ترجمة: سعيد بوخليط
”تتجاوز اللَّفظة كل كائن بل تتجاوز نفسها.ترتجف رعبا،ثم تحلِّق،لايمكننا قط في كثير من الأحيان بلوغها بعد انطلاقتها”(بيير جان جوف،أعمال نثرية،1960،ص 14 ).
قد تكون صورة طائر العنقاء- صورة مهووسة- بسيطة ومختصرة بالنسبة لمبحث الأساطير،لكنها تتيح المجال لموضوعة عندما نتحوَّل إلى مجال ظاهراتية الخيال؟إنّه الإشكال الذي تردَّدنا غالبا بخصوصه.
قصد دراسة فعل الخيال المبدع،سيكون حتما،مناسبا أكثر التوجُّه إلى صور دون ماض،صور تنبثق من رؤانا الحالمة الخاصة،بقدر ماتوجب على الظاهراتي تلك الطموحات صوب اختبار من هذا القبيل للصور،أن يتمثَّل داخل ذاته مرة أخرى الظواهر النفسية التي يتوخَّى توضيحها.
لذلك،إذا أمكن البرهنة على أنَّ صورة مذهلة تتجلَّى عادة حينما نتَّبع محور رؤى حالمة،وإظهار بأنَّ صورة طائر العنقاء تحيا داخل اللغة دون عناء،ثم إمكانية استحضار أمثلة دقيقة نرى معها طائر العنقاء أو الفنقس يحتفظ على وجود شعري،يتناوله أو يكتشفه – انتصار لغة متسامية- سنكون حينها بصدد حالة صعبة،ميئوس منها،تقدم دليلا على أنَّ الظاهراتية تسمح لنا كي نلامس أيضا مع صور التقليد،بداية جديدة.
بداية،من اللافت للنظر،أنَّ الاستثنائي مع الصورة القديمة،شكَّل قاعدة.هكذا،يجد الخيال،ميزة كائن مدهش.أيضا،طائر العنقاء كائن خرافة ثنائية :يحترق بنيرانه الذاتية؛ثم ينبثق مرة أخرى من رماده.يلزمني السعي صوب اختبار هذه المعجزة الثنائية،أنا من يعتقد أكثر بخصوص ما أتخيَّله.مادام إيماني بطائر العنقاء قائما،فيلزمني الإيمان بذلك قليلا بغية اكتشافه مثلما تمَّت معرفته.
باعتباري ظاهراتيا،يقتضي ذلك الاعتقاد بصورة مذهلة دون وصلها بالسذاجة.يساعدنا الشعراء،من خلال تغيُّرات دقيقة للصور،كي نضفي حياة على الطائر الأسطوري.تحديدا عبر الامتثال إلى الكائن الشعري للصورة يمكن تحقيق الانصهار بين الحماس ثم الحذر.هكذا،يصبح الإعجاب بديلا عن الاعتقاد،بحيث لايتجه التصور نحو كائن حقيقي،بل كائن لغوي،سخاء اللغة،ثم كائن شعري.بالتالي،انتقلنا مع طائر العنقاء المتخيَّل بواسطة الشاعر،صوب محض سيادة للشعري.
يلزم التدليل على أنَّ صورة العنقاء،أساسا صورة أضحت لفظة،تبعث مجازات عدَّة.بوسع الفنان التشكيلي فعلا،مثلما يصنع ألبرتو مارتيني،منح لوحته التي تصور طائر العنقاء ملتهبا في عشِّ ناره،عنوان”الحب”.ينطوي العنوان على معطيات كثيرة بالنسبة لطائر يحترق.تعبِّر مجازات الرسَّامين بشكل سريع جدا عن أفكار انتقالية.يساعدنا الشعراء كي نتخيَّل بامتياز.
تأخذ الوظيفة المتخيَّلة جلَّ امتدادها بواسطة الكلام.يتحتَّم الإخبار عن صورة مذهلة والحديث بخصوصها مرة أخرى.يقتضي بهذا الخصوص كل قول جديد الانطواء على سمة مغايرة.الصورة المرئية لحظية.الخرافة الحقيقية،تتكلَّم،ولاتتلى،تصرخ في إطار حقيقة الحماس وليس الإنشاد.باختصار،تنتمي الوظيفة الخيالية إلى نفوذ الشعري،تتجاوز الصور التي تحققت.
ينفجر طائر العنقاء لدى الشعراء عبر أقوال ملتهِبة وملهِبة.إنَّه يكمن في عمق حقل مجازات لامتناهية.يستحيل بالنسبة لصورة من هذا النوع أن تترك الخيال هادئا.لاتتوقف أبدا عن الانبثاق ثانية من تعابيره العتيقة،وتزعزع باستمرار الظاهراتي الكسول.
لو كنتُ مختصَّا نفسيا مستقصيا،وامتلكتُ حظَّ لقاء نفسيات متعدِّدة كي أحاورها بغتة،سأنزع نحو تهيئ،مثلما يقول أهل التجارب،بطارية اختبارات للخيال.سيكون أحد اختبارات خيال النار،هجوما بالكلمات،من خلال هذا التقارب بين كلمتين :طائر النار.لاأحد يحتاج إلى أسئلة مفهومية. من غير المجدي إضافة : إنَّك توحي بهذا التعبير؟ترتجُّ اللفظة كلما تجابهت كلمتان كبيرتان.بالتالي،فالحديث غير مشروط يتحرَّر من عادات تتمِّم جملا، لكن دون الاستمتاع حقا باندفاعات أن تتكلَّم.
يقتضي الوضع من اختبار الخيال أن يكون محرِّرا.هنا يكمن تحرير صعب التحقُّق مادامت لغة الدلالة في تزايد جراء كل تواصل.نسائل”المعنى”حتى عندما نستسيغ تقبُّل دلالات غير متجانسة،بل متحمِّسة لفوضى الأجوبة.يدرك حقا المحلِّلون النفسانيون التأثير الذي يمكن أن تعرفه كلمة داخل أعماق النفسية. يوظفون هذه الصدمة الإجرائية قصد إماطة اللثام عن ذكريات مكبوتة.لكن طموح فاحصي الخيال يبدو أكبر،حتما مفرط في الكبر(ماجدوى الطموح إذا لم يكن أكثر مما ينبغي؟) :ينبغي على اختبار الخيال التأثير وجهة الأمام،وليس نحو الوراء؛ورصده القوى المتخيِّلة،التي تتخيَّل باستفاضة،نفسيات تؤمن بجمال – إذن واقعية- طيور النار.وحده الخيال يعلِّم اللغة كيفية تجاوز ذاتها.
تتآلف حقائق عدَّة،عند نواة هاتين الكلمتين اللتين تستمدان قيمتهما نتيجة وحدتهما حيث يولد طائر النار :شعلة محلِّقة،جناح وميض يعبر السماء السوداء خلال ليلة عاصفة،بعض الطيور ذات الألوان المزركشة،تسطع في سماء صيفية.
غير أنَّ مختلف هذه الصور التي أرغب في اختبارها قبل النظر إلى صور مرتبطة تماما بالصورة التقليدية لطائر العنقاء،تعدُّ صورا ديناميكية.ليست فعليا بصور لعنصر النار، بل صور السرعة.طيور النار هي سمات للنار.
حينما تباغتني خلال تأملي،سمات النار تلك،مضيئة أو محلِّقة،ستتجلى أمام بصري بمثابة لحظات عرفت تضخيما،إنها لحظات للكون.لاتنتمي إلي،بل حظيت بها.تعود ثانية هاته اللحظات التي ميزت الذاكرة،بين طيات التأمل الشارد،تحافظ على ديناميكيتها الخيالية. يمكنني حقا تسميتها بطيور عنقاء التأمل الشارد.
قبل دراسة الصورة الجذرية،سأتعقب من خلال الحقيقة الواقعية عن مابوسعه أن يشكل مبرِّرا قصد التخيُّل وتحويل إلى النمط الشخصي بعض الصور التي تُعاش فعليا.
رأيت أول طائر للنار،يغوص في تأملي الشارد.كان يوما مشمسا مشهودا،تبنَّى خلاله النهر اسما موصولا بالفجر،نهر يكبر بالطفولة،هادئا وأزرق تماما كالسماء.ينبعث طائر النار،كأنَّه سهم منطلق صوب أعالي السماء.مامصدر،الصرخة الحادَّة؟هل طائر الضوء أو الطفل المندهش،المنعزل؟سريعا جدا،يحدِث الطائر اهتزازا في المِرآة،يعرض لآلئ مائية تشكِّل ربما غنيمته الوحيدة،منطلقا صوب السماء. لقد كان طائر السنونو،أزرق مثل حديد ساخن.يتوارى الطائر عن الأنظار،تندلع الأحلام.يأتي من أعلى السماء،كي يحطَّ فوق الأشجار !
لكن أين طائر النار،عشه في سماء شهر يونيو؟أيُّ إزعاج،وذنب في حقِّ ماء هادئ جدا !آثم في الطبيعة،كل من يسير سريعا.لماذا لاتأتى هذه الشعلة المنحدرة من السماء،كي تتأمل شكلها بحنوٍّ عبر مرآة المياه؟كيف لكائن في غاية الجمال أن يكون شرِها جدا؟ما الارتباط الدرامي بين طائر السنونو-المحتال وكذا السمك الأبيض الفضِّي؟هل يمكن لكل قسوة هذا الأزرق تحفيز فلسفة طفل؟
أليست حادثة صغيرة في حياة طفل،بمثابة حادثة ضمن عالمه،بالتالي حادثة العالم.ذكرى من هذا القبيل ضمن نطاق وحدتها،تعتبر دراما- كونية طبيعية.حينما ترتقي ذكرى معينة إلى دراما-كونية،فلن نعرف جيدا إذا كانت نقطة تاريخ أو نقطة انطلاق أسطورة.طائر السنونو لديَّ،هو طائر العنقاء داخل بلدة ذاكرتي.
حينما يستعيد العدم هذا الساحر،يصير الانذهال كآبة.مرة أخرى،لم أعد حينها طفلا،رأيت طائر السنونو عند نفس النهر.تواجدنا معا ذات يوم ميَّزته شمس صيفية!اختبرت سعادة مضاعفة الصور من خلال ربطها بالأساطير المقروءة بين صفحات الكتب.تتيح الأساطير إمكانية التعبير عن جماليات العالم،ينبغي العثور عليها ثانية حين تأمل صورة مدهشة.الطائر المبهر بمثابة صورة أصيلة عن طائر العنقاء.
طيور العنقاء الكبيرة التي أحببتُ وضعها الاعتباري في تاريخ الأساطير،تعيش سنة،مائة سنة.بينما طائري،يمكث فقط لحظة. لكن أيّ لحظة تلك بتجسيدها ذروة السعادة !
لم يعد قط إلى حياتي،طائر العنقاء-السنونو.جوهريا،نادرا مانرى أشياء كبيرة خلال يومياتنا.هل أمكن شخص ضمن مائة،رؤية طائر السنونو؟ربما يستهدف بعض القنَّاصين جلّ مايطير؟لكن هل يرى حقا،حين التصويب جيدا؟هل بوسع الصيَّاد،وقد وضع الفريسة داخل كيسه،تذكُّر سماء فصل الصيف،وكذا النهر المرتعش؟كيف يبلغ فكرا وأحلاما،من خلال طائر صادف الموت ضمن إفراط مجده؟هل يستحضر الإنسان-الصياد،بانتقاله من الرائع إلى المفيد،بديهية الجشعين :”يخفي الريش الجميل لحما رديئا”.
مرة أخرى،يمكن الاقتناع بأنَّ الرؤية عن قرب تعني حيلولة دون الحلم بعيدا.يرى الحالم عبر نسبة توسع نظرته،عالما جديرا بشيء جميل.إذن،السهم الحيّ،طائر النار،صورة ملتهبة تشغل حيز نواة العالم.
لكن لأبادر إلى تغيير جدول القائمة،وأتكلم عن الشعراء.
يبرز التحليل الكوني لبعض الشعراء،أفضل من تأملات الفيلسوف،قيمة صورة نادرة ومقتضبة،صورة حقيقية عن السرعة.
هناك صورة لتوماس إليوت،تجسِّد ذلك كأنَّه لحظة للضوء:
بعد أن أجاب جناح طائر السنونو على الضوء بالضوء
فالضوء هادئ.
كي تكون هادئا،يلزم امتلاك وعي بالهدوء يسيطر على الفتور.طالما يغفو الماء الشفَّاف تحت شمس صيفية،ينسى الضوء فعله المبدع.نتيجة الفعل العنيف للسهم المضيء، يرتقي ضوء المياه المسطَّح.يتمثَّل الشاعر هذه اللحظة الضوئية الفعالة كانعتاق زمني حقيقي.يختزل إليوت قصيدته من خلال هذين المقطعين الشعريين:
سخيفة كآبة الزمن العقيم
الذي يمتدّ قبل وبعد.
يبدو أنَّ زمنا كونيا تجلى هنا قصد تضخيم زمن تابع،زمن مقيِّد ولاينتج شيئا.يصعد الشاعر إلى مستوى واقعة كونية قصد استكشاف لحظة بريق.يرتجُّ خمول التأمل الشارد.يحلم،يلزمه أن يرى،بعينين منفتحتين جدا ومع ذلك لم يصدق عينيه.
نعم،يشكِّل يوم طائر العنقاء،يوما عظيما،يتجرَّد عن كل قبل أو بعد.ينمو كل شيء داخل الكون،في خضمِّ الضوء.خلال ذلك اليوم،يكتب الشاعر قصيدة.
طائر السنونو عند إليوت،ثم فنقس الشمال،طائر دون نكهة،صورة ابتزَّت سمو لحظة الشاعر.ينبغي لهذه الصورة توضيح شعرية تنصبُّ على اللحظة،ثم حلقة كبيرة بخصوص شعرية الزمان.
استطاع شاعر ميتافيزيقي كما الشأن مع توماس ستيرنز إليوت،ملامسة واقعة طائر النار المبهِرَة ضمن تجرُّدها،مثل استراحة للزمن.كاتب مرهف الحس،راكم جملا متناقضة غاية أقصى مستويات حميمتها،تصاحبها تباينات عديدة،حول طائر الرفراف،طائر العنقاء في أريافنا،نار محلِّقة،وردة النار،يحيا بين طيات وميض الخيال.
تروي إحدى مقاطع ”سيدة نوهان”مصادفة كائن وحيد عند طريق بقرية بيريشون :”طريق يقود نحو وجهة،لاأحد منكم ،أعزائي القراء ،قد مرَّ منها قط تقريبا،لأنها لاتفضي لمكان يستحق عناء تورُّط من هذا القبيل، سوى لدى متهوِّر.تحدُّه حفرة، تنمو وسط مائها الممزوج بالوحل،أجمل زنابق الماء الموجودة في العالم،أشدُّ بياضا من أزهار كاميليا،وأكثر عطرا من السَّوسن،ونقاء من ثياب العذراء،وسط أنواع السمندل وكذا الثعابين التي تعيش هناك في تربة الوحل وبين النباتات، يحلّقُ الطائر الرفراف،فيضيء هذا الحيّ ضفافا،كأنَّه إشراقة نار فوق الغطاء النباتي البريِّ المدهش للمستنقع”(1).هكذا،حضرت صورة طائر النار كي يضع النص نقطة نهاية لتحمسه الأدبي.
بوسعنا تفضيل رصانة الشاعر الانجليزي.لكن ربما حين تأمل وثيقتي إليوت وكذا جورج ساند،يمكن تحديد مايمكن تسميته طواعية بحقل الصور.نتعقَّب داخل هذا الفضاء بين قطبين،خيالا ينغمس مفرطا في التخيُّل وكذا خيالا يستعصي عليه الانعزال داخل صورة خاصة،يحتاج إلى ربط الزنبق المائي بالطائر،تلك الوردة النابضة بالحياة والملتهِبة.
عند تحقيق هذه الوضعية لخيال ثنائي القطب،أتلمَّس تحليلا إيقاعيا عن خيال يناقش :هل يلزم الاعتدال أو المبالغة؟أغدو مرهف الحسِّ صوب الحركتين،فقد أدركتُ جيدا بأنَّ تقييد الصورة يعني وضعها ضمن سبيل قوامه الكبت،أيضا جعل نفس الصورة مندفعة ربما جعلها آلية للإفراط،لكن على الأقل،من خلال مزيَّة هذين القطبين المتطرفين،وقفتُ عند حدود حرية التخيُّل؛ وتغاضيتُ عن ضرورة ربط الدال بالمدلول.
يقتضي إطار ملاحظاتي الإيحاء بتصور عن خيال مستقل دون صلة بالحقيقة الواقعية.لذلك، تناولت نموذج كائن من العالم،أقصد طائر الرفراف الذي وصفته فعلا الكتب المهتمَّة بعلم الطيور،أظهرت مع ذلك حركتين للصور، وحاجتين للتخيُّل،غير مرتبطتين بأيِّ نقطة مشتركة.
الطائر الرفراف،طائر بلا وظيفة زمانية،ولاكونية، ثم يصبح في خضمِّ نافورتي صور،كائنا زمنيا وكونيا استثنائيا.الوثيقتان الأدبيتان لتوماس إليوت وكذا جورج ساند، تعكس حقا شهادات عن هذيان الدلالة.قد يتأتَّى هنا إلى فؤاد حالم أمام النهر،بعض الحكي عن الطائر الأزرق.لكن هذه الطيور الزرقاء،شاحبة جدا كي تتحمَّل قواعد شعرية النار.
يلزمني كي أعضِّد،صور طائر العنقاء الشخصي،أفضل من السابق،السعي نحو رؤية الصقور، وطيور العقاب، والكوندور،بالتالي وَقْعِ صواعقهم التي تمزِّق السماء.بهذا الخصوص،أشار العديد من الكتَّاب،إلى طائر العنقاء ضمن حديثهم عن هذه الطيور الكبيرة والأسطورية خلال العصر الوسيط، وقد مزجوا بين أساطير التاريخ وأساطير المسافرين. نعم،فأن تشاهد كثيرا خلال رحلات طويلة،يتيح قليلا إمكانية حقِّ التخيُّل.فيما بعد،سأبرز خلال قراءاتي،هذه الحاجة المتمثِّلة في إدراج كائنات التأمل الشارد ضمن الكائنات الحقيقة.
لقد استبعدت من مهمتي كل بحث نحو موضوعية تاريخ الأساطير.ذلك أنَّ مشتغلين أكثر تأهيلا مني أنجزوا أبحاثا من هذا النوع.لكن التناول الموضوعي للوثائق،يجسِّد شيئا،بينما يعكس الامتثال الذاتي لزخم هذه الوثائق منحى ثانيا.وجب تحقيق تلازم بين ثقافة صبورة وكذا تأمل جديد.
عموما،إذا توخيْتَ،الإبقاء على حكايات العنقاء المذهلة،يلزم أن تكتشف داخل ذاتكَ، من خلال ذكرياتكَ،وتأملاتكَ الشاردة إبان فترات خيالكَ،بذرة صور طائر النار.إذا افتقدتَ هذه النواة،فإنَّكَ بصدد فقط النفاذ كباحث متبحِّرٍ في الحقل الهائل للفولكلور والأساطير.أنتَ بصدد التعلُّم،وبقدر ازدياد تثقيفكَ،يتضاءل اعتقادكَ.تراكم الوقائع أكثر فأكثر، من طرف علماء الآثار، ومؤرِّخي الديانات،وكذا علماء الأساطير،تجعلكَ موضوعيا أكثر فأكثر،مقتفيا القاعدة الجيدة لعلوم الآثار.لكن،بموازاة هذه الموضوعية التي تنمو تبعا لعدد الوقائع المصنَّفة حقا،تكمن مجازفة حدوث انغلاق على مستوى الاختيار:أنا أو الكون. جدلية حاسمة تطرح نفسها قصد الحلم باحتراق العنقاء : الشمس أو الجوهر الحميمي للعنقاء؟يشتعل العنقاء بتركيز أشعة السماء،أو يهيِّئ موقد حيًّ شعلة صنيعه؟
حسب بعض الأساطير،الشمس تلهب الموقد.شعاع واحد فترة الفجر يحدث الحريق. شَعْرُ فيبوس (إله الشمس)، يشعل طائر العنقاء.لذلك،هو طائر من السماء ترتبط حياته وموته،بمصير شمسي.وجهة العنقاء شمس راكضة؛تتوافق حياته وموته مع إشارات السماء.يتكلَّم طائر العنقاء حقائق الكواكب.
عندما نتَّبع محور هاته الأساطير،نحِّسُ بفعل تأملات شاردة تفكِّر،وتنظِّمُ ظواهر السماء.صار طائر العنقاء،من خلال موته المتوهِّج،نار للسماء.تنمو الدلائل،عبر القرون،وفق المعنى الفلكي المرتبط بحياة هذا الطائر.مثلا تؤكد دلائل،امتلاكه ثلاثمائة وستين ريشة،”بقدر أيام السنة”.تأملات شاردة معاصرة أكثر،تتعجَّل التقويم بإضافتها خمس ريشات أخرى.لكن بئيسة هي التأملات التي تحصي !
أحلم أفضل بكائن العنقاء،فوق الغصن الأخر للجدل،نحو مركز النار الوثيق تماما؛ بمعنى ثان في إطار إفراط لصور النار نختبر فعليا الدلالة الظاهراتية الحقيقية لطائر العنقاء،والدلالة المتبلورة بين طيات الوعي الأول وفق رغبة تشتعل نارا وهي تلتهب.كي أتخيَّل بكل صدق أسطورة العنقاء،يلزمني باستمرار أن أصبح عنقاء نفسي ! .
في خضم هذا المثال الأعلى للشعلة المأمولة وليس الماثلة،تهيَّأ أموميا موقد طائر العنقاء،مثل مَهْدٍ فائق،وموطن للموت.يجمع الطائر الرائع عطورا،بمثابة نيران صماء ومحتملة.أعتقد أنا حالم الكلمات،بأنَّ كلمة ”عطر”تضمر دفئا خفيَّا تجعل الحالم، يبتهج سلفا بتوهُّجِ النار الكبير.
يحطُّ طائر العنقاء فوق عشِّهِ المعطَّرِ،يلتهب داخل موقد أعشابه ذات الرائحة الطيبة،حينها نضع أيادينا على عنصر يتعلق بأسطورة النكهات.وحدها النكهات تهيئ أساطير.تندلع نار حاسمة داخل المأوى الفَوَّاحِ،عند تحقُّقِ أقصى درجات التركيز العطري.منذئذ،يوجد لكل عطر طائر عنقاء.تنفتح جدلية خيال بين طيات التأملات الشاردة لتلك العطور :إما يحتفظ العطر بجوهره أو يمنحه تمدُّدا.يقتضي السياق كلمتين قصد التعبير عن هذه القوة الثنائية : التحنيط و ماقبل التحنيط.حينما يختار طائر العنقاء عطره،فإنه يهيِّئ عدمه المعطَّر.هو كائن البخور الذي يعيش ضمن تناسب يندثر معه .
غير أنَّ التأمل الشارد،لايكمن دائما في إطار الطمأنينة التي توفرها الجواهر السائدة،بل يتطلَّع صوب تخيُّل الوقائع.التأمل الشارد يفكّر،يعتقد بأنه يفكّر.يرغب في إخبارنا عن كيفية احتراق طائر العنقاء.يستحضر علماء الأساطير نصوصا،توضِّح كيفية تخفيض طائر العنقاء لجناحيه بغية الالتهاب.هل يلزم التذكير،بأنَّ رفرفة الأجنحة تلك تمثِّل احتكاكا حميما،ودفئا أوليا؟هل يعكس الجناح المثابر فوق أول شرارة،وظيفة منفاخ؟هل ينطوي على حزمة أسباب معقولة تفسر المعجزة؟
لكن لاشيء أكثر غرابة من مفهوم العِلَّة، قصد تحديد ملائم للصور.البحث عن تعليل للصور،يعني فورا افتقاد أساس الصور،ثم إمكانية أن تحيا السمة النفسية المباشرة للصورة. دائما،الصورة أكثر تفرُّدا من تأويل سببها .لذلك،ابتعدت أبحاثي الحديثة حول الخيال،عن منهجية التحليل النفسي.
بغية اكتشاف فرادة تجربة معينة معاشة،لاينبغي إخضاعها إلى استواء المقارنات. فالسببية التي يتوخاها التحليل النفسي،بخصوص الصورة تعتبر سببية ثقيلة،تجعلنا متخلِّفين حيال اندفاع إعجابنا.
تتيح لنا الظاهراتية،وتجعلنا نعيش الصورة من خلال جاذبية حساسيتها.تأخذ تفاصيل الصورة تضخمها نتيجة توسُّع في النظام الشعري. يتغيَّر كل شيء عبر فعل قابل لزيادة الشعري.تغيِّر تفاصيل الصورة زمنية الخيال.
يقول مقطع للأسطورة،عندما خَفَّض طائر العنقاء جناحيه:هل قبل،أو خلال الفعل النَّاري،أو بعده؟ينعدم الزمان،عند إدراك هذه الدرجة من سموِّ احتراق الكائن.يرفرف بجناحيه على العشِّ،لأنه امتلك أصلا جناحا للنار.نار تحلِّق،شعلة محلِّقة،إنه النَّفَس الهوائي الذي يلهب النار.لحظة بلوغنا كنه التأملات الشاردة،نكون على يقين بامتلاك النار أجنحة،وبأنَّ الجناح في الشمس شعلة حيَّة.تضمَّنت الأساطير صورا عديدة،تبدو معها النار غير قابلة للاحتراق،منيعة على ذاتها.تقاوم طاقتها الخاصة،تمتلك جوهريا نارا مضادَّة،هكذا الحال بالنسبة لجناح النار.يشتدَّ زخم المجازات، تتبادل مواقعها،ثم تتشكَّل حقيقة الشعري، انطلاقا من نواة صور شعرية.
مثلما أشرت سابقا،لايتعلق الأمر لديّ بتلخيص،وإن بكيفية مقتضبة لتاريخ أسطورة مميَّزة جدا كما الشأن مع طائر العنقاء.بل هل يمثِّل أسطورة؟الم تقل ماري دولكور :”طائر العنقاء صورة أكثر منه أسطورة”(2).يكفي القول بأنه صورة أسطورية،تندرج ضمن أساطير أكثر تعقيدا.يلزم الإحاطة بثقافة أسطورية كبيرة قصد اقتفاء تأثيرات صورة من هذا القبيل.
عندما ذكرتُ،خلال الصفحات السابقة،بعض السمات المقتبسة من التراث،أردتُ تحضير الإشكالية الأدبية الأساسية التي تشغلني :هل نحتاج إلى رمز تراثي حتى تتمكن شعرية طائر العنقاء من التطور،وبشكل عام،هل نحتاج إلى تاريخ أسطورة كي نثري قوى شعرية للأساطير؟منذئذ،أضحى هدفي واضحا للغاية.أودُّ توضيح بأنَّ طائر العنقاء صورة شبه طبيعية لشعرية النار.
يعكس السرد الذي يستثمر التراث دون إيمان،محاكاة ساخرة بئيسة حقا.من أمكنه إعادة قراءة”أميرة بلاد بابل”حيث سعت بعض فقرات كتاب فولتير،إعادة صياغة أسطورة طائر العنقاء؟فجعل منه طائرا يمزح لحظات تقديمه النصيحة إلى عشَّاق الأميرة قبل أن يقتله خاطب.غير،أنَّ هذا الطائر قبل احتضاره،أملى وصية حدَّد وفقها طقوس جنازته. بادرت الأميرة الجميلة،إلى تحضير سرير معطَّرٍ يكسوه رماد الطائر :”ترفع يداها الجميلتان موقدا صغيرا من القرنفل وكذا القرفة.كم تفاجأت حينما لاحظت اشتعال الموقد تلقائيا،بمجرد أن بعثرت داخله رماد الطائر!بعد فترة وجيزة،تحوَّل كل شيء إلى رماد.انبثقت بيضة كبيرة، خرج منها الطائر لكن وفق نموذج أكثر تلألأ من ذي قبل.لقد شكَّل الوضع أجمل لحظات الأميرة التي عاشتها طيلة حياتها”(3).
هذا الطائر المجتمعي،ملِك الطيور الذي اقتحم بلاطا شرقيا،تعويذة متوقِّدة تخلق سعادة فتاة جميلة،يكلِّمها تباعا كخادم ومربِّي،حظي ثانية بقيمته المجازية،من وقت لآخر عبر سرد فولتير،الذي ميَّزه تداخل بين الأجناس:تغدو اليرقة فراشة،تنبعث مختلف الحيوانات المدفونة نباتا،الأجسام المطمورة مجرَّد سماد.يمتلك طائر العنقاء ميزة الانبثاق ثانية من ذاته وليس من ”رماد”الآخرين.
وبما أنه طائر،يساعد لدى فولتير على أكبر الأسفار.قصد الجري سريعا أو التحليق عاليا،فقد وضع فولتير رهن إشارة الأميرة،فريقا من الكائن الخرافي المسمى الغِرفين قصد مصاحبة طائر العنقاء،الذي يعبر مختلف القارات عبر كل الاتجاهات،فكان السياق مناسبة بغية الانتقال بالسرد من بلاد الرافدين غاية الصين،ومن الصين إلى إنجلترا.استثمرت تلك الأسفار بهدف دراسة العادات،بالتالي يشبه طائر العنقاء عند فولتير صحفيا.
خلال الصفحات الثلاث الأخيرة لهذه الحكاية المتعِبة،ينبعث فولتير ثانية من رماده، هاهو في باريس،يواجه عصره،وكذا قوى الحاضر.إذن،رمى سهامه ضد الرقباء بشجاعة كبيرة !
غالبا ماتضعف الصور خلف النغمة الممتعة،ويصعب دائما مقاومة السخرية.نحتاج إلى فنٍّ مفرط كي نجعلها تشتغل في عمق وتبيان ذلك على السطح. سخرية طائر العنقاء عند فولتير بلا تأثير، لكن بوسع ميزة شعرية إنعاش كل شيء.
يستعصي طائر العنقاء في مسرحية ”سيرانو دو بيرجيراك”لصاحبها إدموند روستان،على الانخداع الساخر،إنه ”طائر مدهش”للومضة الشعرية.يعيش في بلاد الشمس شعب من الطيور.الطائر الذي يعلِّم سيرانو خلال هذا السفر الرائع،يخاطبه قائلا:”ألاحظ جيدا بأنَّكَ بدين حتى تدرك طبيعة هويتي.أنا من يسمَّى عندكم بطائر العنقاء.يوجد واحد فقط في كل عالم،خلال الآن ذاته،حيث يعيش ضمن مدى مائة سنة؛ فخلال قرن من الزمن، يتخلَّص من بيضة كبيرة وسط جمرات موقده،فوق إحدى جبال شبه الجزيرة العربية،تفرز مواد أغصان الصبار،القرفة وكذا اللبان،ثم يأخذ انطلاقته،ويتوجَّه بتحليقه صوب السماء، هناك يستنشق قلبه طويلا.بذل سابقا مختلف مجهوداته بهدف تحقيق هذا السفر،بيد أنَّ وزن بيضته،بسبب سُمْكِ قشرتها الكبير،اقتضى فقسها قرنا من الزمن،مما أبطأ دائما سبيل سعيه إلى السفر.أرتابُ فعلا بخصوص إمكانية تصوركَ هذا المنتوج المذهل،لذلك ارتأيتُ شرحه لك.طائر العنقاء خنثى،ثم بين الخنثوين،هناك طائر عنقاء آخر مذهل تماما،لأنه…”(4) .
ينتهي التفسير عند ”لأنه”.يدرك سيرانو جيدا،بأنَّ أفضل طريقة لتفسير المذهل تكمن في إضافة المذهل إلى المذهل.
يتوخى الرَّاوي الرائع،حين تذكيره بأسطورة طائر العنقاء،إعطاء تراث لسرده، وقد انتعش بخيال جديد للغاية.يبدو كأنَّه يخاطب القارئ:”أنت،من يرفض الإيمان بأسفاري،هل نسيتَ اعتقادنا خلال أزمنة قديمة جدا،بأنَّ طائر العنقاء كائن بلد الشمس؟”.تمتلك الطيور،كل الطيور،نارا في خضَمِّ وجودها.لذلك :”بصمت الطبيعة الطيور برغبة سرِّية للتحليق غاية هنا”،التحليق عاليا جدا كي يقطن الشمس،عالم النار،ثم وطن مختلف كائنات النار.
سيرانو دو بيرجيراك،شخص ناري إذا أمكنه ذلك،حلم بأن يصبح ابنا للشمس.بخلاف فولتير، الذي تطلَّع بحلمه نحو طائر العنقاء.
قد يبدو مجانيا الفعل الأدبي الذي يطرح كلمة طائر العنقاء وسط صفحة.غير أنَّ هذه الصورة الخرافية طبيعية جدا بين طيات الثقافة الأوروبية بحيث انتهى بها المطاف كي تحظى بوظيفة نفسية إيجابية.هكذا الأمر،بالنسبة لرواية جون كوبر باويس المذهلة : رمال البحر.
بلور كوبر باويس تحديدا كلمة طائر العنقاء مثل كاشِفٍ عند حدود فكر يبرهن ثم صورة تتخيَّل.يفِرُّ ”مريضان” خارج مركز صحي؛أحدها يعاني اختلالا ذهنيا ،بينما الثاني فقد وضع خَبَله ضمن أعماق فكر النُّبُوءة.خلال لحظة فتح باب الملجأ،عند نفس لحظة الحرية،يخبرنا”النبي”،على لسان كوبر باويس،بعدم “قدرته على منع نفسه من التفكير في خديعة أن يغدو طائر عنقاء”(5) .
فورا يضيف كوبر باويس،اعترافا ثمينا حول الإبداع الأدبي وكذا رؤية عميقة حول ارتباط اللاوعي بماضي صوره،فكتب مايلي :”تلك التسميات الكلاسيكية القديمة،الإنجيلية، القروسطية،الكامنة هنا !مخزون أقنعة لاينضب يمكنها دائما سحب البشر بشكل سيِّئ نحو الهلوسة الذاتية،غريب أنَّنا لم نفكر جدِّيا في ذلك سوى قليلا،الأسماء الشهيرة التي يتبناها المجانين.محاكاة جوفاء و فضِّية،كما تبدو هذه المقاطع اللفظية لزمن قديم،شرعت تطفو حسب الانسياق،غاية لحظة تناولها كمقاطع لفظية سحرية لكلمة طائر العنقاء،قصد تغطية العراء التراجيدي لما يجهله الفكر !” .
في هذه الصفحة من رواية كوبر باويس،وحدها كلمة طائر العنقاء تحرِّض على التأمل الشارد.اختبر الجميع هذه الساعات،تأتي خلالها المقاطع اللفظية من تلقاء ذاتها كي تشكِّل كلمة،كلمة قديمة جدا،تفتقد لأيِّ مرتكز على مستوى الحياة اليومية،كلمة لم نفكِّر فيها! تسكننا كلمات تحلم !إلى أّيِّ عالم ينتمي طائر العنقاء لدى كوبر باويس ؟هل عالم العبارة حيث تتبلور لغة عقيمة أو في عالم داخل اللاوعي يوحِّد بين ذكريات الثقافة مع صور طبيعية؟ينطوي كتاب كوبر باويس على عمق ثنائي لقصيدة كونية ثم تحليل نفسي للسحيق جدا.يلزم تلقِّي طائر العنقاء عند باويس مثل صورة حرَّة فرضت نفسها على شاعر محلل نفسي،وشاعر مبدع للنفسي،يمنح مختلف شخوصه تفاضلية الجنون الصحيحة.
تشتغل كل صورة قياسا للفكر الذي يتلقاها.لذلك،يتناسب حضور طائر العنقاء عند ”النبي”،المجنون مع انتشاء خيالي،بينما يصبح حقيقة مباشرة وشبه ملموسة بالنسبة للثاني الذي يعاني اختلالا ذهنيا.حينما كان حسُّه سليما،مارس هذا المختلّ وظيفة محنِّط. لقد أصبح جورج بروتي :”بارع القوة في هذا الجانب،وبعد تعافيه جسديا من زكام سيئ أدخله نوبات هذيان،طيلة أسابيع،غير أنَّ ذهنه استمر مضطربا بكيفية لارجعة فيها :”يمكنني حشوك بطائر العنقاء، إذا أردت”،هكذا قال إلى عالم الآثار لودلو. وتحت غشاء ريش العنقاء، الطائر النادر والوحيد الذي لم يتم تحنيطه سابقا،حقَّق جورج بروتي دخوله متحف الجحيم”(6).
لقد أبرز كوبر باويس أكثر واقعية الصورة.بالتالي،حينما اقترب بطله المختلّ ذهنيا من موقد،بدأت ثيابه تشتعل نارا،يهزُّ ذراعيه فتدور مثل أجنحة :”يشقُّ أيضا تلك الأصوات الغريبة التي يستمر الشخص المسكين في بعثها،كتقليد تقريبي،لنعيق مأزق طائر كبير يجابه خطر الموت، حسب ذهنية باحث في علم الطيور”(7).
تناول نص جون كوبر باويس،طائر العنقاء،تناوبيا في خضم نبرة صوت يردِّد عناصر ثقافية ثم خلال الآن ذاته ضمن أفق تباهي صانع لايرى حاجزا أمام مسعى حرفته.يقدِّم لنا الحالم الكبير كوبر باويس،إفراط الصورة،وفق دلالتين مختلفتين.صورة طائر العنقاء،بحسبه إما أُفرغت من محتواها،أو حدث التنكيل بها نتيجة خُدَع المحنِّطِ.لذلك،لم يرتكز الكاتب على وثيقة أسطورية معينة،بل جعلنا حيال أسطورة طبيعية،أسطورة تأتَّت جراء هلوسة تلقائية لحالم بالصور،أو ببساطة حالم بالكلمات.
هل صحيح مختلف ذلك؟هل تعتبر مجرد ملاحظة إكلينيكية؟يتساءل الطبيب النفسي.بالنسبة إلي،كفيلسوف للخيال الشعري،كل ذلك صحيح مادامت قد تحقَّق كتابيا،بفضل وجود كاتب كبير استطاع تخيُّله،قصد إعطائه هيبة الكتابي،بغية إدماجها بين طيات سرد الوقائع النفسية المتوتِّرة،على مستوى تأسيس نفسية دراماتيكية في أقصى توترها.
بالنسبة لمن يدرس الخيال،داخل ”عيادة”كاتب كبير مثلما الشأن مع كوبر باويس، ومقارنة مع عيادة الطب النفسي،سيمتلك أكثر من معنى وحمولة،وكذا حقيقة نفسية.نعاين بطريقة ما،صحبة الكاتب عيادة متَّصلة،ومتحرِّرة من ارتجال الملاحظة البسيطة.نمتلك ضمانة دراما متوارية،يكشف عنها تحديدا الاهتمام الدرامي،الذي يديره العمل الفني ببراعة.
إذن،حدثت السيطرة على تعويذة الحماقات التي تقدِّمها العيادة المعتادة.ثم حظيت لدى الكاتب صورة مجنونة – نواة الجنون- بأكثر تداعياتها النفسية بُعْدا.رواية رمال البحر، بمثابة عمل كبير يتمثَّل الواقع والخيالي.ستدهش كل قارئ قوة الكاتب الذي يتخيَّل النفسي.
هكذا،أعترف مرة أخرى،بأوثاني كقارئ.
حتما سيواجهني اعتراض،مفاده افتقاد صور طائر العنقاء عند كوبر باويس،للنَّبرة الشعرية الخالصة :إنها غير”مذهلة”.فقد اكتفى الكاتب بإعطاء الصورة تأويلين نفسيين. يعبِّر الشعراء في أغلب الأحيان،عن تأويلات معكوسة تضخِّم الحياة عبر إضاءات الحلم.فعلا، يلزم فلسفة الخيال التركيز على حيثيات هذا التأويل الثنائي :ترجمة الواقع النفسي إلى تطلُّعات متخيَّلة،ثم على العكس من ذلك،تضمين نسيج الدراما الإنسانية ذاتها الصور الأكثر إثارة للإعجاب.
سأسعى مع الشعراء،اقتفاء خاصة محور الشعر المغناطيسي،لقصيدة تنمو باستمرار، ينمو معها روعة طائر العنقاء،وتجعل منه وكيلا عن جمال العالم.
لندخل الآن إلى متحفي الشعري عن صور طائر العنقاء.
شاعر الحقبة المعاصرة،شاعر القصيدة الحديثة،ترك جانبا مخطَّط توظيف الأساطير،لكنه عثر ثانية على القوى الأسطورية بكيفية جديدة تماما.يدرك من أول انجذاب،بأنَّ الطائر كائن مكاني،مكان آخر أكبر من مختلف الأمكنة الأخرى التي تتطور على امتداد سبل الأرض.يفتح هذا الهناك المترامي،أفقا للحياة المتنامية.الطائر في أوج تحليقه،بمثابة مركز للفضاء الشعري.إذا أظهرت أجنحته نار ألوان،فإنه ينتمي إلى شعرية النار.حلم إضافي،ثم يغدو طائرا بمصير ناري.أحيانا،ينتظم عند شاعر،مسار بأكمله من القصائد ضمن أسطورة طبيعية حقا،أسطورة للطبيعة.تتشكَّل هذه الأسطورة بشكل عادي جدا تجعلنا نشعر بأنها لاتدين بأيِّ شكل من الأشكال سواء للتاريخ أو الأساطير.يمكننا نسيان الأفكار،والمعرفة؛بحيث تتكلَّم الطبيعة من ذاتها.فلنستمع مثلا إلى قصائد إيف بونيفوا الملتئِمة تحت عنوان :”نشيد الحماية”(8)،قصيدة طوَّرت عملها الأسطوري المستقلِّ.
في أيِّ صحراء،وليل للروح،استدعى طائر الشاعر؟(9)
استدعاني طائر،فأتيت.
استسلمت لضوضاء موت يهزُّ داخلي.
ثم قاومت،فجعلت كلمات قد استحوذت عليَّ
تتبدَّى بجلاء على نافذة حيث كنت أشعر بالبرد.
يشدو الطائر دائما بصوت أسود وصارم،
بعد ذلك سمعت شدوا ثانيا،منبعثا
من خلفية شدو كئيب للطائر الذي استكان إلى الصمت.
موجة وجودية،موجة مختنقة بداية،ثم تنكشف أكثر فتسود القصيدة وقد انطلقت من غناء للموت أسود و قاسٍ صوب آخر ينبعث من الحياة،أول دليل عن طائر ليليٍّ وشمسيٍّ بكيفية تناوبية.
القصيدة التالية عنوانها ”أوراق الشجر المضيئة”(10)،لكن يتعلق الأمر مرة أخرى بضوء صوتي،ينبثق من أناشيد فؤاد الإنسان :
امتلك الطائر فوق شجرة الصمت،قلوبنا بشدوه الهائل والبسيط و المتعطِّش،
يرشد كل الأصوات خلال الليل حينما تنغمس مع كلماتها الحقيقية،
وحركات الكلمات داخل أغصان الأشجار
كي تستدعي أكثر،ونحبّ جلّ الضائع بلا جدوى.
يلامس الفجر هذا الفؤاد المحطَّمِ :
يبدأ كل شيء مع نشيد الفجر المرير.
تحرَّر أمل ،افتقار حقيقي.
تنبثق أضواء بعد هذا السعي وسط الظلام،فقد تجلَّت ترنيمة نار.يلزم حتما تطور حساسية في ذاتها موصولة بطائر العنقاء قصد اكتشاف طائر النار ضمن تحوُّلات نشيد ينام ويستيقظ.لكن بمجرد نطق كلمة طائر العنقاء،ندرك وجود كائن مصيري. من يريد أن يحيا طائر العنقاء،في إطار رِقَّة الصبغة الشعرية،سيفوز حين إعادة قراءته التتابع الخَطِّي لقصائد حيث يتشكَّل فعليا طائر العنقاء من خلال غناء الشاعر.
صورة طائر العنقاء الشعرية هنا،مستقلة على نحو ما.هاهي قصيدة في أوج التطور الأدبي،تبلور في غضونها ببطء الطائر الخارق(11) :
يخاطب طائر العنقاء النار،المصير
والمشهد المضيء يقذف بظلاله،
أنا من تنتظرينه،يقول لها،
لقد تهتُ في بلدكِ الخطير.
يتأمَّل النار. كيف صارت،وكيف تقوم داخل الروح المظلمة
حينما ينجلي الفجر عبر النوافذ،تصمت النار،ويذهب كي ينام أسفل النار.
يغذِّيها بالصمت.يتوخى من كل طَيَّات الصمت الأبدي،الذي يحطُّ فوقه مثل الرمل،
أن يعمِّق خلوده.
تحمل هذه القصيدة عنوان :”أبدية النار”،حيث يجسِّد طائر العنقاء تحديدا رمز أبدية تعيش.
مختلف القصائد التي سردتُها،استُهِلَّت بهذه المقطوعة الشعرية الرباعية(12) :
أن يتمزَّق الطائر إلى رمال،كما تقول.
أن تكون ضفَّتنا،عند أعالي سماء فجره.
لكنه هو،وقد تهاوى مغرِّدا من القبو.
يبكي سلفا سقوطه في صلصال الأموات.
من احتاج إلى أن يشاهد لحظة الحلم،سيجد طائر العنقاء الملغز عند إيف بونيفوا. أيضا،إذا توخيتَ أن تكتشف كي تتخيَّل فلا تقتفي مسلك الصور التدريجي،بل ينبغي إضفاء توضيح”تصويري”على الأسطورة القديمة.سيصادف فقط طائرا ينبعث ثانية من رماده وقد وسمه سابقا نشيد يولد ثانية من صمت كل لفظ جديد.
استحضار طائر العنقاء”وقد تهاوى مغرِّدا من القبو”،يعني أن تترجم إلى شعر، مصير الطائر/ الشمس الذي يلزمه كل ليلة دفن ذاته في الليل كي يولد مرة أخرى خلال كل فجر.الطائر الذي”غنى أعلى من كل شجرة حقيقية،وأبسط من كل صوت داخل أغصاننا الحزينة”.
طائر العنقاء عند إيف بونيفوا يحيا وسط هذا الكون المذهل،مثلما الحال مع الكون اللفظي،الذي يتكلَّم.
لنتذكَّر بأنَّ نيتشه وضع الموسيقى تحت إشارة طائر العنقاء،”طائر العنقاء الموسيقي”بحيث تضاعفت صورة الانتعاش :”سأروي حاليا حيثيات قصة زرادشت.فكرة العمل الأساسية،حول العود الأبدي- أسمى صيغة إقرار لم يتم بلوغها قبل ذلك – تعود إلى تاريخ شهر غشت 1881 . انكبَّ نيتشه على ورقة وكتب الفقرة التالية:
” على ارتفاع ستة آلاف قدم يلتقي الإنسان الزمان”.عبَرْتُ خلال هذا اليوم الغابات المجاورة لبحيرة سيلفابلانا؛ غير بعيد عن قرية سورلي وقفت عند قدم صخرة هائلة يشبه شكلها هرما. لحظتها استلهمتُ الفكرة.حينما أعود إلى شهور معينة قبل هذا اليوم،فقد تمثَّلتُ خاصة مع الموسيقى،ملامح أولى عن الواقعة،عرفت أذواقي،تحوُّلا مباغتا،عميقا، حاسما.ربما لاينكشف زرادشت لديَّ سوى بالموسيقى؛حتما يفترض ”تجديدا”للسمع.قضيتُ ربيع سنة 1881،في كنف بلدة صغيرة تحيطها مياه جبلية،ليس بعيدا عن فانسونس،ومدينة ريكاورو،هناك اكتشفتُ مع بيتر غاست صديقي الذي أعتبره مايسترو،”مجدِّدا” بدوره،على شاكلة طائر العنقاء الموسيقي الذي يحلِّق أمام أنظارنا في خضم ومضة ريش أكثر خِفَّة ولمعانا من ذي قبل”(13).
شاعر،ينتمي بخياله إلى النار،يمكنه التحقُّق من الوجع والموت حينما يفتقد وهج الضياء.صورة اختبرها غابريل دانونزيو،نتيجة آلام عينه المصابة بالعمى إبان خوضه معارك حربية.إنَّها رماد ملتهب وكذا وهج حياة جديدة.بل داخل عينه يحترق موقده. هكذا،جاءت صفحة بأكملها من كتاب دانونزيو(14)تحت إشارة طائرة العنقاء :
“أوقد الشيطان كل النيران في عمق عيني؛ ينفخ بكل جنونه الموقد الكئيب،خلال أكثر الساعات يأسا تحت وطأة عذاب بغير معافاة.يغدو جسدي البئيس في غمرة الاحتراق حزمة أغضان بجوار الشعلة”.
ألم ساخن،احتراق داخل العين،مأساة حميمة للنظر والضوء.يحترق مجمل الكائن. لذلك تساءل الشاعر:”من يدثِّرني بهذا الرَّماد الحارق؟”.غير أنَّ الشاعر سيكتشف خلف جلده المحترق، أنَفَة ولادة جديدة:”تنبعث شرارات من أوج فؤادي،فتخترق الرَّماد.أنا رماد ذاتي و طائر العنقاء،أنا معتَّم وأشِعُّ،أحيا داخل موقد،ثملا بالأبدية ”.
ستخبرنا هذه الصفحة عن ظهور طائر العنقاء حقيقة الواقعية عبر بانورامية مشهد غابة نارية.تحدث أشجار الصنوبر أزيزا وسط عِطْرٍ هائل لصَمْغٍ من نار:”غير أنَّ جميعها واقف مثل شهداء لم يُهْزموا”.
مع ذلك،انطوت مراكز للحياة على الأمل (15) :”أكتشفُ،هنا وهناك،حول انتكاسات حفر خَلَّفَها الحريق،أجَمَة عشب أخضر،سيقان أزهار وردية صغيرة و بنفسجية.التقطت الروح المنذهلة تلميحا إليها عبر ذلك ”.
ينتهي هذا الفصل بترنيمة تمجيد لطائر العنقاء(16)
أصغي إلى أناشيد طيور العنقاء !
تندفع الثمالة داخلي وأنا مثل نهرٍ سماويٍّ
أحسُّه داخلي يا إلهي.
أرهف سمعي إلى شدو طيور العنقاء
شدو ينفث رائحة شجر المرِّ وبهجة المرارة
أتمثَّلها داخلي يا إلهي.
كلّ رماد بذرة،
كلّ الأغصان براعم،
كلّ الصحراء ربيع.
كلّ ذلك ألمسه داخلي يا إلهي.
ليست الغابة المنبثقة سوى سعف نخيل،
سامقة عبر الأثير قد تحرَّرت
من العبء المنحدر صوب الأرض
أتحسَّسُ ذلك داخلي ياإلهي
فوق سعف النخيل المنحدِرة من مملكة إدوم،
دون تحريكها أو ثنيها
تشدو طيور العنقاء المنبعِثة
أستأنسُ بذلك ياإلهي.
تطرح صفحات من هذا القبيل قضية النشاط الأدبي : هل تمتلك المعاناة،الفيزيائية تحديدا،الحقَّ في الأدب؟لقد عثر أدب غابريل دانونزيو على نُقَّاد. لكن بالنسبة لمن يمتلكون شغف الصور،فالانتقال طبيعي من الحياة إلى الصورة.تنطوي الصورة في ذاتها على معاناة ندركها تماما إذا جعلناها تُدَوِّي تعبيريا.
داخل عُشِّ تجويف يقيم طائر العنقاء.عندما يحيا الأخير مجدَّدا بفضل الشاعر يغدو مأساة لقرنية العين،حنين هائل من خلال النظرة الملتهِبة.هي عين ميِّتة،تحديدا بين العمى والإضاءة،ويأس الظلمات،ثم انبعاث الضوء رغم ذلك.حينها،تتجلَّى شجاعة الانبثاق مرة أخرى.
توجد صور استثنائية(16)،تحمل اسم السبيكة الشعرية لطائر العنقاء،أمكنها أن تعيش ضمن نفس مأوى الصورة التقليدية.هكذا،الشأن مع طائر العنقاء عند بيير جان جوف Jouve في مجموعته الشعرية المعنونة ب”الغنائية”(17).
عندما نقارب القصائد الخمسة تحت عنوان”طائر العنقاء”،نخسر بالتأكيد ثمن التركيز.إنَّها قصائد،تمثِّل تركيبا بين الأبعاد النفسية للدواخل وكذا الجمال الكوني،أبدعها الشاعر نتيجة تأمُّلات نظرة مُرَكَّزَة،فهي ظواهر للنَّظرة.ليس طائر العنقاء قط بموضوع،بل حالة لحدقة العين.صفات متعدِّدة تخبر عن النظرات المشتعلة،الخاطفة،المضيئة.لكننا نحتاج شاعرا،فيلسوفا شاعرا،كي يحدِّد سمات الإسقاط النفسي.تبرز قصائد بيير جان جوف طيور العنقاء في خضمِّ أصالة إبداعها.سمات نار تعبُرُ سوداوية الشاعر(18) :
مثل أمواج البحر،تموت الواحدة بين طيات الثانية،كي تنتج وميضا عند التِّلال الأكثر تعطُّشا،
يصغي الشاعر إلى الزمان الذي يدوِّن سمات،بجوار فؤاده،بريشة من حديد.
شهيَّة كينونة أمكنها بعث كائن يعيد الكتابة،لقد باغت الكاتب عمقٌ نفسيٌّ.لحظة ظهور فوري لطائر العنقاء ضمن ابتذال الوجود.حينما يصغي الشاعر إلى الزمان،يلتقط معجزاته. بالتالي،طائر العنقاء محض لحظة شعرية.لن يصف الشاعر مايظهر بل تتجسَّد عبقرية في استفزازه.
أيضا تحتدم نيران إحساس،تمزج حساسية طائر العنقاء بين جنسانية سعيدة وكذا جاذبية الأبدي.
أشار جان جوف بين مقاطع القصيدة الثالثة،إلى انبعاث طائر العنقاء مثل انبعاث للنَّظرة. أشبه بعين مطلقة تبسِطُ سيادته على العالم(19) :
احتشدت في جوف شعل،مثالية كِسوتكَ ثم أن تكون
من أجل نار هائلة سوداء تماما لأيِّ نظرة نافذة
نار صديقة منبعثة تنكشف معها عينكَ الوحيدة
ولادة رغبتنا نحو طائر العنقاء،حسب نظرة جديدة من أجل ومضة جديدة داخل العمل الحميمي،وردت آخر القصيدة (20) :
ولادة ثانية بعد احتضار قلب أحمر،أسمر،
تغدو بريق عيون تومض من الثَّدي،
هكذا يستوحي البعض قانون المعجزة
أن تعاود استئناف البناء والضحك ثم جلّ التصميم.
طبعا،ليس هذا النشاط الإبداعي لحدقة العين،واستدعاء الشبكية للضوء،بتأمُّل صورة مضيئة وهمية.خلال ظلمة الليل،عين طائر العنقاء المتجلِّية تمثِّل سلفا كائنا شمسيا. يجعلنا الشاعر نعيش اقتران الضوء المكثَّف مع حقائق فجر يمتدُّ بضوئه حول الكون.يشتغل تبصُّر الشاعر ضمن نطاق الإحساس وكذا الحلم،ثم أيضا في حدود لغة الدلالة ولغة التسامي.
تدعوننا قصيدة نثرية لبيير جان جوف عنوانها”جمال”،كي نحيا اللغة عموديا(21) :”الحياة غير ممكنة سوى عموديا،بعيدا هناك،من خلال تآلف الأصوات،الألوان، الكلمات.جمال بعض عبارات البارحة كما لو هي مغلَّفة بالأبدية” .
بهدف تحقيق السعي الذي أتوخَّاه والمتمثِّل في إبراز الصور الأدبية ضمن راهنها،يمكن اعتبار صورة طائر العنقاء لم يُستحضر قط اسمه أكثر قيمة من قصيدة تعليمية.سأحاول تجميع بعض الأمثلة عن”طيور العنقاء الضمنية”التي توضِّح لنا بأنَّ طائر العنقاء بمثابة نموذج أولي عن خيال النار.
حدَّد جان أندري وولWahl عبر مقاطع قصيدة كتبها أولا بالانجليزية ثم ترجمها بنفسه إلى الفرنسية(22)،سمة فلسفية أساسية حول الطائر المدهش،”الطائر السعيد”،تتجلَّى في حضوره”دونما سبب”،وقد انتشلته تماما بهجة إيقاظ الكون.
لاأعرف هل أدرك جان وول،الذي يستشهد بهيرقليطس،توهُّج قصيدته في خضمِّ أسطورة طائر العنقاء.صورها جديدة للغاية تدفعني للإقرار بإعادة تحديث الأسطورة،إنَها أسطورة تولد من جديد بل خلال مرتين.أيّ سعادة تحظى بها القراءة حينما نعيش القصيدة من خلال لغتين،بالتالي تخيُّلها وتأمُّلها مرتين،ثم التحرُّر من تقليد أدبي متحجِّرٍ !
هاهي قصيدة : طائر السعادة
بفضلكَ،سعادتي متوازنة،
هكذا،دونما سبب
وسط هذا العالم العميق و الشاحب،
ليست مثل سعادة الصوفيين العقلانية،
لكن على منوال هيراقليطس الذي يضحك أو جوقة كوميدية وسط بروميثيوس،
دونما سبب،أنتَ سبب وجودكَ،
يثقلني ابتلاع زفرات،ثم رشيق نتيجة أشعَّة تجمَّعت،
أتأملكَ تحلِّق بقوة وتهتزُّ مع ارتفاع خفقان أجنحتكَ؛
ثم تخترق الزمان بشدوِ توقُّدكَ،وتلدغ الأبدية.
حاليا،أرهفُ السمع إلى صرختكَ الناشئة،
سعادة طائر !
يبحث جان وول،بين طيات تأويله لولادة قصيدته(23)،عن حصر أسماء فلاسفة كبار سابقين ألهموه فعليا طائر السعادة.لم يحدِّد اسما بعينه،لذلك أشار إلى كيركجارد،نيتشه بل وديكارت.أيضا،يتذكَّر صورا شعرية لويليام ووردزورث و وبيرسي شيلي…ثم تشعرنا السطور الأخيرة لحديثه،بأنَّ اندفاع الطائر السعيد بمثابة تجاوز للحزن الجذري،بحيث يستحضر كيركجارد وهيدغر.
باعتباري شخصا ينحدر من منطقة شامبانيا،أرى جان وول مَرِحا يبحث بلا جدوى ضمن حيثيات الجوانب الفكرية في ثقافته عن الحافز المبدع الذي يتأتَّى منه طائر السعادة.بالنسبة إليَّ،الجواب عن تساؤل جان وول بسيط للغاية :القصيدة بدورها مثل طائر يتقلَّب بين أحضان الأبدية الصادحة،قصيدة بلا سبب مباشر نفسي أو ثقافي،قصيدة تسمى طائر العنقاء.
يجسِّد الشرود الشعري للفيلسوف- الشاعر،حول طائر السعادة،انكشافا لنمط بدائي أولي.يعتبر،مثلما الشأن مع مختلف الأفعال المبدعة،مصدرا لكل شيء يحدث بلا سبب،غالبا بكيفية أولية،مخترقا بوثبة بؤس التاريخ النفسي الذي يشكِّل موضوع أبحاث الأخصائي والطبيب النفسي.يشبه الفعل الشعري فعلا أساسيا يتجاوز دفعة واحدة الصور المرتبطة بالواقع.يبتهج طائر السعادة لدى جان وول،إبَّان التحليق مثلما يتحدث مقطعان شعريان كبيران لويليام بليك استشهد بهما جان وول عند فقرة أخرى من كتابه(24) :
من يعرف كيفية احتضان الفرح في أوج التحليق
يختبر حينها العيش عند فجر الأبدية.
غالبا،ماتحترق طيور العنقاء التي تمثَّلها الخيال الشعري خلال أوج تحليقها،ثم تندلع وسط السماء مثل متفجِّر ضوئِيٍّ.هكذا الشأن،أيضا،مع طائر العنقاء الوارد ضمنيا في قصيدة كلود فيغيVigée التي تحمل عنوان”قتال مع المَلاَكِ ” :
طائر باع لي ياقوت الفضاء
يمزِّق بناره مختلف أغصان السماء
تنبثق هذه الصخرة الحيَّة بِنَفَسٍ غامض
ينثر نور القلب ثم يستعيده.
فيما يتعلق بعلم للكون لدى شاعر يتآمر عنده كل شيء قصد خلق عالم،ربما يجدِّدُ طائر شباب شجرة،مما ينِمُّ عن إعادة تأهيل للطبيعة برمتها.إذن،تجلَّت آخر إشارة توقظ الغابة من لدن طائر العنقاء.طائر مضمر بوسعنا اكتشافه خفية مع”شجرة جنكيز خان”لهنري بوشو بناء على هذه الإشارة الكونية الكبيرة للانبعاث.تعترف الشجرة مع هذه القصيدة،عن ترقُّبها للطيور(25) :
لاأحد يعرف قط عدد أغصاني،ولانسبة قبائل أوراقي.كثيرة هي أوطان الطيور التي تغنِّي فوق أوراقي.لاحصر للأموات وكذا الولادات الجديدة الرخيمة.
أعشاش مفتَّتة،ريش رفيع،ثم هيكل عظمي
نسر أو عندليب،يعود الجميع إلى الجذر،حيث فكّ زُحَل المعتَّم الذي يسحق،يكسِّر ويدفع قوة الحياة غاية السماء المهيمنة.
قوى دافعة ستعيد الحياة إلى الأغصان، قوى تصطاد الطيور،كما لو أنَّ قبيلة جديدة للطيور ولدت عند جذور الشجرة،ثم تنبثق جذور العالم،وهي تندلع عند الشمس”هناك حيث مراعي الشمس الكبيرة”.
تُستدعى الصور الكبيرة،يدعم أحدها الثاني،تسند بعضها البعض كي تترعرع جميعها ضمن نظام مدهش.نحسُّ بتآلف فعَّال بين الصور إذا قرأنا بناء على شغف الإعجاب اللازم قصيدة كلود فيجي النثرية:”سبات إيكاروس”.يتجلى انبعاث عيد الفصح،من خلال بريق الصور المجنَّحة،مثل”نار البعث”التي تثير في نهاية المطاف”الرغبات النائمة”عند إيكاروس(26) :”يسبقني طحلب الإله،ينثر ريشا من الارتفاع الهائل الذي يدين إليه السطح.لكن العين تضيء النورس ذات المثلثات البيضاء الطويلة التي تدور ببطء تحت المحيط الحلزوني.موجة،قارب شراعي بلا مرساة،ثم لقاءات سعيدة،نحو كوكب أكثر يقينا،سماء بلا عبء يُذكر:حينما يقذف جناحكَ بالأسى ليلا،ثم يلهب تحليقكَ فجرا زهيدا،ستنحدر وأنت تنثر ضوءكَ و يتأمل دمكَ في البحر شمسا وهمية…قبل نضوب شدْوي،فلتضئ ياطائر الشعلة،القمر البلوريّ المنصهر خلال هذا الصباح الصيفيّ وسط حصى المنابع مع انعكاس لنيرانكَ…لكي أنحتَ لي درجا وسط الجوهر المقدَّس أناشدكِ حاليا أيتها الصقور النيزكية؛كي تحرقي هذه الغابات الكامنة تحت البحار،بحيث يؤدي سعير نار متوقِّدة إلى انبثاق العروق المعدنية المتمدِّدة.أذبحُ بين القمر والصحراء،أنثى الطائر التي تكشف السرّ الضائع تحت الرياح”(27).
تحضر صورة طائر العنقاء،بين طيات توالي الصفحات،دون الإشارة قط إلى اسمه أو التلفُّظ به،كي تثري أسطورة الإنسان المحلِّق ثم تغدو فعلا كونيا.تصبح صورة طائر العنقاء،دون ذكر الاسم،منبعا لمختلف تجليات إعادة انبثاق الصورة.مجمل القصيدة،ذات كنه ناريٍّ.تتدفَّق الصور،برَّاقة،جديدة،وقد ولدت فعلا من الخيال الحرّ.القصيدة هنا بؤرة؛والصور بمثابة وقود يلزم باستمرار ادِّخاره كي يستمر الخيال ضمن أفق قمته.
إذن ليس من الضروري الإبقاء على خيط سردي،كي نروي من جديد التاريخ القديم لرجل شجاع للغاية.ذلك،أنَّ تآلف صور النار أكثر قوَّة من تآلف الأفكار.وحدها القوة الشعرية،تمنح أجمل الوحدات إلى القصيدة.يلتمس طائر العنقاء الذي نختبره احتراق نار نعيشها،حريق دون حدود يعيد تجديد العالم.هذا الحريق-الانبعاث،أكبر درس يتأتَّى لنا عندما نحلم دون تحفُّظ بالصورة الكبيرة لطائر العنقاء.
أحيانا تُمَرْكِز الصورة في ذاتها قدرا من الحماسة،وتتغطَّى بكثير من الألوان،تدفعنا إلى القول بأنَّ طائر العنقاء توخَّى التعبير عن وجوده من خلال تعدُّدية أقنعته.هكذا،تؤثِّر صورة طائر العنقاء بغير التلفُّظ قط بكلمة العنقاء.هناك مثال متواري حول طائر العنقاء بين مقاطع قصيدة نثرية لأوكتافيو باث.حينما يغزو الطائر الأسود الارتفاع،يصبح في إطار شفافية الضوء،بياضا جليديا لطائر البجع.لكن قوى النار تضيء هذا البياض،وتجعله مذهلا.يتحوَّل الطائر،إلى ديناميكية نارية،كائن كونيّ وعالم مشتعل،يلزمه الموت في إطار انفجار مثير.
تقول مقاطع القصيدة :”أيها الطائر الأسود،يفجِّرُ منقارُكَ الصخور.لقد جعلت إمبراطوريتكَ الثكلى وهمية تلك الحدود الهشَّة بين الحديد وعباد الشمس،الحجر والطائر،نبات الحزاز والنار.تنتزع من الأعالي أجوبة ملتهبة (28) .تنقسم حنجرة الضوء الشفافة إلى قسمين ثم إشراق كسوتكَ السوداء نتيجة برودة خالصة.ها أنتَ، قد أضحيتَ بكيفية مضاعفة منتميا إلى البلَّوري،يتموَّج بغزارة زخرف لونكَ،إنّه طائر البجع منغمس بين طيات بياضه الخالص”.
بالتأكيد،لقد انقطع سلفا نَفَسُ القارئ الحصيف؛كي يشارك في هذا الحفل للكلمات،و غزارة التحوُّل النوعي :الحديد،عباد الشمس،الحَجر،الطائر،نبات الحزاز،النار.ذلك،أنَّ القارئ المتطلِّع دائما نحو الإحساس بصلة بين صورة وحقيقة،يستبعد الصور التي لاتحدِّد حقيقة معينة.حين ذِكر عبارة طائر العنقاء،سيدعم ربما القارئ قراءته بذكريات ثقافية.لكن، بوسعنا فقط اقتحام طائر العنقاء في خضم تحمُّس للصور.يضيف النص :” قِفْ عند القمة وثَبِّتْ شعلتَكَ.ثم،انْحَنِ كي تُقَبِّلْ شِفاه فوهة البركان المتجمِّدة برودة.لقد حانت ساعة الانفجار،دون ترك أثر سوى ندبة وسط السماء.تعبُرُ أروقة التناغم،ثم تختفي داخل مواكب نحاسية”.
بالتالي،هل أضحى طائر الشاعر كائنا للكون،بواسطة نار تنفجر،وتمزِّق السماء. إنَّه كائن متوهِّج وسط سماء خلال غروب شمس،يدوِّي مثل سمفونية نحاسية وكذا آلات موسيقية ليلية.عنوان كتاب أوكتافيو باث ”النسر أو الشمس؟”.يلزم مع القصيدة الحالية،صياغة جملة ”النسر والسماء”،ثم إبراز المعادلة الوجودية التالية : النسر+الشمس= طائر العنقاء،وفق كل سموِّها. يولَد تركيب من هذا القبيل عفويا داخل خيال حرٍّ شعريا.
التمييز الذي طرحتُه بين طائر العنقاء الجليِّ والضمنيِّ،ليس له من غاية سوى محاولة تسليط بعض الضوء على حيثيات نقاشي،مجرد تمييز شكلي.بالفعل،عندما يحدِّد الشاعر بكيفية صريحة طائر العنقاء،بين طيات أشعار القصيدة المعاصرة يعمل حينها على تطوير طائر العنقاء الخاص به.ننتمي إلى سياق زمني،حلَّ خلاله الشعري بدل التراث الأسطوري،بحيث لم تعد القصيدة في حاجة إلى نسيج الأسطورة كي تحيط بصور أشعارها(29).هل يمكن الإقرار أيضا،بأنَّ القصيدة تنمِّي أساطيرها الخاصة.
أوضح كلود ليفي ستراوس وجهة نظر عميقة(30)،مدافعا عن أطروحة مفادها أنَّ أسطورة معينة حصيلة جلِّ متغيِّراتها،بحيث يصبح فورا كلّ متغيِّر جديد جزءا من الأسطورة.لذلك،يعتبر هذا الإدراج لمتغيِّر متميِّز ضمن الصورة المركزية لطائر العنقاء،أكثر إذهالا.قوام طائر العنقاء جملة قيم شعرية،وكذا لعبة تطابقات عدَّة :نار، مرهم،نشيد، حياة، ولادة، وفاة. إنَّه عشٌّ وفضاء لانهائي.يمتلك حرارتين،واحدة مصدرها العشّ والثانية تعود إلى الشمس.يلتئم دفء الشدو،ودفء البلسم،قصد جعل الطائر يلتهب : نيران ذكورية لأناشيد توقظ،ثم دفء أنثوي لِعِطر مُهَدْهِدٍ يبعث على الاسترخاء،فقد تجلى تحوُّل ناعم أكثر فأكثر،بالتالي حقيقي أكثر فأكثر،عن خنثوية الصورة الكبيرة.
أما بالنسبة لبول إلوار،ف :”طائر العنقاء،يجسِّد الثنائي آدم وحواء،لكن ليس في إطار حالته الأولى”(31).بل انبعاث لتلك البداية المطلقة.الأشعار التي نُظِمَتْ تحت عنوان : طائر العنقاء،هي قصائد حياة جديدة،وسعادة أخرى،حينما يحرق حبٌّ جديد تلك الأحزان القديمة كي يلهبكَ بشعلة جديدة.هكذا،اختزل فعل إيمان شعري كل تاريخ القَلْب:بفضل حواء،أصبح آدم شاعرا،أكثر منه إنسانا.بفضل الحبِّ،اكتشف آدم الذي لم يكن سوى رماد، يقظة طائر العنقاء.يلزم أن نحوِّل حسب دلالة متعالية نهاية صيغة بول إيلوار : ماليس بأوَّلٍ،يصبح الأوَّل جراء الفعل الأسمى لطائر العنقاء.عندما،يتحوَّل طائر العنقاء إلى رماد يشعر ويدرك بأنَّه قد أصبح نارا(32).
أن يحترق بين طيات رماده،يعني ارتفاعه أبعد من الرماد المستكين،ثم يتجلى الحلم الكبير الموصول بطائر العنقاء الذي أمكن بول إلوار اكتشافه(33) :
حقيقة لست قط في حاجة إلى أجنحة
كي أتخلَّص من ثِقَلي.
يستحيل إعادة قراءة تلك المقاطع الشعرية دون ولوج تأمل شارد طويل،وتأملات شاردة تتغيَّر تبعا للون النهار. أحيانا،أتمثَّل شغفا كبيرا بالاستراحة،كما لو أنها تستنزف المعاناة،تحرق الذكريات،بكيفية لانهائية غاية أن تصبح وعيا بالرماد.
لكن،خلال ساعات أخرى من الشرود،تشعرني مقاطع بول إلوار بالرشاقة،أجنحة أكثر سعادة تحلِّق بفكري؛تحرِّرني القصيدة،وأستعيد معها صباحا.
استحضر بول إلوار،عبر مقطعين شعريين،عبر صيغة هادئة دون وهج،جلَّ مزايا الصورة التي تطبع إيقاع طائر العنقاء؛قد نجعله يرنُّ خلال ساعات جسيمة غاية إيقاع الحياة والموت.لكن،هل يلزم كذلك طرح أفكار تتمدَّد حسب جدليات فَظَّة؟تستكين دواخلنا،تستريح ثم تنبعث مرة أخرى فتبلور إيقاعا تدرك القصيدة كيفية جعله مفيدا وبكيفية مضاعفة.
طائر العنقاء،كائن التناقض الكبير بين الحياة والموت،مرهف الحسِّ حيال كل الجماليات المتناقضة.تساعدنا صورته على شَرْعَنَة تناقضات الشغف.لذلك،ينبعث طائر العنقاء باستمرار عبر الأشعار والقصائد،دون مساعدة أسطورة قديمة.طائر العنقاء نمط بدائي لمختلف الأزمنة.نار نعيشها،مادمنا لاندرك قط إذا كانت ستأخذ دلالتها ارتباطا بصور العالم الخارجي أو قوتها داخل نار الفؤاد الإنساني. …………………..
هوامش:
(1) Notice ;p .2. Francois le champi. 1838 ، George Sand
(2) ماري دولكور : الخنثى،أساطير وشعائر الثنائية الجنسية خلال العصر الكلاسيكي،المطابع الجامعية الفرنسية،1958،ص 55 .
(3)”أميرة بابل”،مختارات من أعمال فولتير،أشرف على إصدارها جورج بينغسكو،مكتبة هاوي الكتب،1888،ص 148 .
(4) سيرانو دو بيرجيراك : العالم الآخر، ستوك،1947،ص 253 .
(5) جون كوبر باويس :رمال الشاطئ،ترجمة ماري كانافاغيا،1958،ص 454 .
(6) نفسه ص 455- 456
(7) نفسه ص 462
(8)نفسه ص 49 – 61
(9) نفسه ص 50
(10) نفسه ص 51- 52
(11)نفسه ص 60
(12)نفسه ص 49
(13) نيتشه :”هكذا الإنسان”،ترجمة ألكسندر فيالات،غاليمار 1942،ص 120- 121، تقول إشارة وردت على ضوء الشذرة 568 حول الشفق عنوانها :”شاعر و طائر” :”سيبدو طائر العنقاء للشاعر،مثل لفافة متوهِّجة تحترق ثم تغدو رمادا”لاترتعد قط !يقول،إنه عملك !يفتقد روح العصر،بل وأكثر من ذلك روح الذين يسيرون ضدَّ العصر:بالتالي يلزمه أن يحترق.هذا يمثِّل مؤشِّرا جيدا :تكمن عدَّة أنواع من الشفق”.
(14) غابريل دانونزيو : الليل، ترجمة أندري دوديري،1923،ص 183
(15)نفسه ص 185
(16)ورد ذلك تحت عنوان :طيور العنقاء عند بيير جان جوف،مع إشارة هامشية : أحسنت القول عن القوة الفردية الشعرية في صور القصيدة الحديثة.
(17)بيير جان جوف : الغنائي،1956،ص 9-13
(18)نفسه ص 9
(19)نفسه ص 12
(20)نفسه ص 15
(21)بيير جان جوف،نثر،1960 ،ص 94
(22)جان وال : شعر،فكر،إدراك ،1948،ص 58 -59
(23)يقول جان وول :”يستعصي أمر تفسير إحساس كيركجورد بالسعادة ”.يقول مقطع كيركجورد :”يبتهج الطائر جراء هذا الشيء القليل،فلأنَّه السعادة نفسها”،ثم يضيف :”مع ذلك،لم تساورني خلال لحظة الكتابة،ذكرى معينة واعية حول هذه السطور لكيركجورد”:”ثم تتقلَّبُ مع أعالي خفقان أجنحتكَ”،وقد بدا له مثل :”تذكُّر،لكن بخصوص أيِّ قصيدة،لاأعلم”.
(24) نفس المرجع ص 228
(25)هنري بوشو : جيولوجية،سلسلة ”تحوُّلات”،غاليمار، ص 83 .
(26) نفسه ص 91،المقطع الشعري الأخير للأغنية القصيرة الختامية (السونيتة) :
”أتطلَّعُ عاريا مثل فجر وبلا نفع مثل حَجَرٍ
أشحذ تلهُّفا رغباتي النائمة
أحَلِّقُ عند الشمس فأرفع الجفون”
(27)نفسه ص : 84 -85- 89
(28) ”تنتزع من الأعالي أجوبة ملتهبة” :أيّ شعار هذا بخصوص فلسفة حول التسامي المطلق !
(29)قلت غير مامرة بأنَّ الأسطورة شَكَّلت قصيدة بدائية،لكن ربما قادت المقارنة بين الأساطير نحو تجسيدها وكذا تعضيد تحوُّلها إلى اعتقادات.تلتمس القصيدة انتماء أقل ثِقلا وأكثر حركة وحرية.
(30)كلود ليفي ستراوس :الأنتروبولوجيا البنيوية،الفصل المعنون ب”بنية الأساطير”،1958،حينما استعرض ستراوس :”الصعوبة التي شكَّلت غاية الآن إحدى العوائق الأساسية أمام تطور الدراسات الأسطورية،أعني البحث عن الصيغة الأصيلة أو البدائية.بدل ذلك،اقترح تحديد كل أسطورة من خلال مجموع صيغها”.
(31)بول إيلوار : طائر العنقاء،1954،ص 7 .
(32) كتب غاستون باشلار تأبينا لبول إيلوار تحت عنوان :”الأصل و البرهان في قصيدة بول إيلوار”،مستحضرا صور النار.صدرت هذه المقالة في ”مجلة أوروبا،العدد 93،سنة 1953 ”،وأعيد نشرها بين طيات كتابه :”الحقُّ في الحلم” الصادر بعد وفاته،تحديدا سنة 1970،ص 169- 175 .
(33) بول إيلوار : قصيدة دائمة،غاليمار 1953 ،ص 45