لبنى حمادة
رأسي مُعلَّقٌ على كفِّ اللَّيلِ
أنتظرُ الشَّيطانَ أنْ يَرمِيَ نَردَهُ.
جاءَ…
عارِيًا إلَّا من وجهي.
مَن قال إنَّ النَّجاةَ طريقٌ؟
لنَلْعبْ…
لنَلعبْ لعبةَ التَّكوينِ
كَطفلٍ يَلهو بزُجاجةٍ فارغةٍ
يَكسِرُها…
ثُمَّ يَبكِي على دَمِ أَصابِعِهِ.
أنا … هو
هو … أنا
نَغزِلُ الخَطايا بخُيوطٍ من وعيٍ
أُقبِّلُ فَوضاهُ في المرايا
وأُلصِقُ ظلَّهُ على جَفنَيَّ
كَكُحلٍ مَسروقٍ.
أنا لا أَخلُقُ شيطاني…
فقط أُعيدُ ترتيبَ ملامِحِه
أمنحُهُ صوتي
أُعيرُهُ قلقي
وأدعوهُ ليكتُبَني كما لا يَجرؤُ أحدٌ على قراءتي.
أَرتدي قميصي مقلوبًا…
كَطَقسٍ من طُقوسِ العِصيانِ
لامرأةٍ قَطَفَتْ من حُرمةِ اللَّيلِ.
أَشرَبُ قَهوتي واقفةً على قَدَمٍ واحدةٍ
لأَختبر تَوازُني…
بينَ الشَّهوةِ والنَّدَمِ.
الخَوفُ نَبرةُ أُمٍّ تُغلِقُ فَمي بهَمسٍ
والذَّنبُ يُغطِّي ذِكرى أبي بوِشاحٍ مشدودٍ
يُهدهِدُ قلبي
يقول: “كم كنتِ جَميلةً…
كأنَّ شيئًا لم يحدُثْ.”
الطَّريقُ لم يَعُدْ واسعًا…
أصبحَ أَقصَرَ من تَنهيدةٍ…
وأَقسى من ابتِسامةٍ على شِفاهٍ مُنهَكةٍ.
أَرى النَّارَ تَمشي ببُطءٍ
تَنسُجُ خُيوطَها
تَسحَبُ ثِقْلَ كَعبِها
تُخَبِّئُ حِذاءَها في الخِزانةِ.
أَكسِرُ بيضةً في المِقلاةِ
فَتسيلُ ذاكرةٌ بيضاءُ
تَتلوَّنُ برغبةٍ قديمةٍ لم تُشبَعْ.
المِلحُ يُشبهُها…
قاسٍ
لكنني أَلعَقُهُ بحُبٍّ ولذَّةٍ.
أُمشِّطُ شَعري…
أَنزِعُ الأشواكَ من طُفولةٍ مُشتهاةٍ
ثم أُطلِقُهُ للرِّيح…
وأَدَعُ الخَيالَ يَمرحُ طويلًا.
أتسكَّعُ بينَ أَجسادٍ…
تَرتجِفُ من بَراءةِ الضَّوءِ
أَشُمُّ التَّنهيداتِ
وأُرَبِّتُ على ذَنبي كَقِطَّةٍ عائدةٍ من مذبحةٍ.
كَم شَيطانًا في رأسي؟
كم إنسانًا فيك؟
مَن منَّا يَلعَبُ بالآخَر؟
أنا التي سَكَبَتُ الحَليب…
وأَقسمَتْ أنْ لا تَمسَحَهُ إلَّا أَصابِعُ غَريبٍ.
لم أَرتكِب الذَّنبَ كاملًا
لكنَّ جَسدي…
فاضَ من شُقوقِ الاحتمالِ.
أُذيبُ الفُتاتَ في كأسِ نبيذٍ
أَضحكُ كثيرًا…
وأنا أُوَسوِسُ للظلِ أنْ يَخرُجَ من جُحرِه.
ما الجَسَدُ…
إلَّا رَقصَةٌ في مَحرقةٍ ناعمةٍ.
أنا قُبلةُ تَتقيَّأُ بعدها الغُفرانَ
شَّكُّ يَضعُ أَحمرَ شِفاهٍ فاقعٍ
وصِّدقُ…
يَتلعثَمُ في عُيونِ المَرَدةِ.
لَستُ قديسة…
ولا لعنةً تمسك بي
أنا رعشةٌ في لحنٍ بلا أسم
أَفهَمُ الآنَ كيفَ يُمكنُ لرَّغبةِ أنْ تتكاثَرَ كفِطرٍ سامٍّ في القلبِ.
أحيانًا أُفكِّرُ…
لو أَمدُّ يَدي منَ النَّافذةِ
لأَقطعَ رَقبةَ العالَمِ كما تُقطَفُ زهرةٌ
أنْ أَتحوَّلَ إلى سَوادٍ…
يَنعَقُ في آذانِ العابرين:
“اللَّيلُ يُجيدُ التَّقمُّصَ
لا شَيءَ يَحتاجُ فَتوًى
الخَلاصُ
قد يَكونُ شَفرةَ موسٍ تحتَ وِسادةٍ مَهجورةٍ.”
أحيانًا…
أَغزلُ من شطحاتي أُسطورةً…
تُولَدُ فيها امرأةٌ بِعُيونِ أفعى
تُصبِحُ ظلًّا للرُّضَّعِ
خَيالًا يَتسكَّعُ في غُرَفِ النَّومِ…
ويَلثغُ بأسماءِ مَن رَحلوا.
هل كان هذا ما أَغواكَ؟
الرَّغبةُ في أنْ تَكونَ كلَّ شيءٍ؟
أنْ تَتقمَّصَ اللذَّةَ والموتَ في آنٍ واحدٍ؟
أنْ تُشعلَ العالَمَ ليَشعُرَ بحرارةِ وُجودِك؟
أنا أَفهَمُكَ.
لنَلعبْ…
أنا أُجيدُ لَفَّ اللهَبِ كَضَفيرةٍ
أَدُسُّهُ في قَميصي كَتَعويذةٍ
أُقَبِّلُ الخَوفَ من فَمِهِ…
وأَترُكُهُ نائمًا تحتَ لِساني.
فَلِماذا لا نَلعَبْ؟
أنا شَرارةٌ…
تَسكنُ خَلفَ الأستارِ المُسدَلةِ
تُحضِّرُ كوبَ الشَّايِ بِيَسارِها
وتَكتُبُ بِيَمينٍ تَرتَعِشُ…
نُصوصًا لا تَحتَرِقُ.
لي قَلبٌ كَكبسولةِ دواءٍ
أَبتلِعُهُ كلَّ انتِقامٍ…
وأَتجاهَلُ النَّشرةَ الجانبيَّةَ.
فَلِماذا لا نَلعَبْ؟
هناك…
ما زالَ هناك
دومًا هناك
يَلمَعُ تحتَ ضوءٍ أحمَرَ باهِتٍ
يَنتظرُ
يَبتسمُ
يُرَبِّتُ على قلبٍ مِقعَدٍ مُقابلٍ
يُلقي نَردًا في الهواءِ.
لنَلعَبْ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شاعرة مصريّة
شاعرة مصريّة