إسلام وحداثة: حوار مع عبد الوهاب المؤدب

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أجرى الحوار: يوسف آيت أقديم

ترجمة: الحسن علاج

نيتشوي ونصير للتفلسف قرعا بالمطرقة، يعيد عبد الوهاب المؤدب الكرة مع بحث سجالي جديد: خروج من اللعنة. الإسلام بين التحضر والتوحش (دار نشر سوي، يناير 2008). كتاب يضطلع فيه المثقف التونسي الناطق بالفرنسية بخطاب لائكي وموسوعي.

ننشر هذا الحوار بترخيص من المجلة الأسبوعية تيل كيل Tel Quel) (.

سؤال الموقع: nonfiction.fr) (: نشرتم خروج من اللعنة. لماذا كتاب جديد حول الإسلام؟

عبد الوهاب المؤدب: هذا الكتاب هو الجزء الرابع من الرباعية التي افتتحت في سنة 2002 بكتاب مرض الإسلام ؛ ولحق به كتابان آخران، في مواجهة الإسلام وضد المواعظ. يظل الهدف النقدي هو ذاته، غير أن الموضوع وزاوية الهجوم قد يتغيران. يمتلك الكتابان الأخيران للرباعية (ضد المواعظ وخروج من اللعنة) رابطة واضحة مع الأحداث الراهنة: إن أزمة الدول المنتسبة إلى الإسلام واضحة للعيان.

سؤال الموقع: لقد حان الوقت لتقديم اقتراحات؟

عبد الوهاب المؤدب: مع هذا الكتاب الأخير ثمة إرادة لختم سلسلة. يتعلق الأمر بأن يتم على الفور إيجاد حلول. فقد قدمت مجموعة من البراهين حول الإشكاليات الأربع الكبرى: أولا، العلاقة مع القانون (الإلهي والوضعي)، ثم العنف الذي يتم باسم الله، وأخيرا، مسألة الغيرية التي تمت معالجتها بشكل مضاعف، مع العلاقة بالمرأة وبالأجنبي. أرقتني هذه المسألة أثناء إقامتي بمصر، قبل اعتداءات الأقصر. فقد صدمت بخطاب عديم الإحساس بالمسؤولية، يرد الشر إلى الأجنبي وهو ماثل في الذات. فالإرهاب الذي يتخذ الأجنبي كهدف يبدو مثل معبر إلى عمل خطاب كاره للأجانب يتمتع بأغلبية السكان.

سؤال الموقع: أينبغي إذن رد كل شيء إلى الإسلام؟

عبد الوهاب المؤدب: كان الإسلام، قبل قدوم الحداثة الغربية، حاملا للتقدم الاجتماعي والسياسي. فقد اعتبرت الذمية (ملاحظة التحرير: مقايضة الحماية السياسية والقانونية الممنوحة لليهود على أرض الإسلام بدفع الجزية) من أهون الشرور من أجل الاعتراف بالآخر. إن ذلك شكل من أشكال التسامح كان معترفا به حتى فولتير ولوك. وفي الفترة ذاتها كان المذهب الكاثوليكي أكثر تعصبا. ثم إن كل الأحكام القانونية التي يتضمنها القرآن تشكل تقدما إذا ما قورنت بالتوراة: النساء يرثن، فهن يمتلكن وضعا قانونيا. إن مشكلة الإسلام، تتمثل في أن كل ذلك التقدم أصبح مبعثا على السخرية مع القطيعة التي تمت مع الحداثة.

سؤال الموقع: كيف تفسرون أن مفهوم الحرية ظل غريبا بشكل كبير عن الفكر الإسلامي؟

عبد الوهاب المؤدب: عملت الحداثة الغربية على بعث موضوع قانوني مستقل، مشيد في الآن نفسه على المساواة والحرية. ويعتبر مفهوم الحرية، في التشريع الإسلامي الغائب الأكبر. وبإمكان المرء أن يفهم أنه تاريخيا، تم تفوق المشترك على الفردي. فمنذ عهد قريب، نشرت المملكة العربية السعودية وثيقة سجالية بشكل علني، تنقض المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المادة التي تنادي بحرية المعتقد. في ما وراء الاستدلال الحشوي الذي يشجع هذا النقد السخيف، فإن النقطة العمياء لاستدلاله تسكن ذلك الذي يعرض مفهوم الحرية للخطر. لاحظ كل من جمال الدين بن الشيخ وأندريه مايكل بدقة، ضمن تفكير يمتلك صوتين حول الأصداء بين الإسلام وأوروبا، أن السؤال الوحيد الذي ظل مهملا هو سؤال الحرية. فلا أحد يشك، بأن مفهوم الحرية يعتبر مفهوما حديثا تماما ظل مجهولا في الفكر التقليدي.

سؤال الموقع: هل كان ينبغي حينئذ التخلص من الإسلام لأنه لم يصب بصدمة الحداثة؟

عبد الوهاب المؤدب: ما يراهن عليه كتابي لم يفهم ربما على الوجه الأكمل. إن أصدقائي من أصول مسيحية أو يهودية، وفي أسوأ الحالات، في ما بعد المسيحية أو ما بعد اليهودية. فمن أجل أن نكون حديثين، توجب علينا أن نعيش القطيعة. ثم إن هذه الأخيرة لا تعني التخلص من التقليد، إنه فن قائم الذات يديمه حوار ودي مع بقية هذا التقليد بعد خيانته. بالإمكان القول أني أتفحص بدقة كل ما يأتيني من الإسلام ثم إني أتخلص من كل ما لا يتفق مع ما أرغب فيه في العصر الذي أنتمي إليه. فما يتبقى من هذا البحث قد يبدو لي مثمرا جدا.

سؤال الموقع: لقد دعوتم بالضبط، في دراستكم الأخيرة، إلى التخلي عن الشريعة…

عبد الوهاب المؤدب: يتعلق الأمر بالقانون، يوظف الإسلاميون الشريعة توظيفا سياسيا، والتي أصبحت بالنسبة إليهم علامة إيديولوجية. إنهم يعملون على ضخ قوة قانونية لا وجود لها في القرآن. فعلى سبيل المثال، فإن القانون التجاري في العربية السعودية الوهابية يعتبر في الواقع قانونا أمريكيا تماما، غير أنه يغلف بشكل منظم بمرجعية دينية. لا حظوا نفاق المالية والبنك الإسلاميين…

سؤال الموقع: هل ينبغي التخلي عن الشريعة لأنها قديمة، غير عادلة أو لأنها مرائية فقط؟

عبد الوهاب المؤدب: يقر الفلاسفة ومؤرخو القانون بأن 80 % من القانون القديم لا أساس قانوني لها. إن الارتباط بقانون معين يصدر عن إيديولوجيا هوياتية، تلك التي ترغب في أن تصاغ في التمييز. وفضلا عن ذلك، فإن هذه العتاقة القانونية (التي تتوافق مع حالة أنثروبولوجية بطريركية) قد تكون ذات صلة بالجزيرة العربية، وليست إطلاقا تخص أغلبية المغاربيين.

سؤال الموقع: هل يتوجب التخلي عن الشريعة أن يبتدئ بالدساتير؟ وفي الواقع، أليست الحقوق الفردية حقوقا لائكية؟

عبد الوهاب المؤدب: بشكل عام، فإن ذلك لم يتم إنجازه على أحسن ما ينبغي له أن يكون. لا بد من الاعتراف بالحقوق الخصوصية (قانون الشغل، قانون التجارة الدولية) بوصفها حقوقا حديثة. وفي نفس الوقت، فإن دساتير غالبية الدول ذات الثقافة الإسلامية لا زالت تعمل بالقانون الإسلامي. من البديهي، في الوقت الراهن، أن البناء القانوني لتلك الدول هو بناء مشوه. ثمة زمنيات متعددة متراكبة. تعتبر الزمنية الأولى عتيقة، تجد أصول القانون في الله: الشريعة. الزمنية الثانية هي زمنية مستبدة، تنتصر لقانون الأمير (وهي زمنية معاصرة لبودان وهوبز).تتعلق الزمنية الأخيرة، معاصرة، بقانون المعاملات الدولية. فأنا شخصيا، لا أعرف كيف أعبر عن تلك الزمنيات.

سؤال الموقع: هل تعتقدون أن مجاوزة الشريعة هي من عمل المشرع؟

عبد الوهاب المؤدب: إن ذلك من اختصاص رجل القانون. عندما نقوم بتشخيص للشريعة، فإن ذلك يعتبر في ذات الوقت بناء إيديولوجيا وعدادا هوياتيا. يكون المرء في قلب الهيمنة. هناك حاجة ماسة إلى نص تقني، محدد، بهدف تحديد حالة القانون، ووضع الإصبع على الفارق بين ما يتم التصريح به وبين ما هو حقيقي. ستكون المرحلة الثانية مرحلة المشرع. ما شكل هذه الدولة حيث تتعايش، داخل الشخص الواحد، زمنيات ثلاث: زمنية المدينة [ المنورة]، وزمنية القرن السابع وزمنية أخيرة، وهي زمنية معاصرة؟

سؤال الموقع: في كتابكم، تصديتم لمسألة الردة، لماذا هذا التشنج حول حرية الاعتقاد في أرض الإسلام؟

عبد الوهاب المؤدب: يعتبر الارتداد خير مثال على نفاق الشريعة. لنتصور أن القرآن هو كلام الله، فإن الحكم على المرتد موتا لا وجود له في القرآن، وهو موجود على الأرجح في الحديث النبوي، كلام بشري، حتى ولو تم شحن الصورة الرمزية للرسول من جديد. إنه يلاحظ أن الارتداد سبق وجوده في القانون الكنسي، في حقبة تاريخية معينة، وهي حقبة الاستبداد اللاهوتي بالراي. حاليا، لا يملك البابا سلطة للحكم على من يجاهر بالارتداد ـ بوصفه خطيئة تستوجب الموت ـ موتا. يوجد إذن تطور لدى الكاثوليك. بإمكان تحول معين أن يحدث في الإسلام، لا سيما وأن عقوبة المرتد بالموت تتعارض مع المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تعظم حرية الاعتقاد والاختيار الحر للديانة. ما الذي يستطيع المسلمون المستندون إلى الشريعة، فعله ضد اعتناق مسلمين للمسيحية؟ زد على ذلك فإنها موجة مدعوة لأن تتلاحق.

سؤال الموقع: ألا يعتبر هذا الاعتناق تقوية للإسلاميين، الذين يعيشونه مثل استفزاز؟

عبد الوهاب المؤدب: الواقع اليوم هو أن غير المسلمين يدخلون إلى الإسلام، ومسلمين يغادرونه. يسهم المسلمون في الواقع العالمي، إن التحول [ عن الدين ] يعتبر، والحالة هذه، لا مفكرا فيه إسلاميا. فيما يخص مسألة الردة، فقد تم العبور في المسيحية من عقوبة الموت إلى عقوبة جهنم، وهذه هي العلمانية.

سؤال الموقع: هل تتحملون قسطا من الاستفزاز في فكركم؟

عبد الوهاب المؤدب: إنها طريقتي في ذلك. وفيما يخص وجهة النظر هذه، فإن المظهر المستفز يمكن أن يكون محفزا على التفكير. إني استند إلى قولة لجاك ديريدا ” الأمانة الخائنة “.

سؤال الموقع: في كثير من الأحيان وضعت الإسلاميين إلى الأمام فكرة أنهم هم الأغلبية. ماذا تفضلون: الديموقراطية أو العلمانية؟

عبد الوهاب المؤدب: ينبغي خوض غمار معركة خلال الأيام كلها ضد هيمنة الشريعة. يعتبر العلمانيون في بلداننا أقلية. أنا أؤيد فكر المجابهة جبهة ضد جبهة. أعتقد أن كبرى المناقشات تدور بنسبة 10 % من العلمانيين ضد 10 % من الجهاديين. فإذا كان لا بد من الدخول في حرب شرسة، فإن معسكرا واحدا هو من سينتصر، ثم إن باقي المجتمع سيكون تابعا للغالب. من الضروري أن يكون المرء، بوصفه فردا، أن يكون قادرا على التصرف بحرية. افعل ما ترغب فيه، ما دمت لا تمنعني من التفكير كما أعتقد، أشرب الخمر أو أختار عقيدتي.

سؤال الموقع: هل أنتم متفائلون أو بالأحرى متشائمون؟

عبد الوهاب المؤدب: أنا من وجهة النظر هذه أصدر عن رؤية نيتشوية عميقة: يائس إيجابي. إني أرى المأساوي بداخل الإنسان. أخمن أن تفسيرا إجماليا، مجملا للإسلام ـ إن من بين الإسلاميين من يحسنون التلاعب بالكلمات لن يقروا بكونه [تفسيرا] كليا أبدا ـ يعتبر رؤية شمولية. ثم إن الإيديوليوجيات الشمولية مشيدة على مبدأ الموت. ومع ذلك، وكما هو الشأن عند الإنسان، فإن ما ينتصر هو مبدأ الحياة (ومبدأ البقاء)، فأنا متفائل.

سؤال الموقع: ومع ذلك؟

عبد الوهاب المؤدب: فالذي يتبقى لي بعد التخلص مما هو ليس حديثا في الإسلام، هو ذلك الأسلوب المتعلق بصون الطاقة الإغريقية لهموم الذات، الجمال، عبر المعمار أو الشغف بالحدائق والشعر، على سبيل المثال.في ظل تلك الشروط، سأكون مسلما ذا اختيار حر، بدلا من أن أكون[ مسلما ] عبر الإكراه أو عبر الوراثة.

…………………

عن موقع: www.nonfiction.fr

 

 

 

 

مقالات من نفس القسم