“ثلاث نساء في غرفة ضيقة” .. تجسيد المعاناة من سيلفيا بلاث لهناء متولي

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام
في مجموعتها القصصية "ثلاث نساء في غرفة ضيقة" نجد قصصًا تقطر ألماً وتصور وجعاً لا متناهي، لمجموعة من النساء

سما زيادة 

يقين بداخلي ينبأني دوماً أن الأرواح تكمل دورتها في الحياة مرات عدة وتنتقل الروح التائهة لتصحح مسارها من جديد

فهل تقمصت روح سيلفيا بلاث هناء متولي؟ لا لتعاني ولكن لتعبر عن ألام كل النساء.

في مجموعتها القصصية “ثلاث نساء في غرفة ضيقة” نجد ثصصَا تقطر ألماً وتصور وجعاً لا متناهي، لمجموعة من النساء عانين من فقد الولد، والحرمان من الإنجاب وإذلال الزوج لها، والمرض النفسي وآثره على السلوك السوي والإنتحار، اغتصاب الأب لبناته، السلوك السيئ للأب وآثره السيئ في خوف الإبنة من الزواج، والوحدة وتقدم السن، الإغتصاب وصدمته، العنوسة.

في البدء كانت فريدا:

يطالعنا على غلاف المجموعة وجوه فريدا كالو الثلاثة، تتطلع إلينا بنظرتها المعهودة اثنتين منهن. والثالثة تراقبنا من داخل لوحة من لوحاتها المتعددة، وكأنها تترقب معنا المشهد منذ البداية، أو تدعونا للقراءة. وهي فريدا بكل معاناتها وآلامها وغموض وفاتها ودخولها في حالة اكتئاب قبل الوفاة

ثم نقلب الصفحات فنقرأ رسالة موجهة لسيلفيا بلاث

ووعد من الكاتبة أن تستكمل مسيرتها وتكتب عن كل ما أرادت كتابته ولم تسنح لها الفرصة لبدءه.

وكأن هناء متولي تؤهلنا من خلال عتبات النص وتهيئنا قبل الدخول في قلب الحدث أو الآلام التي ستصادفنا.

مابين الواقعية والفانتازيا تجسدت السوداوية:

لقد كان قوام المجموعة أربعة وعشرين قصة استخدمت فيها الكاتبة اشكال من التجريب في السرد مختلفة، ما بين القالب المسرحي وتيار الوعي، والمشهدية، وحالات الواتس، والرسائل، واليوميات

وكأنها تخفف وطء السوداوية بالتنويع في السرد، وخلق حالة من قتل الجمود والتشويق في وعي القارئ.

كما أن القصص نفسها اتسمت بمزج الواقعي بالمتخيل والقانتازي، وفي رأيي هو مزج في محله خلق حالة من تجسيد للمأساة ومعايشة للحالة ومعاناتها.

دخول مفاجئ:

أرادت الكاتبة أن تؤهلنا لحالة القهر والوحدة والفراغ التي عانت منها نساء الحكايات بقصة أولية تعاني منها البطلة من الفراغ والخواء والوحدة والجنون وفقدان الونس وكأنها افتتاحية تأهيلية لما هو قادم.

نساء محمد البساطي تعانين أيضاً:

عندما تكون كاتباً ذو حس مرهف، فإن تفاعلك مع الشخصيات الروائية يكون بنفس قدر الشخصيات الحية من دم ولحم، وهذا هو ماحدث للكاتبة وهي تتفاعل مع نساء محمد البساطي وتحييهن له، لدرجة أنه أنكرهن ثلاثاً، ثم تذكرهن بدهشة المتفاجئ بمقابلة نساء رواياته وأشهرهن فردوس.

هل هن نساء البساطي أم ..

أكاد اتوقع أن الثلاث نساء أصحاب الغرفة الضيقة هن فريدا وسيلفيا وهناء نفسها، فالغرفة الضيقة هي الروح الحبيسة التي عانت منها الأولى والثانية، وأرادت أن تحررهن الثالثة.

“نزع الرحم وسط قالب الكراميل على حافة اليقظة”

ما أشد قسوة الرجل حين تُنزع منه النخوة والكرامة والمشاعر الإنسانية وتغلبه الحيوانية الفجة، ويُنظر للمرأة على أنها المستباحة وسط السلطة البطريريكية. وفي ضوء هذه الكلمات استعرضت بعض القصص جانب من الممارسات التي تعاني منها بعض النساء في كافة المجتمعات، من اغتصاب الأب لابنته بشهوانية وحيوانية، لتعرضها للاغتصاب القسري الذي ينتزع روحها،  إلى القسوة المريرة للزوج الذي تعاني منه الزوجة فتنقلب مرارتها إلى دموع سامة، تسقط في طعام الزوج فتميته.في تصوير لقسوة الزوج التي تسمم الحياة الزوجية فيميتها ويُعلن عليها الحداد للأبد.

لعنة الاختيار في حياة المرء:

القدرة على الاختيار سلاح ذو حدين، فهي تمنحك الحرية لتختبر إرادتك الحرة، ولكنه على الجانب الآخر يجعلك تعاني من لعنة الإختيار في نفس الوقت فهل يستطيع الإنسان دائماً أن يختار، وهل ينبئه حدسه بالاختيار المناسب؟ هذا ما تحدثنا عنه قصة ” ساق لا تعرف القفز”

كم روحاً للمرأة؟

في قصة “أرواح قلقة لفتاة شفافة” تستعرض معنا عدة أرواح لفتاة بريئة نقية لم تعرف غير الحب والبراءة، ولكنها تتألم وتعاني من هذا الحب، ولكن هل هي الفتاة الوحيدة التي تعاني، أبداً.. مثلها مثل الفاتنة والدميمة والمتفانية لحياتها وأولادها والمثيرة، كلهن يعانين، لنصل للحكمة الأخيرةوهي أن جميع النساء يعانين وكلهن أرواح تذبل سريعاً، وتحيا كالميت الحي.

” من يستطيع وصف حياة قصيرة لزهرة برية في قلب جبل؟”

هذه الحكايات وغيرها جزء من رحم المعاناة الذي أخرجته للحياة الكاتبة هناء متولي، واحداً تلو الآخر. جرعات وجرعات من الألم والمعاناة على مر الأزمان، استطاعت أن تطلق كافة إمكاناتها ليكون على أروع مايكون.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتبة مصرية، المجموعة صادرة عن بيت الحكمة 2025

مقالات من نفس القسم