كلمة حول إبداعات د. سارة حامد حواس

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

د. أحمد علي منصور

كثيرٌ هو الكلام الذي يمكن أن يُقال عن الأعمال الإبداعية الأخيرة للشاعرة والمترجمة الأكاديمية والمبدعة الدكتورة سارة حامد حوّاس، وأخص بالذكر ما أتيح لي من عمليها الأخيرين (ولاؤهم للروح)، و(ثقب المفتاح لا يرى). ولأن المقام لا يتسع فأكتفي ببعض الإشارات الأولية كمداخل للقراءة والغوص في هذين السفرين الجليلين بحق. أولاً أنا على قناعة تامة بأن الكتابين إضافة حقيقة ومهمة للمكتبة العربية الفقيرة حقًّا في هذا المجال؛ وهو ترجمة الشعر، وخصوصًا الشعر الأمريكي وأجياله المتعاقبة منذ قرنين من الزمان، ولا أحد يعلم عنهم شيئًا. فنحن في المشرق العربي منفصلون عن الأدب العالمي؛ فإن ادَّعينا عِلمًا به فالحقيقة أننا نعرف عنه القشور. كما أننا لن نعرف مواطئ أقدامنا من الإبداع العالمي المتجدد، إلا إذا تابعنا ماذا يكتب الآخر، وأين نحن منه، وأين هو منا. وهذا من بين الجوانب التي تجعل لأعمال د سارة حواس قيمة كبيرة؛ لأنها سدت الفقر في هذا المجال، وباقتدارٍ في الترجمة (العلمية الإبداعية في آن واحد)، أعني التي راعت الفروق بين ما هو في الترجمة عِلمٌ، وما هو مِنها فَنّ. وإن غَلبَت الرؤيةُ الشعريةُ الفنيةُ الإبداعيةُ –بالطبع- على المنهج العلمي في الترجمة، بحيث قدمت شعرًا نابضًا حيًّا، كأنها هي التي ألَّفَت هذه النصوص، وليس الشعراء أصحاب النصوص الأصلية. هي حافظت على جوهر النصوص المترجمة، لكنها -قبل كل شيء- وضعت بصمة روحها وحسها الشعري بالغ الرهافة داخل النصوص، فتوحدت بها، وأعادت بثَّها بِلُغَةٍ شعريةٍ آسِرةٍ، بسيطةٍ وعميقةٍ في آنٍ، بأدواتٍ فنية مُكتملة تضع د. حوّاس بين كبار المترجمين المعاصرين، دون مبالغة، فأنا حريص على ما أثبت من أحكام. ولِمَنْ يُريد الإنصافَ أن يُعايِن منهج تشكيل مادَّة الكُتب (مِن نصوص وسِيَرٍ للشعراء، ومُقدّمات  مِفتاحِيَّة رصينة)، ثم يقارن المُحصِّلةَ كلَّها بِالمطروح في هذا المجال؛ لِيَجد ما في هذين السفرين من تمايز واختلاف فارق، وعبقرية وجهد كبير مخلص لتقديم مادة تستحق البقاء، وتضيف الكثير لِلرُّؤى الشعرية المُتجدِّدة التي يَتُوقُ لها المبدعون والنقَّاد والقرَّاء. وأجمل في الكتابين أنهما لجميع الشرائح من المُتلقين ذوي الاختِصاص وغيرهم من أصحاب الأذواق.

sara hawwas

ولا يفوتني التَّنوِيه للتجربة الجديدة اللافتة في هذا الإبداع؛ وهي تجربة (التحرير) التي قام بها الشاعر الفذَّ “أحمد الشَّهاوِيّ”، وأنجزَها على أعلى مستوى بِحِرَفِيَّته وخِبرته الواسعة في هذا المجال بِوَصفه صحافيًّا خبيرًا، ومُثقفًا مُطَّلعًا على الأدب العالمي. يقدّم لنا الأستاذ الشَّهاويُّ درسًا لم نعهده في نشر الإبداعات العربية؛ يتلخص في أنّ عمل المُحرِّر يُعَدُّ جزءًا أصيلاً مُكمِّلاً ومُتمِّمًا لعمل المُبدع، وشريكًا كاملاً له في نِتاجِه، دون أن يُصادِر ذلك قيمةَ ما أنجزه المُؤلِّف. فهناك حُدود فاصلة معلومة لصالح المُبدع الذي يُنسب إليه الكتابُ، لكنّ الدكتورة سارة حوّاس، الأمينة والمخلصة، الصادقة المتخلصة مِن العُقَدِ والغِيرَةِ، وغَريزَةِ الاستِحواذِ، كانت حريصةً على إبراز دور شاعرنا الكبير، ولم تتنكر لجهده لِتقطف وحدَها ثمار النجاح. وهو ما رفع مقامها ولم يقلل من جهدها وبصمتها الإبداعية العبقرية، بل كانت استعانتها بالمحرر الأستاذ، الذي ناصفها قيمة هذا الإبداع (فيما وراء الكواليس)- هي مِمَّا عكس نجاحها وفطنتها السَّوِيَّة الذكِيَّة؛ لأن المبدع الناجح هو من يعرف كيف يُحرِّر كتابه ليعلو ويُحلِّق؛ وإلاَّ فعليه أنْ يستعين بِمُحرِّرٍ خبيرٍ بهذا الفَنّ/ العِلْم الدقيق. لكنْ لا أظنُّ بِوُسع الجميع أن يفعل ذلك ثم يحقق نجاحًا مؤكدًا مستحقًا، إلاَّ إذا كان مُحرِّرُهُ هو الأستاذ القدير “أحمد الشهاوي”.

………………………

* لغوي، وشاعر وناقد

مقالات من نفس القسم