فلسطين أرض أغنيتي

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

مارسيل خليفة

أذكر ذلك الصبيّ المتحمّس الأخرق الذي كنته، والذي كان يريد أن يغيّر العالم. وفي الأخير لم يغيّر حتى نفسه.
أذكر كيف كانت حِرفته الصمت، حين الطّنين على الوتر يحوم. واذكر كيف كان يكتب ما يعّفُ عنه أساتذته، وما يسهو عنه زملائه في الصفّ.
يعود من مشواره الطويل، من بيروت إلى بيته في القرية، وعلى مدخل المدينة يرى بيوتاً من صفيح وخيام، ويسأل… ثمّ يعلم بعد حين أنها بيوت اللاجئين. ويومها تعرّف على فلسطين، وعلى قضيتها، من المنحى الانساني.
في الليالي، كانت أمي تحكي لنا عن فلسطين، وتروي بصوت خافت قصص التهجير الأليمة. ولم أصدّق أحداً غيرها، في بيئةٍ وزمنٍ شوّه الحكايات كلّها.
تتكاثر الخيالات أمامي في الليل، وتختفي كنجوم السماء وأنا مدجّج بالحزن على الأرض السليبة. وكان الخوف يرعد في السماء بليالي الشتاء، ويمطر قلبي على شعب الخيام.
وأصبحت فلسطين تسكنني في هيئة قصيدة أو مظاهرة أو اجتماع أو نقاش أو أغنية. ثمّ نضرب عن المدرسة تضامناً مع فلسطين، وأنا بين الجموع أصرخ وقبضة في الهواء تلوّح ” بالروح بالدم نفديك يا فلسطين “
ثمّ بعد حين كانت فلسطين – الأغنية ريحاً في الغمام. كانت كوفيّةً أمسح بها دمعاً حارقاً، فتولد من بحر قديم يحرّرني من قرفي، تحت سماء حارقة، في وطن عربي شاسع، وقد أُخذت منه زينته، فبات عسير النطق، بسبب كم الأفواه، وقد تقرحّت قلوب أبنائه، من عفن المرحلة، ومن تعب الأسئلة القاحلة.
في يوم ماطر من ايام شهر أيلول التقيت محمود درويش لأول مرّة وجهاً لوجه على فنجان قهوة بيروتيّة، وكان الذي كان، كان قلبه كالطفل في وجع قصيدته.
تضرجت يومها خجلاً لأشيّد وعود من العاصفة، أمي، ريتا، جواز السفر، تصبحون على وطن، أحمد الزعتر، يطير الحمام وصولاً الى الجدارية.
وأصبحت فلسطين أرض أغنيتي.

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم