الديموقراطيـة من منظور المارد الفرنسي آرثر رامبو

موقع الكتابة الثقافي art
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

سوران محمد

جين نيکولاس آرثر رامبو من مواليد 20 أكتوبر عام 1854، وتوفي في 10 نوفمبر من عام 1891، شاعر فرنسي   معروف بتأثيره على الأدب والفنون الحداثية ورسمه للمعالم الأساسية للفنون السريالية. وُلد رامبو في بلدية شارفيل في فرنسا، وبدأ الكتابة في سن مبكرة جدًا، وتفوق في مدرسته، إلا أنه تخلى عن التعليم المدرسي الرسمي خلال سنوات مراهقته، وهرب، خلال الحرب الفرنسية البروسية من منزله إلى باريس. خلال فترة مراهقته المتأخرة، وأولى سنوات رشده، أنتج رامبو الجزء الأكبر من إنتاجاته الأدبية، ثم توقف في العشرين من عمره عن الكتابة بشكل كامل، بعد أن جمع آخر أعماله الأدبية التي حملت عنوان إشراقات.

وعندما توفی و بعد مجازفات عدة و تمردات مختلفة شهد المارة في فرنسا بكثير من الدهشة والذهول والشفقة موكبا صغيرا لجنازة متواضعة لم يكن يمشي فيها سوى إمرأتان متشحتان بالسواد، كان ذلك يوم وفاة الشاعر الفرنسي آرثر رامبو في 10 نوفمبر 1891. “ولكنك على الأقل تموت الميتة التي تريد، زنجيا أبيض، متوحشا رائع التمدن….”

قالها صديقه الشاعر بول فيرلين والذي كتب عنه ايضا فيما بعد: “انه شاعر ملعون،  انه أحد الشعراء الملعونين، لكن الغريب في أمره انه هو الذي يلعن نفسه ولا ينتظر هذه الصفة من الآخرين”. أعلن ثورته على الموت لكن الموت اختطفه وهو في سن السابع والثلاثين.

كان آرثر رامبو، المفكر التقدمي والإنساني، قد رفض العالم الاستعماري قبل قرن ونصف وفي سن المراهقة، ولم ترسم التوابل وعاجة الفيلة الهندية، وخضرة خط الاستواء الممطر، وأحجار الذهب المنهوبة من أفريقيا، ابتسامة على شفتيه. وأصبح يهرب و يتمرد ويستكشف، الى ان فر إلى اليمن والحبشة و استقر فيها منشغلا بتجارة البن والاسلحة بعيدا كل البعد عن الادب والشعر، و بعد سنوات قليلة من استكشافات رامبو في القارة السمراء، تمكن  الجيش الفرنسي من التعرف علی هذه المناطق و احتلالها.

لقد كان حس رامبو الإنساني في نص (ديمقراطية) غريبا على مجتمع صناعي حديث منفتح على الاحتلال العالمي آنذاك. نعم، لقد عبر رامبو منذ قرن ونصف عن آرائه بشأن ديمقراطية أصحاب العيون الزرق ، ومع ذلك والى الآن هناك من يفتخر بشعار الديمقراطية الغربية والمتناقضة في صورته الواقعية. واحيانا مخفية كذلك!.

في نص (ديمقراطية)، يبدأ رامبو بكلام جنود الاحتلال، نعم هو كلام الجنود، وليس رامبو، الذين تعلو أعلامهم ولغتهم على أبواق وطبول القبائل بثقافتهم ولغتهم الخاصة، وسيتم الرد عليهم بالنار والحديد من قبل حاملي راية الديمقراطية اذا أرادوا التحرر من قيود الاحتلال. حتى عندما انتهز رامبو فرصة الذهاب إلى جاوة بإندونيسيا مع البحرية الهولندية عام 1876، هرب على الفور ولم يخدم في الجيش يوما. وكما يشير الشاعر في النص فإن مسيرة الجنود تتغلب على صوت طبول قبائل الأراضي المحتلة، العلم الذي يحمله الجنود وهم في الطريق سيحدث الكارثة بوصولهم، لأنه يعلم ما هي الخطوة القادمة.

هذه هي صورة ثابتة أينما وقعت، سواء حدثت في قارة الهنود الحمر وتم تطهيرهم، أو في جزر كوك الماورية في أقصى شرق الكرة الأرضية في نيوزلندا، وكما هو الحال في هذا النص؛ عندما يغادر الجنود مكانًا ما ويذهبون إلى أي مكان، فالغرض هو احتلال الدول وتقسيمها ونهب ثرواتها، وإذا أخذ شكلًا مباشرًا آنذاك، فقد اتخذ شكلًا حديثًا تحت نفس الاسم وبطريقة غير مباشرة من خلال الضغوطات الاقتصادية وصنع ولاءات مقابل وعودات والتأثير علی مراكز صناع القرار للدول أو حتى احتكار أصوات المعارضين فيها.

هل يمكن أن نسمي قصيدة رامبو هذه بقصيدة سياسية؟ أم أنها قصيدة بعكس القصائد السحرية والمعقدة للمرحلة الأخيرة من كتابته الشعرية في (اشراقات)، أم أنها تحتوي على شيء من الواقع وحتى الواقعية الثورية؟ في مواجهة الفكرة السائدة التي أخضعت العالم باسم الديمقراطية، فإن مقايس هذا الشعار مختلفة من بقعة الى الاخرى، فعلی سبيل المثال إذا مات طفل بسبب الإهمال الطبي تهتز وزارة الصحة في بعض البلدان الراقية وإذا لم يستقيل رئيس الوزراء فعلى وزير الصحة ان يفعل ذلك، لكن نفس التركيبة الفسيولوجية للأطفال الابرياء في جزء آخر من العالم، يقتل آلاف منهم، وليس طفلاً واحداً، يُذبحون بأسلحة محرمة مصنوعة في هذه البلدان الديمقراطية، دون ان يتحرکوا ساكنين وكأنما لا وجود للضمير والحس الانساني تجاه معاناة الاخرين. هذا النفاق والكذب هو الوباء القاتل الذي يقتل الملايين من البشر على وجه الأرض، وقد فهمه رامبو قبل ذلك بكثير وأعمق بكثير – كشاعر واعي وحساس ومبتكر – وعايشه في حياته اليومية عند ولادة الديمقراطية، كما أعلن ثورته في عالم الشعر عندما تبول على أوراق صفراء لشعراء مزيفين وهو في سن المراهقة..

نص (ديموقراطية) لآرثر رامبو من ترجمة كاظم جهاد

.

العلم سائر الی المنظر القذر

ورطانتنا تطغی على رنين الطبل

سننعش في المراكز الدعارة الاكثر كلبية

وسنبيد الانتفاضات المنطقية

.

في البلدان البليلة المفلفلة

في خدمة ابشع

الاستغلالات الصناعية أوالعسکرية

الى اللقاء هنا، أو في أي مكان

.

سننال نحن المجندين بالارادة الطيبة

الفلسفة الشرسة، غير عابئين بالعلم

دهاة في (ايجاد) الرفاهية

الموت للعالم المتقدم،

انها المسيرة الحقيقية، أماما في الدرب

*

وفي عام 1946 عندما كان العراق تحت الانتداب البريطاني كتب الشاعر ابن السليمانية فايق بيكاس(1905-1948) في قصيدته (سبعة وعشرون عامًا) والتي تعبر عن ارادة الحرية عند الشعوب المحتلة و صوت الشعوب المضطهدة و نضالهم الدءوب حيث يقول في أبيات من هذه القصيدة الثورية ما يلي:

  سبعة وعشرون عامًا قد مضت

وأنا أكدح من أجلك

بخبزي و مائي وملبسي ودون الأجر

وقد خدمتك في ايران و روم

فمن أجلك انكسر عنقي!

ورغم ذلك انني مازلت أسيرا ذليلا

فماذا كان ذنبي ابتليتني بهذا الداء

لماذا ذللتني ودون وجه الحق

.

سبعة وعشرون عامًا وأنت تقهرني

تتحايل علي بالكذب والخداع

تجعلني أرقص كل يوم بنوع مختلف

انك تحطم عنقي في سبيل غايتك

ولما تصل مرادك تتركني و شأني

.

سبعة وعشرون عامًا وحياتي مر

تحت يديك أنا نادم

 لا أبدو كإنسان، بل أبدو كحيوان

متى سأتخلص يا منزلي المدمر؟

 تطلق على نفسك لقب “حامي” الشعوب

ما كان ذنبي حتى أوصلتني إلى هذا الحد؟!

لماذا أذلتني ظلماً ‌هكذا؟!

 

مقالات من نفس القسم