فتحي مهذب
مثل نهد سهران
نسيت مسدسي تحت ركبة الرب المحدبة..
ورقم هاتفي في تنورته القصيرة..
وفي خزانته خبأت مفاتيح العالم..
خاتم عرسي الملعون..
خرقا ملطخة بدم الطمث..
لفظتها العانس السوداء من شباك
الطائرة..
قتلت ملائكة وشياطين كثرا..
اختلست إوز السماء لأطعم ثعالب الفلكي..
وسخرت طويلا من بني الإنسان..
أنا ابن غيمة زانية..
نصف إله ونصف بهلوان..
ألعب بالنجوم والصواعق في رؤوس الجبال..
كل خنازير العالم تنام في تلة ظهري..
وفي كهف عمودي الفقري
ينبح وحش الميتافيزق الأكبر..
وفي دمي تغرد مصبات الأنهار..
هكذا مثل نهد سهران
أحدق في تابوت اللاشيء..
في هبوب سحليات تحت جلدي الأزرق..
في كذبة القس الكبرى..
في دوران الأفلاك داخل رأسي..
في كتاب الليل والنهار وإيقاع الأشباح..
في قبري المقدود من القش والهلام..
مذعور ومضطهد وأسيان..
وفمي مملوء بقش اليوطوبيا..
مجنون أعوي أسفل وادي الأضداد..
تركلني الأسئلة الكبرى
وتخمش بكارة روحي
أفعى الحتميات .
**
الشبح الذي يمطر في الباص
أنا لم أعد مرئيا.
لم أعد ابنا بارا لقانون الجاذبية.
ولا صديقا جيدا لرواد الحانة.
ولا منادى عليه في الحدائق المدهشة.
لم أعد شيئا من الأشياء في الملكوت.
كلما أراك تضحكين في الباص
أو تسحبين مترين من النعاس الخالص من حديقة رأسك.
أناديك مثل غيمة تحتضر على حافة كتفيك.
وحين لا تسمعين إيقاع المطر في كلماتي.
أبكي طويلا.
أحدق في تفاصيل وجهك
أقول: قد تسمعني عيناك المجنحتان.
قد تبصرني مخيلتك المليئة بعيون الفلاسفة.
قد يصرخ قلبك بيقين غاليلي
ها هو في اللامكان.
تهبطين من الباص
مثل صلاة من شباك كنيسة.
أتبعك
يمطرني كعب حذائك بالموسيقى.
تجذبني عطورك الباريسية.
قبعتك المطرزة بالفضة والدموع.
ظلك الذي يدخل في نقصان فادح.
العربات تمر محملة برائحة الأرض.
رائحة الأسلاف النائمين في كتاب العناصر.
الدراجون يعبرون جسر النوستالجيا.
أمي تطل من الشرفة الضيقة
تنادي باسمي الذي إختفى من العالم على حين غرة.
تمر الذئاب التي ربيتها شتاء السنة الفائتة في مرتفعات نصوصي.
أحاذيك أطلق طوفانا من الكلمات
وحين لا تبالين بزجاج صوتي المتكسر .
أبكي طويلا
على قارعة اللاشيء.
ولما تصلين إلى بيتك الذي حججت إليه مرارا.
تدخلين بعذوبة فراشات الحقول.
حينئذ أدرك تماما أني ميت منذ شهر ونيف.
صدمني قطار محمل بالأسرى
في مكان خطير للغاية.
ولكن لم أزل أتعقبك مثل صحن طائر.
**
مثل محارب قديم
مثل غيري من المحاربين
هاربا من زئير قطار يركبه فاشيون جدد .. أقزام من كوكب متعفن.. يطلقون سهاما ..قنابل يدوية..حماما ميتا باتجاهي..
يقتفي أثري مجلجلا..
قطار تلسعه ذكريات قتلاه..
أعدو مثل نيزك يناديه عالم آثار في ربوة..
يهاتفني رسول في معتقل..
لا تيأس ..لا تقف.. لا تصمت..
أمتطي حصانا ملطخا بالدم ..
يتكلم مع ظله برموز سومرية..
يغسل متناقضاته قبل النوم..
هاربا مثل سقنن رع تاعا الثاني تلاحقنني مجنزرات الهكسوس..
لصوص فروا من محكمة حتشبسوت..
أعتلي شجرة تغني مع جوقة عصافير الدوري..
تمنح فواكه جيدة
وثيابا نظيفة
أرغفة ونقودا وهدايا لا تحصى
لهنود حمر يتطايرون مثل يراعات
من جدول صدري .
**
الحليب ينز من آلة الساكسفون.
الحليب ينز من آلة الساكسفون
ريش الموسيقى يتساقط من البلكونة
شكرا أيها البهلوان
حاملا إجاصة القلق واليوطوبيا
شكرا أيتها الراقصة
ستعبر باخرة المحبة بين نهديك
سيولد ناس جدد على الخشبة
تمطر المصابيح بالحنطة والذهب
أرقصي بجناحين من العسل
لتسعد الأشباح وتهتك جوهر الأشياء
ليقوم الأموات من المقابر
النساء يتسلقن أحاسيسهن الوعرة
بجرار مليئة بأرز الشهوة
أخطف قبعة الضوء
يطاردني عميان كثر
خيول برية من المتناقضات
قبل أن يطل وجه الحقيقة من البلكونة
قبل أن تسقط صخرة الرب
قبل أن تستيقظ الجثة في المبغى
قبل أن تمطر السهرة بالثعالب
سأفتح النار على الوراء
أرفو قميص الوجيعة
السهرة مترعة بالذئاب والمسدسات
بعيون أفاعي المامبا
بالقوارض والعظايا
أنا المهرج العبثي
صاحب الأقنعة الكثيفة
والسيف المصنوع من القش والغبار
السهرة مليئة بالمومسات والفيلة
الغراب يلعق دم الرهبان
لا تسدلوا الستار قبل دخول المطرب في سم الخياط
قبل سطوع القباطنة في الشرفة
قبل سقوط البرج على كتف البهلول.
قبل أن يقفز المايسترو من شجرة الجنون
حاملا إيقاعه الحار بين أسنانه
وبراهينه تثغو مثل شياه المجرة.
**
لا ترم هواجسك من شباك الطائرة
لا ترم هواجسك من شباك الطائرة.
خشية أن يخطفها طائر العقعق.
ثمة ضباب مسلح يتربص بك
خارج البيت.
دادائيون فروا من كلاب المجرة.
يصوبون بنادقهم حول ثعلب نثرك اليومي.
لا يبصرون في النهار.
لا يجيدون الصلاة فوق جسر الوضوح.
سيقتلون حمامتك العائلية
لتصيرا واحدا منهم.
استعن بالشجرة
لقراءة أسرار الغد
وفهم طبيعة الأشياء بالإشارة.
استعن بكلب سلوقي لحراسة المخيلة.
طرد الجنون من شرفة رأسك
الجنون الذي خلف ضحايا كثرا
في نصوصك.
استعن بقطاع الطرق
لإضاءة براهين المسكوت عنه.
استعن بضحكة جارك الحبشي
لتدجين الساعات الحرجة
لا تسق الأموات حليب المخيلة.
ابتعد قليلا
أيقظ شمعتك من كثافة التفكير.
ذر حواسك ترع في الملكوت.
لا ترم شبابتك في البئر
الموسيقيون قادمون من أدغال نصك الجريح .
ابتعد قليلا
افتح النار على قافلة العميان.
واستعن بصليبك في الحرب
الرهائن كثر والطريق احتضار.
**
من أجل الحقيقة وحدها
من أجل الحقيقة وحدها
تلقينا كما هائلا من اللكمات
خسرنا قواربنا في نهر المسلمات
دحضنا قبعة الشماس
عادينا فلاسفة كثرا
تلبستنا لوثة ( فرلان)
فتحنا النار على نيتشة
في حانة يرتادها زرادشت بلباس جنائزي
طاردنا ألبير كامي بسبعة كلاب سلوقية
كان يبدو لنا مثل أرنب (مزدهر القامة)
كان محصنا بصخرته العبثية
مفتونا بتعداد المنتحرين
أهدرنا الكثير من الوقت
عدونا مثل ثعالب وراء قندس الحقيقة
نمنا مثل سحليات في الكهوف مع الوطاويط والدببة.
مدحنا أشباحا بأظافر طويلة.
زرنا مقابر جماعية بهيئة ثعابين مرقطة
كان الأموات قلقين جدا.
ينتظرون صيحة الملاك العظيمة
نمنا مع غيمة ضريرة في مرتفع صخري
أفرغت دورق دموعها في بئر شكرها يوسف قبل أن يهبط مصر
ويرمي شباك التأويل في أعماق النيل
ضربنا في مناكب البراري
وكلما أبصرنا قطاة
قلنا : زرقاء اليمامة قادمة من بعيد بمفاتيح الحقيقة.
من أجل الحقيقة وحدها
حملنا شيخ البحر على أكتافنا
ليدلنا على وردة السيمياء
ليعصر الكرمة بيديه الغامضتين
ويسقينا طوال اليوم
من أجل الحقيقة
صرنا طيور وقواق ومدحنا بوذا
من أجل الحقيقة شربنا سم البوا
من أجل الحقيقة
كنا نجلس مقلوبين على أرؤسنا
ونصغي إلى طنين ذبابة التفكير
قطعنا جميع أصابعنا لنطعم فهد التفكير الأزرق.
من أجل الحقيقة
كان حبل المشنقة لذيذا جدا
بطعم الأناناس
والدم شلال قوس قزح.
**
صخرة سيزيف
آخر الليل
بعد هروبي من الحانة
مثل موريسكي في الهزيع الأخير من الجنون.
تطارده قافلة من الهواجس
ناس مظلمون على أحصنة عمياء
آخر الليل
بعد هروبي خلسة من سم الخياط
من قاع الحانة
كأحد الناجين القلائل من عضة أفعى المامبا.
تاركا الغرسونة معلقة على حبل الشهوة.
تلعق رائحتي بحوافر أنفها الطويل
تاركا النوافذ تتخبط من السكر والهذيان.
والأشباح تتقاتل بالعصي
بعد هروبي المباغت من ذئب المسلمات الأشقر
تاركا غابة كثيفة من القلق
تحترق على مهل.
تاركا قراء يموتون مشنوقين أسفل النص.
أرتاد قبرك يا سيزيف
أبكي طويلا
أفرغ دورق دموعي على شاهدة قبرك
لأنك تعبت كثيرا
خذلتك الآلهة منذ القدم
خذلتك الحقيقة في البرية المعتمة
خذلتك جنازة المعنى
موت الفلاسفة في المبغى
هشاشة الأشياء الجميلة
آه يا أخي أنا مثلك مضطهد ومعذب.
تهاجمني ثعالب العادة القرمة
لعنة مالدرور الأبدية
يهاجمني العدد العدمي
أخطبوط الزمن الضاري
لم يزل حذاؤك مليئا بالثقوب
لفرط إحتكاكه بالجبل
والطرق الوعرة
في خزانتي الصغيرة.
ثيابك الرثة
ألبومك العائلي
لم أزل أعتني بمسدسك الأشيب
وصخرتك التي أهديتها لي
قبل موتك العبثي في دار المسنين.
لم أزل بدلا منك
أحملها كل يوم
منذ ستين سنة
من القاع إلى القمة
برأس يشبه تابوتا صغيرا
وقدمين من الصلصال الخالص
وروح متهدلة مثل شفتي عجوز
تترصدني نسور اللاجدوى من عل
كلما زرب دم من أطرافي المكسورة.
لم أزل أعتني بصخرتك
أحملها على كتفي المشققتين
في السلم والحرب
في الباص المتوج باللاجودى
في الحانات الفقيرة
في طريقي إلى الهاوية
**
لماذا لم ينتبه أحد؟
يسقط وجهي
مخلفا غيمة كثيفة من الغبار
يسقط جيراني صرعى
تلاحقهم جنازير من القلق اليومي
عذابات مليئة بقذائف الهاون
يسقط الراعي وراء قطيع الهواجس
يطارده حبل طويل من السحرة
تسقط النجمة العذراء
يسقط الضوء من قبعة الخوري
ذئاب الندم الليلي
يسقط كل شيء
وجه النهار في مصيدة اللامعنى
الجسر الذي ترتاح على كتفيه
صلوات الرهبان
الشاعر بثقوب مروعة في حواسه الخمس
يسقط وجه سائق الباص من النافذة
يسقط وجه الشمس
على سرير الماء
يسقط صاحب الحصان الأحمر
بطلقة طائشة
يسقط العميان تحت أنقاض الكلمات
مخلوقات عذبة
تسقط في النسيان
كلمات عميقة تسقط في شرك التأويل
وجه العذوبة يسقط في البئر
تسقط التوابيت على رؤوس الحكام
الحمام العائلي يسقط
الضحكات الحزينة تسقط في الوحل
يسقط لاعب الجمباز
مروض الساعات الحرجة بسكتة دماغية
يسقط العجوز مدججا بأمطار غزيرة من التجاعيد
يسقط القطار المحمل بالمنتحرين
تسقط السماء فوق الأرض
تسقط الأرض في مأزق أبدي
يسقط كل شيء
تسقط الأقنعة الكثيفة
مدبرو المكائد في الإسطبل
متعهدو حفلات الشواء العربي
القتلة وقاطعو رؤوس الكلمات المضيئة
الراقصون على رصيف المؤامرة
سائقو عربات الأموات
المهجوسون بإيقاع اللامبالاة
ستسقطون
ستسقطون
ستسقطون.