هاجر فايد
بين العنكبوتيةِ
والأمِ الحنونِ
ما الذي يجعلُ الدمَ يخطئُ مَجرَاهْ؟!
في ساحةِ الرعايةِ البيضاءْ
أن نكون بشرًا تحتملُ طينَتُنا الملائكيَّةَ والشيطَنةَ
أمرٌ يجعلُ “القيامةَ”مُمكِنًا
هوَ في عَليائِهِ
يسمعُ ألسنَتَهُم وأيديَهُم وأرجلَهم المُمَدَّدةَ
ليضعَ الميزانَ بالقِسْطِ.
فِي رعايَتِي
أبٌ صالحٌ تعلُو وجْهَهُ ابتساماتُ الألمِ
أقولُ يا أبِي
أيُّ مكانٍ سوى هذا الوجْهِ
يُمكنُ أن يُسقِطَ للألمِ هَيبَتَهْ؟!
يُذكِّرهُ اختراقُ الإبرِ
حين كانَ يَخِيطُ فُستانًا لحفيدتِهِ قبلَ أنْ يَأتِي
غدًا يُهدِيها
واليومَ علىٰ جسدِهِ تَستحِي الإبرُ
تقولُ: إنَّنا فقطْ نطبعُ الذِّكرىٰ
وتُغَادرْ.
في رِعايتِي
كانت تُحَدِّثُ أشخاصًا غيرَ موجودةٍ
يُطعِمُونَهَا بيَديَّ
ويُسقُونَهَا الكوثرَ
أرىٰ لهفةَ اللقاءاتِ
وشوقَ الوداعاتِ
وكسْرة الفراقِ
في وجهها الواحِدْ
آلامُ الحُقَنِ خُرقَةٌ باليةٌ إذا هُم ولُّوا أعينَهُم عنها
تربت بيدِها على كتفِي وتُتَمتِمُ:
وصِّلُّوا السَّلامَ
إلى الصَّحْبِ والآلِ أجمَعِين.
في الرعايةِ
كان علىٰ مشارفِ الثلاثينَ يسمعُ ويُبصرُ
“نحنُ هنا نزرعُ الشَّوكَ”
إنَّهُ لا يرى أحدًا !!
يداه وقدماه المقيدةُ في سريرِهِ
كأنَّما يُساقُ إلىٰ الموتِ سَوقًا
إنَّهُ لا يرىٰ أحدًا
لعثماتٍ لعثمات
وصرختُه مسحوبةٌ بقوةٍ
لكنه لا يرىٰ أحدًا.
في الرعايةِ،
الزائرونُ الذين أتَوْا على سفرٍ
هنا
تتفَتَّحُ على الآخرةِ بواباتُ الدُّنيَا
ليخرقَ جميع الحاضرينَ حُجُب الغيبِ
فيشهَدوا الأثَرَ
والزائرونَ
منهُم من أتَوا يَرُدّ الدَّيْنَ بالمُؤَنِ
ومنهم منْ يَوَدُّ لو يُعرّشُ أمام أسِرَّةِ الأحبَّةِ
فسريرٌ هناك يحفُّهُ المُحِبونَ ككعبةٍ
لا تدعُ أقدامُهُم فَراغًا
وسريرٌ مسكينٌ صاحبُهُ
تأخذُ زائريه الحميَّةُ المخادعةُ لِلومِ المَلائِكةِ
إظهارًا لمحبةٍ زائفةٍ
عرَّفتهم اليوم عينُ اللهْ.
وسريرٌ هناك لم يزُرْه أحدٌ
ولو زارَهُ أحدٌ
إنه لا يرى أحدًا.
الزائرون
يَلتمِسونَ الشفاعةَ للأحِبَّة
من يعرفُ إذا شفاعَتُهُم تلقَّاهَا شيطانًا أو ملاكًا!
فجَميعُهُم صُورٌ
ولا سلطةَ للمالِ
أمام سُطوةِ النفسِ أوالموتِ
الحبُّ وحدَهُ
الحبُّ الذي يغمرُ دموعَ الزائرينَ
والذي يصبحُ جيشًا بحقٍ يتسلُّحُ بضحكات السَّلوىٰ
واللهفةُ التي تلبِّي حين أتصلُ”نحتاجُ دواءًا…”
ما يجعلُ المحبينَ يبِيتُونَ في العراءِ
تتقلقلُ قلوبُهُم على أرجوحةِ الأملِ
وحبٌ فريدٌ
إن يُسمِعْنا الزغاريدَ في الطابقِ الأسفلِ
فقد همسَ ألا نخبرَ أحبَّتَهُم بما فعلوه لأجلِهِم
في هذهِ اللحظةِ
لا يعودُ أمرُ الموت ذا شأنٍ أصْلاً
فنحنُ جميعًا في بطنِ الحوتِ
لا نعرفُ أيَّ تسبيحةٍ ستُنجِينا
لكنَّه الحبُّ
ليس من دونهِ وليٌ ولا شفيعٌ
ما يجعلُ”الرعايةَ” جنَّةً
أو قبرًا
ألا إنّ الجحيمَ لا وجودَ لهُ
يكفيه ألّا يزورَه أحدٌ
وأنَّهُ لا يرىٰ أحدًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
العنكبوتية والأم الحنون: أغشية تحيط بالمخ، حين يحدث نزيفٌ دموي في هذه الأغشية يُلجئُ المرضىٰ لدخول عناية القسطرة المخية.
شاعرة مصرية .. صدر لها “قلب بركاني” 2024