رنا أبو الغيط
“ليست أنا ولكني أعرفها”
خرجت شبحًا مسكونًا يسعى خلف ظله الهارب
طفت الشوارع زقاقا بعد زقاق
تهابني الشياطين ولا أهاب شيئًا
وكم كنت حرة وجميلة بقدميَّ الطويلتين
امرأة كتلك.. لا تشبه امرأة
ليست أنا ولكني أعرفها.
دخلت دروبا لا أعرفها
كهوفا لا أذكرها
ورحت أجز يدي وأرسم على جدرانها نقوشا وجماجم حمراء
وأعد الولائم للحشرات والعفاريت
وأهذي بينما ألملم الفوضى وأرتبها.
كم هي مثيرة للشك تلك المرأة.
ليست أنا ولكني أعرفها.
قلت ” لا “
حين لم تكن “لا” صالحة للاستخدام
ووقفت بكامل جسدي النحيف
جسدي الذي لم يصبح جسد امرأة بعد
وسحقت العادات
ومحوت الصلوات
ومزقت القيد وبطاقات الزفاف
وبقدمين عاريتين رحت أودع القرية
فيما عيناك الناريتان لا زالتا تلسعان ظهري.
تلك امرأة لا تهاب الموت
ليست أنا ولكني أعرفها.
………………………………………….
” عشتك طويلًا أيها الليل“
لا أعتب على الليل قدومه كل يوم
هو يعمل واجبه على أكمل وجه
لا ترهقني الذكريات التي تهطل
من النافذة
في هذا الاحتباس
عليها أن تنفرج قليلا
كيلا تنفجر
غير أنه لا يوجد نافذة في الجوار.
أعرف أن اعتراضي
لم يمنع القمر من البزوغ
إن كان ثمة صداع
فسهم قادم من الريح.
لا يستدعي ألمي
لأن كل الأشياء لديها ما تسكن إليه.
لا أعتب على الليل قدومه كل يوم
كما أتخيل أن هناك
اثنين يجلسان في تلك اللحظة
على حافة النهر
يستمعان لموسيقى (موتسارت)
وأتمادى في خيالي
ربما يلف الآن حبيبته بذراع
وبالأخرى يقدم لها الدنيا.
ثمة شيء تحرك في السماء
نجمة تسترق النظر إليهما
تنير الطريق
أتمنى أن ينظرا إليها.
لا أعتب على الليل قدومه كل يوم
لا أرغب في تغيير أي شيء
لا أرفض أي شيء
ولا أريد شيئا
ما الذي يرتجي من نجمة بعيدة
تلك العنيدة
التي لا تنحاز لي.
شيء واحد لا أوافق عليه
الانغماس في نفسي
النظر إلى أعماقي
لقد عشتك طويلا أيها الليل
ولا أرغب في شيء سوى النظر من بعيد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شاعرة مصرية، الديوان صادر مؤخرًا عن دار الأدهم 2025