جيلان زيدان
من يخرجك مني؟! ماذا أفعل؟! ولم أتمهّل في غيابك خيانةً للوقت. وأنا أعيد حياكة الهواء بشهقات من الكلام المتوتر. أعزم على تحاشيك في نبرة الكمنجة الحزينة فأسمعك. وعلى انصرافي العامد من جلسة مهمة لانتظارك فألقاك. وعلى تكويرك بمقبرة الذاكرة فأدونك على حواف الموت وأصلّي. وعلى تمزيق تلك الحوارات القصيرة بيننا فأضجّ. وعلى محوك مني فأنتظرك في الغياب. وحتى على الطاولة البلاستيكية، يلفّها بعض الأصدقاء، أصدقاؤنا أنا وأنت.. أفرغ لك كرسيا بجانبي، محاولة الحفاظ على ألا يحتله قادم جديد. تُسمعني نصوصك، لي وحدي..) دومًا، حيثما أجلس، يكون كرسيا فارغا لك. تدور حلقة الكلام. يرمش تمثال نحاسيّ أبتسم بانحراف له ويظلّ يرمش لي(.
بالله أخبرني ما دين المحبرة؟؟ إن كنتُ أكتب دون صوتٍ للكتابة، وليس باتجاه السطر. رواية كالألبوم. صاعدة كالحالة. وهابطة دون حدّ. من يظنَ أن للكتاب سورين ورقيين؟؟ إنها اللعبة المستأنفة في كل مرة. ما حجم هذه المتاعب المخطوطة. فكّرتُ حين أخبرتك عن رغبتي في الكتابة لك أن أرسم بدلا منها الدوائر. وأسكب لونًا من الأصفر الشاحب فوق الورق.. كنتَ لتفهم. أعلم. وكانت لتدلّك على احتراق رائحة الفراغ.
في الليلة التي صادرت أمي حقي فيها كـ شاعرة. بكيتُ أول طلوع صوتك.. ووَمَضَ دمعي من العينين. لكنك لم تشعر برطوبتي. تسألني: مال صوتك؟ وأحيانا لا تحس. أشياء كثيرة لم أحكها. أشياء صغيرة اصطحبتها. نافذة دوما مغلقة. قلب يطلّ على النافذة. خشب عاديّ. حجرة واسعة نسبيا. أنا. أستسلم طويلا لحلولك في التواجد. وطريقتك في الصداقة التي طالبتُ بها. وورقي الذي سأستتر به من بعدك. حوافر وقتٍ في الرمل. ذاهب ذاهب. تذكرة غير مستخدمة لي. وكأن الرصيف يتباعد. والجدران تتلاصق. تقتحم –فقط- كخطّ مفرد من ضوء. وعين الثقب عمياء. أنا. ثمّ مشهد غامق. يأتي الصباح. يحمل الليل صوتي. ولن أكون معك. -متأكد؟؟ -نعم. –متأكّد…؟؟؟ ستسافر. وسأسافر في نفسي. ذات الغربة التي سرّبتها لي. ذات الغربة التي تقيم باستئناسي منذ أمد. ذات الأمد. شمعدان. وحروف تهنئة. والرجل الذي يجلس مكانك. وزيارات وأصدقاء جدد. وبيت غريب. وغريب. زينة. لا أراها. أَجْرُ شوقٍ منخفض. كل شيء سيسير للأسفل. كل شيء سيمضي للوراء. أتذكر صورتك في المرآة وفي هذه القصص. سأؤكد فشلي ذاك النهار. محتضِنةً للفزع. وأربت على قلب قديم قد مات. لكل هذه الأشياء، معدٌّ مسبقًا) لفوضى الدم للغياب الحاضر في أضلاعي في الثالثة فجرًا دومًا والنصف، في هذا النصف تحدث أشياء أخرى غير السابقة وتموت أخرى -غيرهما- صغيرة مع الغياب الواضح لا تؤثر أبدًا في أحدهم). ….. سامحني.. هكذا خطر ببالي أن أرسم الوجع على شكلِ مفرّغات. وأنا أستمع لــ تتر المسلسل المشترك الذي حدّثتك عنه. هاك الرابط اسمعه بعدي بدقيقتين.. فلا داعي لأن أبللك في حين لا يجب. وأنا أحدّث الغضب عن اختبائك. سأترك الأغنية مدارة وأثور إلى زجاجة الماء التي ابتعت في موقف القاهرة وأشربها لآخرها. وأضحك. وأدوّن على ورقتها الممحية تاريخ الفراق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شاعرة مصرية، الديوان صادر مؤخرًا عن دار البديع العربي