محمد العبادي
“ألستم مستمتعون؟! ألستم مستمتعون؟!…” ربما يصلح هذا السؤال الذي صرخ بيه ماكسيموس (راسل كرو) في وجه جمهور حلبة القتال في فيلم المصارع الأصلي كمدخل للحديث عن هذا الفيلم الجديد.. “المصارع2”.. يقدمه لنا ريدلي سكوت بعد مضي حوالي ربع قرن على الفيلم الأصلي.. يبدو أن الفيلم الجديد يهدف لنفس ما كان يهدف له جمهور الكولوسيوم وحلبات المصارعة أيام الرومان: المتعة.. أو لنقل بتعبير أدق: التسلية.
فالسينما بالنسبة لصناعها الأمريكان أصبحت تقوم بنفس دور الحلبة الرومانية: التسلية الغارقة في العنف والدم، بالنسبة لهم الجمهور الحالي لا يختلف ذوقه كثيرا عن ذوق الجمهور الروماني الذي أحاط بالحلبة منذ حوالي ألفي عام وصرخ في متعة وهو يشاهد المصارعين وهم يقتلون بعضهم بعضا والوحوش وهي تفترس العبيد أمام الأعين النهمة لسادتهم، ربما هذا الامتداد للذوق الدموي ليس صدفة، فصناع التسلية في العالم المعاصر عمدوا إلى توجيه الذوق العام في اتجاه حب الدم واستمراء العنف، بل والمفارقة أنهم استكملوا مهمتهم باستنساخ العنصر الثاني في الذوق الروماني، حين وجهوا الذوق المعاصر تجاه العري وتصوير الجنس الصريح بمختلف أشكاله!
انها نفس الحيلة المفضلة في السينما الأمريكية دوما: لنصنع المزيد… بعد عدة محاولات لاستغلال نجاح “المصارع” وعمل جزء ثان منه عبر سنوات، يعود “سكوت” الآن ليبحث في دفاتره القديمة ليقدم لنا هذه التكملة – أو لنقل الإعادة – لفيلمه الروماني البارز.. لكن لا يجب أن نقسو على السير ريدلي سكوت، فعلى الأقل يحسب له إنجاز نجاحه في عمل فيلم مسلي هذه المرة.. بعد فيلمه السابق عن نابليون الذي افتقر حتى للتسلية البسيطة.
لكن هل النجاح في التسلية هو أقصى طموح هذا الفيلم؟ ربما، لأنه رغم مرور ربع قرن بين الفيلم الأصلي وتكملته.. فإن الفيلم الجديد لم يستطع أن يكون أكثر تميزا على أي مستوى، بينما كان الفيلم الأصلي فيلما طموحا قدم مستوى مغايرا للأفلام التاريخية ونجح في إعادة إحياء نوع أفلام “السيف والصندل” بعد انطفائها منذ الستينات، فإن الفيلم الجديد ليس سوى فيلم أكشن تقليدي.. لكن في العباءة الرومانية.
السيناريو هنا كعادة الأجزاء التالية الأمريكية: مجرد إعادة لسيناريو الفيلم الأصلي لكن مع نسخ الشخصيات والأحداث بشكل أكثر سطحية وأقل تماسكا وجودة، تكررت شخصية لوسيلا (كوني ويلسون) في الفيلمين، أما باقي الشخصيات والأحداث فتم نسخها، فجاء لوشيوس بديلا لماكسيموس، ماكرينوس بديلا لبروكسيمو، أما كومودوس فقرر المخرج “فكه” لشخصيتين : جيتا وكاراكالا!
لكن ربما يجب أن نكون ممتنين لهذا السيناريو رغم كل عيوبه، لأن إحدى المحاولات السابقة لعمل جزء ثان من “المصارع” كانت تتضمن عودة ماكسيموس شخصيا من العالم الآخر!
باستثناء دنزل واشنطن الذي حصل على إعجاب نقدي وجماهيري عن دور ماكرينوس، ومن المتوقع أن يحصل على عديد من الترشيحات لجوائز الممثل المساعد، باستثناء واشنطن الاستثنائي لم ينجح أحد من مجموعة التمثيل في التفوق على الجزء الأول، بول مسكال في دور لوشيوس ظلمه الدور أو ربما ظلمه صناع الفيلم حينما وضعوه في مقارنة مباشرة مع أداء راسل كرو في دور ماكسيموس.. واحد من أحسن الاداءات في مسيرة الممثل النيوزلندي.. بل والاداء الذي حصل عنه عن أوسكاره الوحيد!
حتى كوني ويلسون التي حصلت على مساحة أكبر لدور لوسيلا فشلت في التفوق على نفسها!، بيدرو باسكال أدى دوره بشكل احترافي، لكن يبقى مجرد جنرال روماني.. وربما وقع أيضا في أسر أداء كرو كجنرال ماكسيموس في الثلث الأول من الفيلم الأصلي.
أما عن أداء جوزيف كوين وفريد هيشنجر في دور الإمبراطورين جيتا وكاراكالا.. أو لنقل دور (كومودوس مقسوما على إثنين) فحدث ولا حرج.. هل يمكن التماس العذر لسكوت بسبب اعتذار باري كوجان عن دور جيتا؟.. لا أظن.. فالمشكلة ليست في الأداء بقدر ما كانت في الكتابة الضحلة لشخصيات الفيلم ككل.
بالمناسبة.. يجب أن نذكر أن أداء واكين فونيكس لدور كومودوس كان تحديا خاصا،حيث سبقه ممثل بحجم كريستوفر بلامر لأداء نفس الشخصية في الفيلم الكلاسيكي “سقوط الإمبراطورية الرومانية”.
على مستوى الصورة جاء تصوير جون ماثيسون متميزا (نفس مدير تصوير الفيلم الأصلي) واستفادت المؤثرات الخاصة من التطور الكبير الذي حدث في تقنيات المؤثرات الحاسوبية منذ ظهور الفيلم الأصلي.. فجاءت بشكل مبهر.
نجحت المؤثرات الخاصة في زيادة نسبة التسلية والإبهار في مشاهد الحلبة والمعارك، لكن جاءت هذه المشاهد نفسها مبالغا فيها جدا، بدا ريدلي سكوت هنا عازما بكل قوته في أن يتجاوز هذا الفيلم سابقه على مستوى الإبهار، لكن وصل به الإبهار إلى أقصى درجات المبالغة.. أسماك قرش تسبح في حلبة الكولوسيوم؟!.. حقا؟!!
في محاولته لعمل فيلم “مصارع” جديد.. لم يختلف ريدلي سكوت كثيرا عن سلفه الروماني تاجر العبيد وقائد المصارعين الذي كان يقدم لجمهوره العنف والدم.. ربما الفرق بين سكوت في زمننا وبروكسيمو أو ماكرينوس أن القتل الدموي في الحلبة كان حقيقيا على رؤوس الأشهاد.. أما القتل الذي قدمه سكوت فكان مزيفا وضحلا.. كحال السينما الأمريكية الآن.
…………………..
*نقلا عن “مجلة إبداع”. مايو 2025