محمود عماد
إلى كل من شاهد القصف بعينيه، كلماتي لكم لعلها تعبر عنكم ولو قليلا
استيقظَت على الصوت المعتاد الذي أصبح يوقظها كلما غفت عيناها. هل تغفو من الأساس؟ ربما بعض لحظات، وحتى تلك اللحظات تنتهي قبل أن تبدأ. لم تعد تعرف الليل من النهار، كل الأوقات في الجحيم تصبح واحدة. القصف يشتد، ذلك لا يهمها، فقد فقدت الأم والأب والأخ والأخت، فقدت الأهل جميعا، وحتى الحبيب راح هو الآخر دون رجعة، صارت وحيدة في هذه الدنيا، مغرّبة داخل أرضها، لا تعرف لماذا لم تذهب معهم، لماذا بقيت هي ورحلوا هم، لماذا من الأساس كل هذا، ماذا فعلوا ليستحقوا الموت والدمار والتهجير، لماذا يفعل البشر كل هذا في بعضهم البعض يقتلون بعضهم ويؤذون بعضهم بلا أي رحمة؟ ظل السؤال ملازما لها على مدار أشهر القصف والدمار، وألح عليها بمرور الوقت، ومع كل فقد حدث لها في الغارات المتلاحقة التي لا تهدأ غارة على بيتها فيهدم على رؤوسهم، غارة وهم ينزحون فيموت منهم من يموت، غارات متلاحقة على المخيمات التي صاروا يقيمون فيها فتحرق ويصيرون نياما على الطرقات.
ترى، ما نهاية كل هذا؟ ماذا بقى لي لكي أتمسك بالحياة؟ لماذا لا أموت في إحدى تلك الغارات؟ لماذا يتمنع عليّ الموت؟ لماذا لم أمت مع أمي تحت أنقاض المنزل مع بداية القصف؟ لماذا لم أمت مع أبي عندما استهدفته الطائرات أثناء نزوحنا؟ لماذا لم أذهب مع أخي للمقاومة واستشهدت وأنا أحاول مثلما فعل؟ لماذا لم أمت من الجوع مع أختي؟ تلك الطفلة التي لم تدخل حتى المدرسة، أي حياة تلك التي أصبحنا نعيشها؟ وهل من المنطق أن توصف من الأساس بأنها حياة؟ ها قد أصابنا الجوع جميعا. الطعام الذي نملكه لا يسد جوع ربعنا حتى، المياه ليست صالحة لشرب. متى شربت آخر مرة؟ لا أتذكر، لا أعتقد أن أحدا هنا يتذكر متى شرب أو أكل أو نام آخر مرة متى شعر بالأمان متى لم ينم والحزن يحتله، وهو لا ينتظر الموت، كل ما ينتظره هو ضربة مدفع أو صاروخ طائرة لا يعلم من أين سيأتي له، من أي اتجاه كي يجهز عليه. أين أنت يا ياسر لكي تطمئنني بأن الموت سينتهي والقصف سيتوقف والنصر سيتحقق والسلام سيعم كل الأرجاء ويتعايش البشر سويا، ها قد قتلك السلام مثلما قتلتهم الحرب يبدو أنها قضية بلا حل لا ينفعها قتال ولا سلام ما العمل إذن؟ لا أحد يملك إجابة الكل يحاول والنتيجة فشل وراء فشل، كنت دائما كثيرة الشكوى دائما ما طمأنني كان يقول لي: يا رام الله لا تقلقي كل شيء بالسلام يمكن أن يحل. قال لي لي أخي أحمد عكس قوله: لا يمكن أخذ حقوقنا ولا تحقيق الحرية إلا بالقتال فقط الحرب والمقاومة هي التي ستجلب لنا الشرف والنصر، وغير ذلك لن يجلب لنا إلا العار والمهانة.
كلاهما لم يحبا بعضهما يوما، حاولت كثيرا أن أصلح بينهما، لكن كل محاولاتي كللت بالفشل، وها قد أدت الفرقة بينهما والعناد إلى موتهما، ماتا وتركاني وحيدة أواجه كل ذلك بمفردي، وأنا حتى الآن لا أعرف من منهما كانت تهمه مصلحتي فعلا.
لم تمت رام الله، ظلت شاهدة على الدمار والموت والنزوح، رافضة أن تنزح خارج أرضها، متمسكة ببصيص من شعاع أمل بعيد بأن الأرض ستتحرر وسيعيش عليها ناسها، وسترجع يوما لتدفن أحبتها، وعلى الذي يريد مساعدتها أن يطرح جانبا أي خلافات كي تعيش رام الله دائما وأبدا.
“على هذه الأرض ما يستحق الحياة”