أحمد رحيمة
كنت مع الأستاذ يسري نصر الله في الطريق إلى مهرجان المنيا للأفلام القصيرة 2025، نتكلم عن الأفلام والكتب، ثم قلت وسط الكلام:
“كلك شباب والله يا أستاذ يسري.”
فقال:
“يا عم احنا كبرنا، شباب إيه.”
ولو قضيت بضع ساعات مع الأستاذ يسري وأنت تعرف أنه فوق السبعين ستشك في نفسك، ستجد شابًا شغوفًا في العشرينات يحدثك ويتحرك معك.
قلت:
“انت بتقول ايه يا أستاذ يسري انت بتتحرك وبتروح وتيجي وبتـ-…”
كدت أبدأ في سرد مونولوج يؤكد له كيف أتابعه وأشاهد كل لقاءاته وأتعلم منه كيف أحافظ مثله على تلك الروح الشابة، ولكنه قاطعني بجملةٍ قالها بنبرة مشتعلة تؤكد لي كل ذلك قبل أن أقوله:
“ليه يعني وأنا عشان كبير لازم أكح وأتني ضهري وأمشي بعكاز!”
وضحكنا.
وفي ندوته في المهرجان، سألَتْه آنسة تجلس خلفي لماذا لا تستطيع أن تحدد صوتًا واحدًا ليسري نصر الله بعدما شاهدت كل أفلامه، ولا تستطيع أن تمسك شخصيته من فرط تنوع أعماله وكيف أنه يلعب بكل الألوان. سألته ما هو اتجاهه أو طريقه في الإخراج.
كانت إجابته: أنا أحترم الشخصيات.
سمعتُ ذلك وتأكدتُ من سبب ولعي به. ما قاله هو اختياري الشخصي أنا أيضًا في طريق الفن والكتابة. لا أريد أن أعبر عن نفسي فقط، أريد أن أعبر عن العالم وما فيه ومن فيه. وأن أكتب كل الشخصيات بصدق فتختلف أعمالي في الشكل والمضمون والأسلوب والروح، وأن ألعب بحرية لا نهائية دون أي قيود ودون أن ألتزم بصوتٍ معين، أن يكون عندي مشاريع لا مشروع واحد، وأن يقرأ القارئ العمل فلا يعرف من ذلك الذي يكتب.
قال في الندوة أيضًا إن له عدة أعمال يريد تنفيذها ولكن الإنتاج أو الرقابة يرفضونها لأسباب مختلفة. فقامت آنسة أخرى وقالت بهلع:
“لو الأستاذ يسري نصر الله بذات نفسه بيترفضله أعمال، يبقى احنا نعمل ايه؟! ده مؤشر مخيف على فداحة الوضع اللي وصلناله!”
رد عليها بكل بساطة:
“طب ما أترفض إيه المشكلة؟ ده يا ريت أترفض عشان الغرور مايخدش الواحد ويفضل كده يحاول ويزق.”
أترون ما أقصده؟ لا أبالغ ولا أجامله حين أقول إني أنظر إليه وأتعلم كيف أظل صغيرًا. يؤكد لي أن العمر مسألة اختيار شخصي. ليس له أدنى علاقة بالزمن ولا بالرقم. بالرغبة والقرار الواعي يحافظ الفنان على قلبه حيًا.