آلاء رأفت*
رجل وحيد
أنظر إلى الشبَّاك المقابل
كل مساء يشعلون الأنوار ويسدلون الستائر
أكره تلك الستائر التي وضعوها حديثًا
وتركوني وحيدة
أحب الناس الذين لا أعرفهم داخل تلك الغرفة.
في بناية مقابلة غرفة مضاءة
يجلس فيها رجلٌ وحيد
أحب هذا الرجل الغريب
أتمنى أن يتلفت ويراني
ربما حينها يصبح كلانا أقل وحدة.
*
شخص غريب
كان لا يأتي إلا في الأعياد
بملابس مهندمة وعيديَّة ضئيلة
ويغادر سريعًا مبتسمًا
راضيًا عن نفسه
لأنه أدى واجب الأبوَّة
وأسعد تلك الطفلة
التي تنام بملابس لا تلائمها
وتحلم بالعيد القادم
لتراه.
ستكبر يومًا ما
وتتخلص من انتظارها
تقف على باب البيت ليلة العيد
وتطرد هذا الشخص الغريب
كلما أقترب منها
ستنام مثل كلب حراسة
تنهشه لو حاول دخول أحلامها.
*
عاشق سرِّي
هناك عاشق سرِّي
يختبئ بين أشجار البرتقال
كل ليلة يغازل جنيَّات الترعة
فيتراقصن فرحًا ويوقظنا ضجيجُهن
يقبِّل الأشجار فتثمر في الصباح
ويؤنس السائرين ليلًا على الطريق المظلم
ويودع عمال التراحيل.
لا يمشي على قدمين
ينساب مع الهواء ويتخلل الغصون
يغوص داخل الطين
ويسبح مع الجنيّات
ويهز جذع النخلة كل ليلة
لأنه يعرف أنني أحب البلح.
كان يحدثني دائمًا عن أشياء لا أفهمها
كالحب والجمال والحرية
وأشرد معه فأفلت الأشياء من يدي
وحين تعاقبني أمي
يمسح دموعي ويقبِّلني
ويهمس لي: “أحبك وأنتظرك دائمًا”
كنت أعرف أنه أنت.
*
قاتل متسلسل
هذا النيل الهادئ
في جوفه الكثير من الجثث
يخبئ جريمته بالورد
ويستدرج ضحاياه من الحالمين
ليشاهدوا الغروب على صفحته
ثم تزلُّ أقدامُهم
وهم يحاولون الإمساك
بشعاع الشمس الأخير.
حبسه البشرُ بالسدود
فقرر أن يتسلى بأرواحهم.
*
ظلال سوداء
كل ليلة تُغلَق أبواب البيوت
وهؤلاء الرجال في الجلابيب ظلالٌ سوداء
يجلسون على الكوبري
كأنهم أشجارٌ متحركة
القرية زرعتهم وحصدتهم باكرًا
وتقتات على أعمارهم.
في الليل يحكمون العالم
يكتبون التاريخ
يغمغمون بصوت خافت
وينفثون حزنهم في دخان السجائر.
*
عن الحنين
رأيته صدفة في الشارع
فجأة تذكرت صوته، عطره،
قميصه، وحذاءه
شعرتُ بالحنين
فجأة تذكرت
صوته الغاضب
يده القاسية
رعبي وارتجافي
صوتي المرتعش
شعرتُ بالغضب
أردتُ أن أذهب إليه وأخبره:
“أنا أفتقدك، لا أريد أن أراكَ أبدًا”.
*
شريان ضعيف
تقف على شاطئ الترعة كل يوم
بكامل أناقتها
تسخر من الجميع
الذين حرَّموا عليها الزواج
لأنها وُلدت بقلب ضعيف.
كل ليلة تكشف ساقيها للرجال
الذين لن يستطيعوا لمسها
تحتضن حليَّها وأدوات مكياجها
التي لن تستخدمها
بديلًا عن حضن رجل.
تقف مائلةً على سور الشرفة
تبصق أمام العابرين
وتتحداهم بنظراتها.
غادرت العالم في السابعة والثلاثين
انفجر شريانٌ ضعيف في صدرها
حين وقعت في الحب.
…………….
*شاعرة مصرية