقة، ولا تناسب العصر، وعلى الفنان أن يتطور طبقا لمتغيرات عصره، هذا هو الإخلاص الحقيقي للأدب، ولمهمتك في محاولة تفسير العالم، أو تقديم ولو فكرة واحدة لقارئ واحد تسهم في تغيير حياته.

وأؤكد أنني من مؤيدي احترام ذكاء القارئ، فلا يجب أن أمنحه كلّ شيء بالملعقة، قديماً كانت الكتب تتناول كلّ شيء بالوصف الكثير والإسهاب، مثلاً وصف مكان أو ملابس وملامح شخصية إلخ، اليوم لا داعي للكثير من الوصف، لدينا كل ما يلزم لمنح القارئ صوراً بصرية، هو بالتأكيد يعلم مثلاً شكل ميدان التحرير، فلا داعي لوصفه في 6 صفحات، كذلك، تميل الرواية الحداثية إلى نقل المشاعر الداخلية للشخصيات أكثر من مجرد تناولها سطحيا، وعلى الكاتب أن يمتلك تلك الرهافة، نقل المشاعر بتكثيف وإتقان.

مثل الأفلام الساذجة” مجموعة قصصية تنشد ترميم الشقوق في جدار الزمن، وتكشف كثيرا من عوالمنا الداخلية.. سر التحول للقصة برغم بزوغ نجمك في عالم الرواية؟

أحبُّ تجربة نفسي في كافة أنواع الكتابة، كتبت هذه القصص في ورشة كتابة من 2018 إلى 2020، وأحببتها كثيراً لأنني وضعت فيها أجزاء من قلبي، أحب القصص التي تتأمل الحيوات العادية وتكشف عن طبقاتها، وهذا ما حاولت فعله.

الجدار” رواية تتخطى حدود الزمان والمكان الواحد، وتكشف آلام وآمال المرأة.. فبرأيك هل هذه الرواية مشفى نفسي وكرسي اعتراف أم أنها إخلاص للفن ليس أكثر؟

بالنسبة لي، أنقذتني كتابة رواية “الجدار” من أفكاري وأزماتي النفسية، وأحب التفكير فيها على أنها قادرة على إنقاذ من يقرأها، لكن لا يعني ذلك أن أتجاهل الجزء الفني والمتعة في كتابة وقراءة الرواية، وأعتقد أن الجدار حققت ذلك.

بيت الجاز” آخر أعمالك التي تواصلين فيها النبش في عالم المرأة ومعاناتها كما لو كانت حقوق المرأة مشروع حياة نورا ناجي الأوحد.. فأين الرجل من إبداعك؟

الرجل موجود في كلّ الروايات، لكنّ النقاد لا ينظرون إلا إلى ما يريدونه فقط، شخصيات الرجال في رواياتي كافة تظهر بشكل إنساني مثل الشخصيات النسائية، لا يوجد أبيض أو أسود في الأدب ويمكن بالتأكيد أن أكتب روايات بلسان الرجل مثل ” سنوات الجري في المكان”، الأمر يعتمد فقط على الحبكة والمتطلبات الدرامية.

  وماذا تمثل لك الجوائز وتحويل رواياتك لأعمال سينمائية؟

تعني لي الجوائز كما تعني للجميع، أنها تسعدني كثيرا وأتمناها، لأنها شهادة تقدير ودفعة إلى الأمام معنوياً ومادياً، أمّا تحويل رواياتي لأعمال سينمائية فهو شيء عزيزٌ ومُفرح، لا أسعى له لكني أسعد به.

 

مقالات من نفس القسم