د. خالد عزب
هل للرواية سحر يشد القارئ؟، هذا التساؤل يجد له حضورا قويا في رواية “أحد عشر” للأديب أحمد القرملاوي التي صدرت عن دار ديوان للنشر. الرواية تسرد في خطين بالتوازي، واحد به أحداث مستوحاة من قصة أبناء يعقوب الأحد عشر، والآخر من شاب حصل علي منحة لكتابة نص مسرحي بينما هو يفضل كتابة رواية فهي شغفه، لكنه يضحي من أجل توفير المال لتجهيز مكتب يعتبر وجوده ومحطة انطلاق لمشروعه الابداعي، يبين له صديقه حسام طبيعة هذه المنح، كيف أن كل جهة مانحة هي جهة مستقبلة في الوقت ذاته، حتى الدول المانحة ليست سوي حكومات تسعى إلي استرضاء شعوبها عن طريق إبداء الوجه الكريم للديموقراطية، لذا فهي في حاجة إلى تقارير ومعلومات عن حجم الإنفاق المبذول والنتائج المحققة، حتي تغذي بها البرلمانات واللجان النوعية المؤولة عن سحب الثقة ومنحها للحكومات، فيستمر تدفق الأصوات في الاتجاه المرجو.
هذه الملاحظة هي ذاتها التي يسردها الراوي حول طبيعة السلطة في المدينة التي تسكن علي أطرافها قبيلة من البدو شيخهم يعقوب لديه ابنة هي داينا التي تذهب مع رفيقة لسوق المدينة، لكي تستطلع مع رفيقتها الأكبر سنا هذه المدينة التي طالما سمعت عنها، لتختفي مع الحشود وتفقد رفقة رفيقتها لتقع في يد ابن ملكها، الذي يتخذها لنفسه.
إن الخلط بين التقاليد الملكية الفرعونية والتراث الديني العراقي في الرواية أكسبها نكهة مميزة، فهل هي تعبر عن أن الأرض التي دارت فيها الرواية هي أرض تلتقي فيها الحضارة الفرعونية مع الحضارة العراقية القديمة (بلاد الشام)، وهل هذا ما يقصده المؤلف ضمنا، هذا الاستنتاج مني سأتركه للقارئ ورؤيته.
تقوم الرواية في جانب من سرديتها علي قصة يوسف وأخوته، ولكنها تذهب بنا بعيدا عن التركيز علي قصة يوسف إلي التركيز علي علاقة هؤلاء البدو بالمجتمع الحضري حولهم، وتقدم رؤيتهم للحياة وطبيعتهم وطرائق معيشتهم، ومن هنا جاءت هذه الرواية مختلفة، وتحمل تفاصيل تستحق القراءة.
إن الاستعارات المتعدده في سياق الرواية من الأساطير القديمة والوقائع التاريخية يجعل منها رواية تستدعي الماضي لكي تحضره داخل النص، حيث استطاع المؤلف أن يجعل كل هذا يتشابك ليعطينا نصا أسطوريا جديدا مستمدا من التراث.
بل إننا نري في الخط الموازي نقدا يقدمه المؤلف لذاته، وهذا ما يعكس براعة السارد، فيقول: أتساءل كيف اخترت لهذه الحكاية، ولهذه الشخصية بالذات (داينا البطلة البدوية) قالب المسرحية؟ إنه اختيار غير عقلاني علي الإطلاق، لقد حبستها في قصر لا تستطيع فيه الحديث مع الآخرين، واخترت لها قالبا فنيا يرتكز علي الحوار، أين كان عقلك يا رفيق؟ أراك تناور الآن حتي تدفع إليها بشخص تتحدث إليه، لكنها ستظل بكماء في هذا العالم الذي حبستها فيه، أما رفقة (السيدة التي رافقتها إلي المدينة) هذه فقد منحتها القدرة علي الحديث مع الغرباء، بل والسباب أحيانا كلما طفح الكيل، روبين أيضا يتاجر ويسافر هنا وهناك، فلماذا داينا بالتحديد من لا تستطيع التعبير عما يدور في خاطرها؟ كانت الرواية ستمنحها هذا الصوت المفقود، الرواية مسرح من لاصوت له، حتي الأبكم بإمكانه أن يصير بطلا روائيا).
هذا الجدل داخل نص الرواية كان في محله، وهو جدل يدور علي مر صفحات الرواية، حول طبيعة النص وإمكانياته، لكنه جدل مفقود في الرواية العربية، ونحن في أمس الحاجة له، لذا جاءت الرواية في مسارين لكي تضفي علي الرواية جدلا بين القديم والحديث بين زمنين مختلفين يتقاتلان في المعاني والقيم والمشاعر وطبيعة السلطة بين البدو والحضر.
الرواية غُزلت من ثوبين، البدو والحضر قديما، والمقابلة بين مشاهد معاصرة لأديب يعاني في ظل موهبته حتي بعد حصوله علي منحه تنهض به لتحقيق أحلامه. في الرواية نقرأ تفاصيل حياة البدو بين تربية الشياه والأغنام لتقديمها لتكون قرابين لمعابد المدن، العلاقة بين البدو والحضر، هي ذاتها بين الخط الموازي للشاب الذي يكتب مسرحية تجسد هذه العلاقة لا عن قناعة بل من أجل المال فقط لا غير، والبدوي يربي الشياه من أجل المال من المدينة الثرية التي يقف خلف أسوارها.