رحاب عمر: الكتابة تُعالج آلام المجتمع وحرية المرأة في المجتمعات النامية ادعاء

rehab omar
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حاورها: صبري الموجي

بعيدا عن العاصمة، مسّها شيطانُ الحكي، وأذهبَ لبها شغفُ القص، فانبرت تغزل قصصا وروايات، لاقت احترام القراء وتقدير النقاد. آمنت بأنَّ الموهبة هي ورقة رهان المبدع، وليست الشلاليّة، التي سرعان ما يتلاشى دورها، فينكشف المستور. تؤمن بحرية المرأة، وحقها في التعبير عن نفسها، وتحارب ذكورية المجتمع عن طريق الكتابة، التي تراها نفثة مصدور، كما أنها ترفض إرث الجدات، والسقطة الثقافية، التي تحط من شأن المرأة. أعمالها نوع من المشاكسة والمناوأة للرجل، وهو ما عبر عنه أكثر من عمل روائي، ومجموعة قصصية.. مع القاصة رحاب عمر، يجري هذا الحوار.

إلى جانب الكتابة حرصتِ على عضوية العديد من المبادرات النسوية التي تهتم بنشر الوعي النسوي.. فهل قصّرت الكتابة في تحقيق ذلك الغرض وهو ما دفعك للبحث عن عوامل مساعدة؟

بالعكس تماما عضوية المبادرات النسوية حرّرت قلمي من قيوده الأنثوية التي صنعها العرف وشكّلتها التقاليد، وثبتت جذورها الذات الذكورية المتأصلة في المجتمعات القروية، فبدأت أكتب دون مواراة باعتراف ضمني بحريتي التي لا حدود لها، وبأحقيتي الإنسانية، ومن إيمانٍ عميق بالدخول في التجارب وتحمل المسئولية كاملة. ورغم أن هناك اتجاها في المجتمع يناهض تلك المؤسسات النسوية، إلا أنني وجدت ضالتي في مواجهة القضايا العامة، وبحث قضايا المرأة على الأخص، كالزّواج المبكر، والنظام الأبوي، وعوار القانون أحيانا في استجلاب حقوقها، ولأنني لا أحب التطرف في تفسير قضايا النساء ، ولا المبالغة في منطق الحقوق، لذا كانت مشاركاتي العامة واقعية جدا، فخضت دائرة البحث، وتجولت في أنحاء المجتمع للتعرف أكثر على تلك القضايا، وناقشنا كثيرا من المشكلات من خلال موائد مستديرة وندوات وورش عمل، فجعلتني تلك الرحلة أقترب من مفهوم الحرية، ومنحتْ قلمي فرصة أكبر للتعبير عن وجع المرأة وعوار المجتمع، وقبح التسلط “النظام الأبوي”، فبدأت أكتب نفسى، وأعلن عن المسكوت عنه بكامل إرادتي. أما بخصوص الوعى النسوي، فالكتابة ليست مسئولة عن إيجاد حلول، ولكنها تجذب الانتباه إلى خطورة الأوضاع، والدليل على هذا كثيرٌ من القوانين التي يتم تغييرها أو تعديلها بعدما يتناولها الفن. ومن هذه الزاوية فالكتابة جزء من الوعي لكنها ليست كافية، لوجود نسبة كبيرة من الأمية بين نساء القري بالذات.

ارتفاع سقف حرية المرأة حقيقة أم ادعاء.. ولو سلمنا بأنه حقيقة لماذا تحرصين على المشاركة في مبادرات التوعية بقضايا المرأة مادامت المرأة قد حققت كلّ هذه المكاسب؟

ارتفاع سقف حرية المرأة ادعاء، وليس حقيقة بالمرّة، أقول هذا من قلب المجتمع، الحقيقة أن هناك فئة أحسبها فئة المثقفين والفنانين على الأغلب وصلت لهذا السقف مع التأكيد على عدم جدوى التعميم، الا أنّ الحقيقة أن القالب الذى وُضعتْ فيه المرأة منذ الأزل مازال كما هو رغم اتساع التجربة الإنسانية ونضوجها، فمازالت المرأة تعاني من إرث الجدّات، خاصة في المجتمعات التي تعانى من السقطة الثقافية، ويكثر فيها التحرش والابتذال.

الحقيقة أن المرأة متهمة دائما بأنها سببٌ لتحريك الفتنة وتدفع ثمن ضآلة فكر البعض، فمازالت قضايا التحرش، والطلاق والزواج المبكر، والإجبار على الزواج ، وقهر الطموح وقتل الأمل تملأ المجتمعات، ووجود مثل تلك القضايا دليل على التلاعب بوتر الحرية دون تفعيلها.

مبادرة المرأة الجديدة.. تعني أنها تعاني قمعا وتسلطا ذكوريا تحاولين كسر أغلاله.. أم أنها تتطلع لزيادة سقف الحرية حتى وإن جاء ذلك على حساب واجباتها كامرأة؟

نحن لا نستطيع التنصل من القهر الذكوري، فهو موجودٌ وبصورة فجة، وسببه الأكبر هو الإرث الثقافي، حتى إنّ الأمهات أنفسهن يأخذن على عاتقهن حماية هذا الإرث، و هنّ مشاركات في القهر بصورة أو بأخرى، والدليل على ذلك بعض التقاليد أو الأعراف، أو حتى الأمثال الشعبية. المرأة الجديدة معنية بكسر أغلال القهر الذكوري إلى جانب تفعيل الحرية، وأنا هنا لست في مجال الدفاع عن مؤسسة ما ، فلقد كانت مشاركتي في تلك المؤسسات بقدر احتياجي، ودائما لي رأى في موضوع الحرية هذا، فالحرية تقتضى مسئولية مصاحبة، فلا يصح أن يكون الصغير حرا ولا المعتوه ولا المريض، فللحرية شروطٌ أهمها المسئولية، وتعني أن تكون قادرا على حماية نفسك ، وتدبير أمورك.

زاوجتِ بين العمل كمعلمة والكتابة.. فهل جاء ذلك على حساب أنك أم وزوجة؟

زاوجت بين العمل كمدرسة والكتابة، هذه المزاوجة لم تأخذ من دوري كزوجة وأم بالعكس تماما فكل شيء أخذ من دوري ككاتبة، وهنا تتجلى مسئوليتي وحريتي، فأنا لا أملك أن أقصر في دوري كأم وكمعلمة، من فترة فاز بجائزة نوبل التنزاني (عبد الرازق قرنح )، ولما سُئل عن قلة أعماله أخبرنا أنه مدرس جامعي لا يكتب إلا في الصيف. فرغم زخم الأفكار ، ودفع الرغبة ، والطموح الأدبي، إلا أن الوقت والجهد المتبقي يضعني في قالب المقصر في الكتابة دائما، وهذا يسبب لي شعورا مرهقا، فكثير من الأفكار تبقى قيد النوتة وقيد التسويف، ثم قيد الإزاحة، وليس هناك أصعب من كبت وإزاحة الأفكار ، وموت المشروع بسبب الوقت. أمّا بخصوص الحرية فأظنها قضيتي الأولى، وربما كانت الدافع الأول للكتابة، الحرية التي لا تتعدى على حقوق الآخرين، ولكنها سعى دؤوب خلف حقي في الحياة.

” الوِثاق” رواية تغوص في آهات وأنات الأمة العربية وأغرقت في الوصف والتفاصيل فهل لذلك غرض فني.. أم هي حيرة المحاولات الأولى؟

“الوثاق”، هي الرواية الثانية لي، الأولى كانت “معزوفة الفقد والوجع”.. وكلاهما تجارب أولى، فالوثاق كانت تأثرا بوضع مجتمعي مهم، كانت بحثا في فكرة الإرهاب ومعناه وحقيقته، كتبت ٢٠١٦م، وكانت تلك الفترة من أصعب وأحلك فترات الإرهاب، فكنت أسعى في هذا العمل للوصول للحقيقة، وسط كل اللغط القائم، وكان هذا دافعا أيضا لكشف النقاب عما يحدث خلف الكواليس، والنتيجة الآن معلنة، فالإرهاب كان سلما للوصول لقلب العروبة، وهدفه النهائي كسر مصر ، والحمد لله هذا لم يحدث، فقد استخدم كزريعة للتدخل في مقدرات الشعوب. أمّا بالنسبة للتفاصيل والوصف، فربما هو التأثر بالموضوع أو تجليات التجربة الأولى، وإن كنت أظنه لاعتمادي على المشهدية في أمور الأحداث.

“ترنيمة إيزيس” آخر أعمالك الروائية يحار القارئ في تصنيفها هل هي تاريخية أم أسطورية أم اجتماعية.. وباختصار ما هو موضوع الرواية؟

ترنيمة إيزيس سيرة ذاتية روائية، تاريخية أسطورية إنسانية، فهي تعد وقائع خام حقيقية ممزوجة بالخيال، وهو اتجاه راق لي ، وأجبرت عليه في نفس الوقت، لغياب كثير من التفاصيل، وهى محاولة للبحث في قضايا هامة مثل تناسخ الأرواح، والذاكرة الوراثية، فـ”ترنيمة إيزيس”، هي قصة حياة عالمة الآثار الأيرلنديّة (دورثى لويز)، وهى أول امرأة تعمل في الآثار المصرية، تربت في لندن، وحدث لها حادث وهى صغيرة، إذا سقطت من سلم بيتها وتوفيت إثر هذا السقوط، وعادت من الموت قبل الدفن بلحظات لكنها عادت تتحدث بلكنة مختلفة، وتحكى عن الحضارة المصرية القديمة، وتقر بأنها كاهنة فرعونية تدعى (بينترشيت)، تمر بعدها بإرهاصات عدة منها الرفض المجتمعي، والطرد من المدارس، ودخول المصحة النفسية، ويأتي لها (رع) سبعين ليلة يحكى لها عن (سيتي)، و(بينترشيت)، تتزوج إمام عبد المجيد، وتأتى إلى مصر، بعد الطلاق تعيش في نزلة السمان، ثم تنتقل إلى أبيدوس لتبدأ رحلة جديدة كموظفة في هيئة الآثار، وتبوح باكتشافات أثرية، وأحاديث عن أسرار قديمة، منها اكتشاف السراديب في المعبد، والحديقة القديمة في أبيدوس. داخل الرواية سيرة ذاتية موازية، لمروان القاضي المحرر الصحفي، وهو شخصية افتراضية ، تكلف بنقل جثة (دورثى) من الدير إلى أبيدوس، يتم دمج القصتين في إطار غرائبي يحدث من خلال عثور مروان على مخطوطات قديمة في البيت الذى استأجره في نزلة السمان، فيفك وثاق حياته الغرائبية، ويتعرف على تفاصيل قصة حياة (دورثي لويز).

في سياق درامي تسير الأحداث من الغرائبية إلى الولوج في أروقة أزمان قديمة، وصولا إلى الأسرة التاسعة عشر وقصة حب الفرعون سيتي الأول لكاهنة أبيدوس بنترشيت، وموتها بسب هذا العشق المحرم. ما بين عدد من الولايات الإنجليزية، والمدن المصرية، تدور الرواية، في زمن ممتد من الأسرة التاسعة عشر إلى أواخر القرن العشرين. غرائبية الحياة الإنسانية، ومحدودية إدراكنا كبشر، والتوق المحرك للسعي، دوائر تحدد الفكرة المركزية للرواية، داخل العمل عوالم مختلفة تسير عبرها البطلة الأساسية، كل عالم له خصائص مختلفة. يتم دفن (دورثي) في المقبرة التي دفنت فيها الكاهنة (بينترشيت) في معبد أبيدوس ، وتستكين الروح بالمكان الذى أحبته.

القارئ لرحاب عمر يلحظ أنك اتخذت الكتابة (كرسي اعتراف) عبّرت من خلاله عن آلامك وآمالك… هل تؤيدين هذا الاعتقاد؟

كرسي الاعتراف، مقعد مؤقت، ربما نتخفف فيه من أوجاعنا، ونشارك الآخر فيه آمالنا لكن الكتابة هي ذاتٌ موازية، بل ودون مبالغة هي ذاتي الحقيقية، هي اختياري، الذى فرضته على الحياة وسط كل ما أجبرت عليه، هي البيت الذى أدخله طواعية، وأنا أحمل كل الحب والرغبة في البقاء فيه أطول وقت ممكن، هي اللحظات الأهم التي أسرقها بمحض اختياري، وأتورط فيها بكامل إرادتي.

كل الزمن عندي ضائع إلا لحظات الكتابة، الكتابة هي الفرصة التي ألتقى فيها بنفسي، وأكون فيها البطلة والمخرجة وصاحبة الخيار الأوحد. الكتابة هي التحرر من ضجيج الفقد، والصدفة التي أسعى توقا وشغفا إليها، والطريق الذى رسمته قديما لنفسي، الكتابة هي الإطار الذى أضع فيه صورتي الحقيقية دون رتوش.

لم تستجيبي لإغراءات العاصمة وراهنت على الموهبة وحدها في تحقيق النجاح.. فهل كنت على حق في ذلك؟

إلى الآن عيني عالقة بالعاصمة، بين الحين والآخر أذهب لحضور بعض الفعليات، وأرى أنّ وجود الكاتب في العاصمة مهم ، لثقل خبرته، ولتعريف الناس بأدبه، وأرى أنّ الموهبة وحدها لا تكفى، لأنّ الساحة مكتظة بالصالح والطالح، فلابد من السعي ، فأنا مقتنعة تماما بأنّ الأدب لابد أن يروج له ويعلن عنه، وعلى الأديب أن يعبر عن نفسه، لكن للأسف، أنا أفتقد تلك القدرة، ولا أملك الآن إلا الكتابة، فأنا أعد نفسي كاتبة انطوائية، علاقاتي محدودة بالإعلام وبالوسط الأدبي، ولا أعتد بفكرة الترويج لأدبي.

ينم الحوار مع رحاب عمر عن زخم فكري وموروث ثقافي وشغف بالكتابة.. نود معرفة البدايات ومثلك الأعلى في عالم القصّ؟

أكتب ربما من قبل الجامعة، كتبت، ونشرت في دوريات أدبية ومجلات وتوقفت لظروف الحياة، ثم عدت برواية ” معزوفة الفقد الوجع”، لم أكتف بحبى للكتابة ولا بما أملك من قدرات، ولكنى تدربت في ورش كتابية، وقرأت أدبا عالميا وعربيا، وبدأت رحلة نشر جماعي في البداية ، ونشرٍ في مجلات أدبية ، ثم نشر الروايات والمجموعات القصصية، شاركت في مناقشات نقدية لكثير من الروايات، وتم نشر كثير من قراءتي النقدية لروايات هامة، وأدرت كثيرا من المناقشات الهامة، وأنا الآن عضو في العديد من المنتديات الأدبية، وأحب المقالات السياسية ، وفى الأدب العالمي أقرأ (تولستوي)، و(كافكا)، وفى الأدب العربي أحب كتابات يوسف إدريس وإبراهيم أصلان غرفتان وصالة ، وخلوة الغلبان.

 

مقالات من نفس القسم