رمضان جمعة
سحب نفسًا طويلًا من سيجارة غير مشتعلة، ونفخ دخانًا كثيفًا.
أرى هذا المشرد دائمًا، هنا، فوق الدائري، يجلس فوق بطانيته المفرودة بجوار السور الحديدي. دائمًا يجذب نظري، بأشيائه الغريبة التي يفعلها، أو يفتعلها، لا أعرف!
مرة شفته، يقلب في كتاب ليس بين يديه، ومرة، يأكل من أكل غير موجود أصلًا.. كنت أقول في عقلي، عادي.. مجرد شاب ذهب عقله.
وقفتُ؛ أنظر إلى الدخان الخارج من فمه، بذهول. يضحك هو، ينظر إليّ بسخرية.
اقتربتُ منه سألته.. كيف أخذ دخانًا من سيجارة غير مشتعلة؟!
نظر في عيني وهو يسحب نفسًا آخر، ضحك أكثر وأخبرني أنه يستطيع أيضًا أن يطير..
“تقدر أنت تطير؟!”، قال وهو يرمقني بنظرة تحدٍ.
“مستحيل!”
“ممكن”، صاح، ثم وقف. فرد ذراعيه جانبًا وهو يبتسم، قال: “بص!”، ثم ضرب الهواء بذراعيه، وظل يرتفع حتى وصلت قدميه إلى أعلى رأسي، بشبرين تقريبًا..
تراجعتُ إلى الوراء خطوتين، أشهق وأبحلق باندهاش. ينظر إليّ ويضحك. أنظر إلى الناس حولي، لا أحد ينتبه إليه، ولا إليّ. دقيقة، وهبط إلى الأرض مرة أخرى، ولاحظ انشغالي بمراقبة رد فعل الناس حولي. يضحك.. ويخبرني أن من لا يستطيع الطيران، لن يرى من يطير.
“هل يلتفتون إلى العصافير؟!”.. قال وهو يمط كتفيه لأعلى وشفته للأمام.
قلت: “لأن العصافير تطير بطبيعتها، لكن لا يوجد إنسان يطير”.
“طالما الفكرة موجودة في العالم، فالإنسان قادر على تحقيقها”.
سألته: “هل أستطيع أن أطير؟!”
قال: “نعم، الأمر بسيط..”، مد يده، أمسك كفي، تابع: “افرد ذراعيك جانبًا”.
فردت ذراعي. نظر في عيني وقال: “تستطيع.. فقط افرد ذراعيك وابدأ في التحليق، افعل مثلي..”
رحت أحرك ذراعيّ في الهواء مثلما يفعل.. وبدأنا نحلق أعلى الدائري..
صرخت: “أنا أطير..”.
قال: “بلحظة جنون، تملك العالم يا صاحبي..”.
ظللنا نطير.. أنظر إلى الناس فوق الدائري، ينتظرون الميكروباصات، وأحلق فوقهم، لا ينتبه إلينا سوا العصافير التي تحلق حولنا. أردت أن أنادي كل الناس، أخبرهم أننا نطير، قرأ المشرد أفكاري، قال: “هكذا ستسقط، من يستطيع الطيران سوف يرانا، لن يحتاج لأن نناديه”.
نظرنا إلى الأمام، وأغمضت عيني، وتابعنا طيراننا أعلى الدائري.