فصل من رواية “منتصف الشمس” لــ مريم العجمي

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

مريم العجمي 

(عيار ناري لسلاح خفيف روسيّ الصنع لا يحمله إلا جنود المشاة، هل قُتل عمك بيدٍ مصرية؟)

ترك أحد المتابعين هذا التعليق على الصورة التي نشرتها منذ ساعتين تقريبًا للرصاصة التي قتلت عمي عامر بالحرب. من الدقيقة الأولى والتفاعل مع الصورة غير مسبوق، كمّ هائل من الإعجابات والتعليقات والمشاركات لم تُمنح لصورة التقطتها من قبل؛ أوقفني هذا التعليق من بين مئات التعليقات كلها دعوات بالرحمة للشهيد المصري ولزمن الرجال. أعيد قراءة الجملة وأنظر إلى الصورة ثانية، أتدبر الكلمات على مهل، أعيد ترتيبها.

 عمي كان في سلاح المشاة أيام حرب أكتوبر 1973، عمي الشهيد؛ نعم مصري!

كيف يُقتل برصاص مصري؟

أعدتُ السؤال، سؤال يتبع سؤالًا ولا إجابة، أي جنون وخرف هذا! غير معقول بالمرة.

 سمعتُ صوتَ ضجيج تكسير مفزع وعالٍ، ليس من الرأس، الطرق مرتفع جدًّا، خرجت إلى الشرفة، إنهم الجيران، البيت القديم المتهالك، يقف عامل البناء على السقف يرفع المطرقة المربعة لأعلى بكل عزمه، ينزل بها عليه، أتابع الضربات المتتالية بإيقاعها البطيء الحريص، تُحدث شقوقًا تتضاعف وتتسع إلى أن تسقط الكتلة الخرسانية مفتتة من الأحجار والرمال، يقسّم منطقة العمل إلى مربعاتٍ متجاورة، يفرغ من مربع وينتقل إلى الآخر. تشغلني فكرة الهدم والبناء، أيهما أقرب إليّ، أحتفي بكليهما، أنتبه كليًّا في كل مرة أراقب عملية هدم وبناء متعاقبتين، هذا البيت الذي جاور بيتنا عمري كله لن أراه ثانية، سيغيب، هل أشبع منه قبل أن يفنى؟ أأحفظ تفاصيله بدقة قبل النهاية بقليل؟ تتصاعد الأتربة كدخان إثر كل سقطة حجر. قرب الصوت وارتفاعه يشعرني أن الطرق فوق رأسي مباشرةً، انتهى العامل من تكسير أول مربع، تسقط أشعة الشمس على بلاط الشقة القديمة، منذ متى ولم يرَ الشمس من هذه الزاوية بالتحديد، أرى ألوان الغرفة أوضح، أحتاج توثيق هذه اللقطات، أدخل غرفتي، أفتح درفة الدولاب أُخرج الكاميرا من حقيبتها، سأصعد إلى السطح لأتمكن من تسجيل اللقطات بشكلٍ أفضل، أتابع الطَّرقات، أحدد وقت سقوط الحجر، في اللحظة المناسبة ألقط صورة الحجر بين السقف والسقوط معلقةً وأحتفظ بتلك اللحظة النادرة، التعلق بين مستويين، أن يقفز أحدهم وقبل أن يصل إلى الأرض تكون لقطتي، أرمي عملةً معدنية وأمسك بها في صورة، حتى إني تمنيت لو يسقط أحدهم من ارتفاع برج لأشبع تصويرًا، تلك اللقطة شديدة الحرفية والحيوية لا يلتقطها إلا مصوِّر ماهر مثلي، لو أتمكن من التقاط رصاصة وقت انطلاقها قبل أن تصل إلى صدر الهدف!

الرصاصة

رصاصة عمي عامر..

 سقط مربعٌ كاملٌ من البناء؛ رجَّ صوت ارتطامه بالأرضِ مكاني، أخرجتُ الهاتف من جيبي، عاودت قراءة التعليق، تضاعفت الإعجابات بهذا التعليق بجنون بالإضافة إلى عشرات الردود والتي تطالب بكل دقة أن أرد: كيف حصلت على هذه الرصاصة؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روائية مصرية .. الرواية تصدر عن دار المحرر معرض القاهرة للكتاب 2025

مقالات من نفس القسم